حمل عام 2017 معه كثيراً من الأخبار السيئة، وقليلاً من الأخبار الجيدة للفلسطينيين. افتتح العام بتولي دونالد ترامب الذي لم يخف انحيازه الكامل لإسرائيل، منصبه رئيساً للبيت الأبيض، وامتنع، في المرحلة الأولى من حكمه، عن لقاء الرئيس محمود عباس الذي كان عليه أن ينتظر طويلاً، وأن يقدم الكثير من «أوراق الاعتماد»، قبل أن يتمكن من دخول البيت الأبيض في عهده الجديد.
وعد ترامب بـ «صفقة كبرى» للسلام في المنطقة، لكنه اختار فريقاً سياسياً موالياً لليمين الإسرائيلي للإعداد لهذه الصفقة، بقيادة صهره، جاريد كوشنير، اليهودي الصهوني المقرب عائلياً وشخصياً وسياسياً من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ومعه محاميه الشهير جيسون غرينبلات، اليهودي المتدين الذي خدم في شبابه في مستوطنة إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. واختار سفيراً لبلاده في إسرائيل من المعسكر ذاته، هو ديفيد فريدمان، اليهودي الصهيوني الذي يفاخر بتأييده للاستيطان.
وبدأت ملامح «الصفقة الكبرى» تتكشف قبل أن يفجرها ترامب بالإعلان عن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها في السادس من كانون الأول (ديسمبر) 2017.
وتقول مصادر ديبلوماسية أميركية أن الخطة التي أعدها فريق ترامب لطرحها العام المقبل تقوم على دولة فلسطينية ذات حدود موقتة على قطاع غزة ونصف مساحة الضفة الغربية، وتأجيل البحث في قضايا اللاجئين والحدود إلى مفاوضات لاحقة، وذلك ضمن حل إقليمي تشارك فيه دول عربية مهمة.
وتضمنت الخطة أيضاً جمع عشرة بلايين دولار من الدول المانحة لتأسيس الدولة الفلسطينية تستخدم لإقامة المطار والميناء ومشاريع إسكان وسياحة وزراعة واسعة لتشغيل العمال العاطلين من العمل في كل من غزة والضفة الغربية.
ويرى الجانب الأميركي أن أول متطلبات هذا الحل يبدأ باستعادة السلطة الفلسطينية قطاع غزة الذي سيكون مركز دولة فلسطين، ثم إعلان الإدارة الأميركية عزمها على طرح المشروع ضمن حل إقليمي ودولي، تشارك فيه الدول العربية والمجتمع الدولي، وينتج منه إقامة علاقات ديبلوماسية إسرائيلية مع العالم العربي.
وحاولت الإدارة الأميركية تسويق هذه الصفقة بالقول أنها مهمة لإقامة تحالف أميركي – إسرائيلي – عربي في مواجهة إيران والإرهاب.
لكن ترامب فجر قنبلة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، قبل أن يطرح مشروع «الصفقة الكبرى»، ما سهل على الفلسطينيين قول «لا كبيرة» لها قبل أن تطرح الصفقة.
ومن حسن حظ الفلسطينيين أن إعلان الرئيس الأميركي القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، المخالف لقرارات مجلس الأمن الدولي ومواقف الإدارات الأميركية المتلاحقة التي اعتبرت الأراضي المحتلة عام 67 أراضي فلسطينية، أجهض خطة ترامب قبل أن تقدم رسمياً، وجعلهم في حل من أمرهم تجاهها.
وقال أحد مساعدي الرئيس محمود عباس، لـ «الحياة» أن الرئيس كان يعتزم العودة إلى المفاوضات التي يقترحها ترامب، حتى من دون وقف الاستيطان، لكنه الآن لن يقبل أي مفاوضات ترعاها الإدارة الأميركية لأنها أظهرت انحيازها لإسرائيل في واحدة من أهم القضايا التفاوضية، وهي القدس. فالقدس جوهر القضية الفلسطينية، وعندما تستثنى من المفاوضات فإن لا قيمة لهذه المفاوضات لأنها لن تفضي إلى أي شيء سوى تعزيز الاستيطان في القدس وفي بقية أجزاء الضفة الغربية.
لقد فضح ترامب نوايا إدارته، وهي تقديم حل سياسي إسرائيلي. الآن، ثبت لدى الفلسطينيين، بالدليل القاطع، أن ما تم تسريبه من أنباء عن خطة أميركية للسلام الإقليمي تقوم على ضم إسرائيل القدسَ، ونحو نصف مساحة الضفة الغربية، هي أنباء صحيحة، وبالتالي بات الفلسطينيون غير مستعدين حتى للحديث عنها، فضلاً عن التفاوض بشأنها.
قدمت أطراف عربية عدة نصائح للفلسطينيين بالانفتاح على مساعي الرئيس ترامب وفريقه. وبعض هذه الأطراف كان يأمل بأن يكون هناك حل سياسي إقليمي، يتم من خلاله حل القضية الفلسطينية. لكن ثبت للجميع الآن أن ما يعده فريق ترامب ليس حلاً سياسياً أميركياً، إنما حل إسرائيلي، كما يراه نتانياهو واليمين الإسرائيلي.
وبدأت السلطة الفلسطينية الاستعداد لجميع الاحتمالات، ووضع خطط قرار الإدارة الأميركية ومساعيها على جميع المستويات السياسية والقانونية الدولية، كان أبرزها «قمة إسطنبول» في 13 كانون الأول (ديسمبر) 2017 الذي اعتبر القدس عاصمة دولة فلسطين، ودعا كل دول العالم إلى القيام بذلك، خصوصاً بعدما حظي القرار الأميركي بمعارضة دولية واسعة شملت حتى أقرب حلفاء أميركا مثل بريطانيا وألمانيا، وبقية دول أوروبا والدول الفاعلة على الساحة الدولية مثل روسيا والصين.
لقد أزاح قرار الرئيس ترامب من طريق الفلسطينيين ضغوطاً محتملة كثيرة للعودة إلى العملية السياسية، وفتح الطريق أمامهم للسعي من أجل عملية سياسية ذات معنى، يرعاها المجتمع الدولي لا إدارة أميركية منحازة قولاً وفعلاً لإسرائيل، لا سيما بعدما أظهرت مناقشات مجلس الأمن والمواقف الدولية التي تتوالى تباعاً أن العالم يرفض الموقف الأميركي وينحاز إلى الموقف الفلسطيني.
ومن بين الخطوات الفلسطينية المتوقعة أيضاً التوجه إلى مجلس الأمن ومحكمة العدل العليا، ومحكمة الجنايات الدولية، إضافة إلى المطالبة بصيغة دولية لرعاية العملية السياسية بدلاً من الصيغة الأميركية التي جربها الفلسطينيون أكثر من عقدين من الزمن، والتي أنهاها ترامب.
محمد يونس
صحيفة الحياة اللندنية