ريتشارد هاس، 66 عاماً، هو دبلوماسي أميركي سابق، والمدير الحالي لمجلس العلاقات الخارجية. وهو يقول إن توقيت اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس باعتبارها العاصمة الحقيقية لإسرائيل إشكالي وربما يكون خطيراً.
* * *
دير شبيغل: ما يزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتعرض للانتقاد الكثيف بسبب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وقراره نقل السفارة الأميركية إلى المدينة. وتعارض الأمم المتحدة، شأنها في ذلك شأن القادة العرب -وحتى البابا- هذه الخطوة. فلماذا تعد الخطوة مثيرة للجدل وعلى هذا القدر من الأهمية؟
هاس: القدس مكان مقدس لليهود والمسلمين والمسيحيين. ويطالب بها الإسرائيلون والفلسطينيون على حد سواء لتكون عاصمتهم. والقرار مثير للجدل لأن القدس هي القضية الأكثر حساسية من بين كل القضايا التي يجب معالجتها من أجل إنجاز اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن دونالد ترامب حدد باتخاذه هذه الخطوة عنصراً مهماً من عناصر موقف الولايات المتحدة تجاه القدس قبل التوصل إلى أي اتفاق. ويشعر باقي العالم بأنه لا يجب البت في موضوع القدس أولاً ولا بشكل منفصل ولا من جانب واحد.
دير شبيغل: يدعي ترامب بأن “هذا ليس أكثر أو أقل من الاعتراف بالواقع” -فالحكومة الإسرائيلية موجودة في القدس، بعد كل شيء. ويقول ترامب أيضاً إن الامتناع عن الاعتراف بالمدينة عاصمة إسرائيل لم يجعل السلام أقرب.
هاس: لم يكن الموقف الأميركي حول القدس هو السبب وراء عدم تحقيق أي تقدم تجاه السلام. كان السبب أن الحكومة الإسرائيلية والقيادة الفلسطينية منقسمتان على حد سواء. وهناك فجوة ضخمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. القول إن هذا القرار يعترف بالواقع، بأن القدس هي العاصمة الفعلية لإسرائيل –حسناً، هذا صحيح. لكنه اعتراف انتقائي بالواقع. كان بإمكان ترامب أن يعترف به، ثم يقول شيئاً أيضاً عن علاقة الفلسطينيين بالقدس. المشكلة في إعلانه أنه أحادي الجانب ويخاطب إسرائيل فقط.
دير شبيغل: لكن ترامب قال أيضاً إن قراره لا يعني أي شيء فيما يتصل بالحدود النهائية للعاصمة الإسرائيلية ووضع القدس الشرقية. أليس هذا مهماً؟
هاس: ليس كذلك. صحيح أن القرار في حد ذاته لا يؤثر على أي شيء آخر يتعلق النزاع باستثناء موضوع القدس. لكن السؤال الذي يجب طرحه: هل يعزز الاعتراف الآفاق الدبلوماسية بإفراد موضوع القدس الآن، ومن جانب واحد؟ إنني لا أرى إيجابيات، وإنما أرى سلبيات.
دير شبيغل: عند النظر إلى الصراعات الدائرة راهناً في العالم، يبدو من المخيف حقاً أن يخاطر أحد بإشعال فتيل نزاع جديد.
هاس: قطعاً. لقد تحدثتُ عن هذا بالضبط -عن أن صندوق بريد ترامب الوارد ممتلئ وفائض مسبقاً. الولايات المتحدة تواجه العديد من التحديات، من كوريا الشمالية إلى أوكرانيا، ومن سورية إلى فنزويلا، وهكذا. فلماذا إضافة تحدٍ آخر إلى صندوق الوارد؟ إنني لا أرى أي حجة مقنعة على ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الآن. لا أرى أي حجة دامغة، حتى لو فكر المرء، من حيث المبدأ، بأن هذه كانت فكرة جيدة.
دير شبيغل: مع ذلك، يقول الرئيس إن قراره سوف يعزز عملية السلام -وهو ما يبدو مضحكاً تقريباً، نظراً لأن الجانب الفلسطيني أدانه بأقوى العبارات. هل ترى أي طريقة يستطيع ترامب من خلالها مساعدة عملية السلام؟
هاس: لو كان الرئيس قد ربط موضوع القدس ببعض المواقف الأخرى، مثل ربطه بالسلوك الإسرائيلي والفلسطيني، أو بتأطير إعلان القدس في سياق أكبر من السياسة الأميركية، فإنه ربما كان يمكن أن يعزز العملية السلمية. لكنني لا أرى كيف يمكن أن يساعد إفراد مسألة القدس وحدها.
دير شبيغل: هل هذه هي نهاية مبادرة السلام التي يقوم بإعدادها جاريد كوشنر، صهر الرئيس؟ أو ربما نهاية أي عملية سلام إسرائيلية فلسطينية؟
هاس: حتى قبل هذا القرار، كانت احتمالات السلام بائسة. وبعد هذا القرار ظلت هذه الاحتمالات بائسة. أما إذا كانت هذه الإدارة أو جاريد كوشنر سيطرحان اقتراحاً، فلا أعرف. كانت هناك مشاورات تجري منذ فترة بين الولايات المتحدة والسعودية. لكنني لا أرى أي أسباب للتفاؤل. وأنا لا أرى بالتأكيد كيف يمكن أن يحسن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل الآن آفاق أي خطة.
دير شبيغل: قال ترامب أيضاً إنه سوف يدعم حل الدولتين إذا وافق كلا الجانبين عليه. ما تفسيرك لذلك التصريح؟
هاس: أعتقد بأنه من المهم إعلان هذا التصريح. لكن تكراره ليس كافياً. سيكون علينا أن نسأل أنفسنا: هل يجلبنا هذا الإعلان أقرب إلى حل الدولتين؟ ذلك غير واضح بالنسبة لي. وأود أن أكون مخطئاً في ذلك، لكنني أخشى أن أكون مصيباً.
دير شبيغل: لماذا قرر ترامب القيام بهذا الإعلان الآن؟ لماذا لم ينتظر حتى تسفر خطة سلام جاريد كوشنر عن نتائج ذات معنى؟
هاس: أستطيع أن أتكهن وحسب. لقد وعد ترامب بالاعتراف بالقدس خلال حملته. والآن، لم يقل فقط أن المضي قدماً بقراره هذا لن يضر، وإنما قال إنه سوف يساعد. وسوف أدع الآخرين ليحكموا حول ما هي الدوافع السياسية التي ربما كانت هناك.
دير شبيغل: هناك تقارير تقول إن الإسرائيليين ضغطوا على ترامب للإدلاء بهذا الإعلان. هل تعتقد بأن هذا ربما يكون لعب دوراً؟
هاس: لطالما طالب العديد من الإسرائيليين بذلك، وليس من دونالد ترامب فقط، وإنما أيضاً من العديد من الحكومات الأميركية. كانت هذه هي رغبتهم منذ طويل وقت، بالإضافة إلى أنها رغبة العديد من الأميركيين أيضاً. ولكن ليس هناك ما هو جديد في ذلك.
دير شبيغل: ماذا يعني الاعتراف بالنسبة للتحالف الأميركي الإسرائيلي؟ هل يقويه؟
هاس: الإسرائيليون سوف يقدرونه بالتأكيد، لكن العلاقات الأميركية الإسرائيلية معقدة. ما تزال لدينا خلافات -على تفاصيل خطة السلام، وعلى المستوطنات.
دير شبيغل: حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أن هذا القرار يساعد “التنظيمات المتطرفة على شن حرب دينية من شأنها إلحاق الضرر بكل المنطقة”. هل تشاركه هذه المخاوف؟
هاس: هذا هو الخطر -أن تعمد إيران والعديد من المجموعات الإسلامية إلى استغلال هذا الحدَث، وأن تحث المتطرفين على مهاجمة السفارات والشركات والسياح الأميركيين. وأنا لا أتنبأ بأن هذا سيحدث، وإنما قد يحدث.
دير شبيغل: يعد هذا القرار خطوة أخرى أحادية الجانب من طرف إدارة ترامب، والتي تُحيد حلفاء رئيسيين للولايات المتحدة في أوروبا وآسيا -بعد الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ والتهديد بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران. ماذا يعني كل هذا للعلاقات عبر الأطلسي؟
هاس: حسناً، عليك فقط أن تنظر إلى الاستقبال البارد الذي استقبل به (وزير الخارجية الأميركية ريكس) تيليرسون هذا الأسبوع في أوروبا. كان أسبوعاً سيئاً بالنسبة للتحالف عبر الأطلسي وللدبلوماسية الأميركية عموماً. أولاً، كان رفض حضورنا لمؤتمر الأمم المتخدة حول الهجرة في المكسيك، في زمن يشهد اقتلاع واحد من بين كل مائة شخص في العالم من أرضه. والآن يأتي هذا. كل هذا يضاف إلى الشعور بأن الولايات المتحدة تتصرف من جانب واحد ولا تضع الكثير من التركيز على تفضيلات ووجهات نظر حلفائها. وحتى أكون صادقاً، على الرغم من أن هذا القرار كان شيئاً يرغبه حليف واحد هو إسرائيل، فإنه يعزز في أوروبا الإحساس بأن ولايات ترامب المتحدة مختلفة جداً عن الولايات المتحدة.
دير شبيغل: بينما انتقد العديد من القادة العرب ترامب بشدة على هذا التحرك، اتسم رد فعل بعض القادة بضبط ملحوظ للنفس. كيف تفسر ذلك؟
هاس: لقد خرج هؤلاء القادة طريقهم من أجل بناء علاقة مع هذه الإدارة. وهم يرون في دونالد ترامب تحسناً رئيسياً مقارنة بسلفه (باراك اوباما). وإحساسي أنهم يريدون تجنب قول أشياء يمكن أن تعرض هذه العلاقة للخطر.
دير شبيغل: لكن… المسجد الأقصى في القدس هو ثالث مكان مقدس لدى المسلمين. فهل بإمكان زعيم عربي المخاطرة بعدم الدفاع عن القدس بطريقة أكثر قوة باعتبارها مكاناً مقدساً عند الفلسطينيين وكل المسلمين؟
هاس: سوف يكون مثيراً للاهتمام رؤية تطور هذه المواقف إذا كانت هناك احتجاجات. إذا قامت احتجاجات، وإذا قويت حدتها، فهل ستقع هذه الحكومات تحت ضغط لتصبح منتقدة للولايات المتحدة؟ تريد هذه القيادات علاقة جيدة مع الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته تحاول تعزيز موقفها في الداخل.
دير شبيغل: كيف تؤثر أزمة القدس على الهدف الاستراتيجي المشترك للسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، والمتمثل في الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة؟
هاس: يمكن أن تؤدي الاضطرابات بسبب موضوع القدس إلى جعل تحقيق مثل هذا التعاون أكثر صعوبة، لأنه سيجعل من الصعوبة بمكان أن يُنظر إلى عرب على أنهم يقتربون كثيراً من الأميركيين والإسرائيليين.
دير شبيغل: ما التداعيات الجيوسياسية الأخرى الممكنة التي تراها؟
هاس: إن تصرف الولايات المتحدة بشكل أحادي وفصل نفسها عن العديد من حلفائها التقليديين سوف يصبح جزءاً من سرد السياسة الخارجية لدونالد ترامب. وبالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يجعل هذا القرار من الأكثر صعوبة على الولايات المتحدة أن تتعاون مع حكومات عربية أخرى. لكن السؤال الأكثر إلحاحاً، كما أعتقد، هو ما إذا كان هذا القرار سيفضي إلى عنف إضافي في جميع أنحاء العالم.
سميحة شافي
صحيفة الغد