في 9 كانون الأول/ديسمبر، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي رسمياً النصر في حرب العراق ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وعندما تولى منصبه في عام 2014، كانت هذه الجماعة تسيطر على ثلث البلاد، بما في ذلك أربع وعشرين مدينة وثلاثة ملايين شخص وعدة حقول نفطية، ولكن تنظيم «داعش» طُرد حالياً من كافة مراكز التجمعات السكانية وحقول النفط الرئيسية [وذلك بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات] من فترة ولاية العبادي التي أمدها أربعة أعوام. أما الجهة الفاعلة الرئيسية في هذا التحوّل المدهش فهي “قوات الأمن العراقية”، التي تشمل “جهاز مكافحة الإرهاب” والجيش والشرطة الاتحادية و«قوات الحشد الشعبي» وقوات “البيشمركة” والقوات المساعدة القبلية والشرطة المحلية والوكالات الاستخباراتية وقوات حماية الحدود والمنشآت. وفي الآونة الأخيرة، أعلن رئيس أركان الجيش الفريق الركن عثمان الغانمي أن عام 2018 سيكون “سنة إعادة بناء” «قوات الأمن العراقية»، بينما شدّد العبادي على مهمة حيوية قد تسهّل هذه العملية، وهي إعادة جميع الأسلحة التي تمّ توزيعها خلال الحرب إلى سيطرة الدولة.
التحديات المستقبلية لـ “قوات الأمن العراقية”
منذ عام 2014، تعلّمت “قوات الأمن العراقية” رص الصفوف ضد العدو الذي تركّز في عدد محدود من المدن والجيوب الريفية، معظمها على طول وديان الأنهار المأهولة التي تتمتع بشبكات طرق جيدة. ومن المرجح أن تحصل المرحلة التالية من المعركة – التي ستكون أشبه بحملة لمكافحة التمرد/الإرهاب أكثر منها حرباً – في المواقع الجبلية والصحراوية الكائنة في دلتا النهر الشبيهة بالأدغال التي يصعب الوصول إليها وقد تمتد إلى الحدود مع سوريا. وسوف تتفرّق عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبالتالي ستحتاج “قوات الأمن العراقية” إلى مواجهة هذا الانتشار بالمثل. وعوضاً عن استدراج قوات العدو إلى المعركة والقضاء عليها، سيتمثل التحدي الأساسي في حماية السنّة المحليين واستمالتهم في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» من أجل الحصول على معلومات استخباراتية عن التنظيم ووضع حدّ لتجنيده المزيد من العناصر. [وفي هذا الصدد]، فإن بروز فصيل تابع لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في الآونة الأخيرة بصورة جديدة في محافظة ديالى (“أصحاب الرايات البيضاء” أو “السفيانيين” أو “الفدائيين”) يشير إلى أن مهمة تدمير التنظيم أبعد ما تكون عن الاكتمال.
وبالإضافة إلى محاربة فلول تنظيم «الدولة الإسلامية»، على الحكومة العراقية معالجة بعض المشاكل الأمنية الهامة التي تفاقمت خلال الحرب. وتتمثل إحدى المشاكل الملحة في التهديد الذي تشكله الميليشيات والعصابات الإجرامية والقبائل المسلحة في البصرة – محافظة بالغة الأهمية تصدّر 3.5 ملايين برميل من النفط يومياً وتؤمّن أكثر من 95 في المائة من العائدات الحالية للحكومة العراقية. ومنذ انسحاب قوات الجيش المحلية في عام 2014، شهدت المحافظة نزاعات قبلية شديدة، حيث استخدم المقاتلون القنابل الصاروخية وقذائف الهاون عند أطراف حقول النفط الرئيسية. كما بدأت بعض ميليشيات البصرة تسرق النفط، مدّعية انتمائها إلى «قوات الحشد الشعبي» في حين أنها في الواقع تنفذ عملياتها على بُعد 400 ميل (ما يزيد عن 643 كم) من أقرب جبهة قتال. وفي المرة الأخيرة التي حصل فيها هذا الأمر بين عامي 2006 و2007، تفاقمت المشكلة بسرعة لتتحول إلى عملية تهريب بمليارات الدولار واستلزمت قيام “قوات الأمن العراقية” بشن حملة كبرى – حملت اسم عملية “صولة الفرسان” – لتحرير البصرة من الميليشيات.
وثمة تحدٍ أمني آخر يتطور بسرعة وهو خطر تمرد الأكراد في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك، حيث أعادت القوات الاتحادية مؤخراً ترسيخ وجودها العسكري. فهذه المناطق بحاجة ماسة إلى آليات أمنية مشتركة تسمح للوحدات الاتحادية والكردية بتقاسم المسؤوليات الأمنية في المناطق المختلطة عرقياً والتي لا تزال موضع نزاع بموجب الدستور العراقي.
إعادة هيكلة “قوات الأمن العراقية” و«قوات الحشد الشعبي»
ثمة قاسم مشترك بين جميع المهمات الواردة أعلاه، ألا وهو: حاجة العراق إلى قوات أمنية محترفة تثق بها كافة المجموعات العرقية والطائفية في البلاد. وحالياً، يبدو أن القوات التي تحظى بالقدر الأكبر من الثقة هي “جهاز مكافحة الإرهاب”، والجيش، والشرطة الاتحادية، ولكن كل واحد منها سيتطلب قدرٍ كبير من إعادة الهيكلة والتحديث خلال السنوات القادمة. فالعديد من وحداتها تضم أقل من 60 في المائة من قوامها المقرر أصلاً، وتحتاج جميعها إلى المزيد من التدريب والعتاد القابل للصيانة وقطع الغيار. ويتجلى النقص بشكل خاص في وحدات “التمكين” مثل اللوجستيات، والمخابرات، والمدفعية، والدعم الجوي والخدمات الطبية.
وسيتمثل الحل الأكثر احتمالاً الذي ستتخذه الحكومة العراقية في ترشيد الألوية التي يناهز عددها المائة والتي تفتقر إلى العديد اللازم ضمن عدد أصغر من الوحدات المجهزة بشكل أفضل والمتمتعة بعدد كافٍ من العناصر. ومن شأن ذلك أن يحدّ من ازدواجية المقرات الرئيسية والوحدات اللوجستية ويجعل التشكيلات المقاتلة أكثر فعالية. ومن الأمثلة المبكرة على هذه المقاربة كتائب الحراسة الشخصية التي تم تخصيصها لحماية العديد من كبار السياسيين قبل عام 2014. وخلال الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، اعتُبرت هذه الوحدات بمثابة إهدار للموارد وتمّ حلّها لكي يمكن إدراج أفرادها وأسلحتها في “قوات الأمن العراقية”.
واليوم، لا بدّ من تفكيك «قوات الحشد الشعبي» بطريقة مماثلة ودمجها في القوات العسكرية التي تشرف عليها وزارتي الداخلية والدفاع و”جهاز مكافحة الإرهاب”. وتضمّ «قوات الحشد الشعبي» بعض أفضل الجنود العراقيين الذين يستحقون دعماً لا يمكن أن تقدمه سوى هذه الوزارات، مثل التدريب والخدمات الطبية ومعاشات التقاعد العسكرية الخاصة بالإسكان، بالإضافةً إلى الحصول على مساعدات دولية. ومن غير المنطقي الشروع في إقامة مؤسسة أمنية جديدة لهذه القوات في الوقت الذي تسير فيه فعلاً الوزارات العراقية القائمة على الطريق نحو التعافي وتحتاج بشدة إلى القوى البشرية المدربة والأسلحة واللوجستيات والمال. كما أن دمج عناصر «قوات الحشد الشعبي» في الجيش كأفراد وليس كوحدات كاملة هو الوسيلة الوحيدة لضمان محافظة الدولة على سيطرتها الدائمة على هذه القوات.
وبالمثل، ليس من المنطقي أن تواصل «قوات الحشد الشعبي» حمل أسلحة ثقيلة مثل الصواريخ المدفعية، والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، والبنادق عديمة الارتداد، والآليات المدرعة. ولا بدّ من سحب هذه المعدات على الفور وإعادة توزيعها بين الوزارات القائمة في إطار “قوات الأمن العراقية” كجزء من التوحيد اللوجستي المقترح للعام المقبل. كما أن تخزين هذه الأسلحة القادرة على زعزعة الاستقرار تحت سلطة الدولة هو السبيل الوحيد لضمان بقائها داخل البلاد وبعيداً عن متناول الميليشيات غير الشرعية أو العناصر الأجنبية.
وحتى الآن، أشارت قطاعات مهمة من «قوات الحشد الشعبي» – مثل الوحدات القائمة على “العتبات المقدسة” و”سرايا السلام” التابعة لمقتدى الصدر – عن استعدادها لتسليم أسلحتها والاندماج في وزارات “قوات الأمن العراقية” كأفراد. مع ذلك، لا بدّ من معالجة هذه العملية بِتَرَوٍ وعناية من أجل السماح لجنود «قوات الحشد الشعبي» بتبنّي ثقافة الوزارات وليس العكس. وتتمثل إحدى السبل لتحقيق ذلك في توظيف قسم من عناصر كل وحدة من وحدات «قوات الحشد الشعبي» في الوزارات كل بضعة أشهر. وبهذه الطريقة، يمكن تقليص جميع وحدات هذه القوات تدريجياً بدلاً من تسريح العناصر الأقل خطورةً بوتيرة سريعة، في حين تبقى الوحدات الأكثر إثارة للقلق والمدعومة بعناصر أجنبية متأهبة بالكامل. وحين يتطوع جنود «قوات الحشد الشعبي»، فهم يوقعون عقوداً متجددة أمدها تسعون يوماً، لكي تتمكن الحكومة ببساطة السماح بانقضاء عقود معينة وتحويل عدد صغير من الجنود بشكل دائم من جدول رواتب «قوات الحشد الشعبي» إلى جداول رواتب الوزارات. ويمكن بعد ذلك إرسال هؤلاء العناصر إلى الأكاديميات العسكرية من أجل التطوع الفردي والتدريب والتأهيل.
لقد شهد العراق أساساً سوابق مشجعة لهذه العملية. فمنذ عام 2015، خضع مئات المجندين الفرديين من «قوات الحشد الشعبي» لدورات تدريبية يجريها التحالف، وانضموا إلى ألوية جديدة في الجيش، وحاربوا في معارك كبرى على غرار معارك تكريت والرمادي والفلوجة والموصل. وقد سمح هذا النموذج للمجندين بالانضمام بحقٍّ إلى وحدات متعددة الأعراق والطوائف موالية للعراق وليست تابعة للقادة الفرديين لـ «قوات الحشد الشعبي». وبينما تواصل الحكومة عملية دمج مماثلة على مدى السنوات المقبلة، عليها أن تقلّص مهمة وحدات «قوات الحشد الشعبي» وتسليحها في حين تعيد تنظيم قيادتها بشكل كامل.
التداعيات على شركاء التحالف
على الرغم من أن “قوات الأمن العراقية” تحتاج إلى الكثير من التطوير، إلّا أنها تسير في الاتجاه الصحيح، وبإمكان التحالف مساعدتها على المضي في هذا المسار. ومن خلال الجمع بين ستة بلدان من دول مجموعة الثماني وعدد من الجيوش المتقدمة الأخرى، تكون “قوة المهام المشتركة – »عملية الحل المتأصل«” بقيادة الولايات المتحدة أقوى ائتلاف للدول الحليفة تتشارك معه العراق حتى اليوم. وإذ يتفوّق التحالف في توفير الدعم المؤسسي لوزارات الأمن، عليه التركيز الآن على عدة مهام ذات صلة ضمن وزارتي الداخلية والدفاع و”جهاز مكافحة الإرهاب”، وهي:
· ضم كبار مستشاري التحالف في كل وزارة من أجل بناء قدرات القيادة العراقية
· الاستمرار في تقديم الاستخبارات والدعم الاستشاري المباشر إلى “قيادة العمليات المشتركة” العراقية
· تشجيع مسؤولي الوزارات على صياغة عقيدة عراقية أصلية قائمة على أفضل ممارسات مكافحة التمرد
· دعم تطوير “معهد اللغات للقوات المسلحة” في العراق من أجل توجيه جيل جديد من القادة نحو التبادلات الأجنبية والتعليم العسكري المتخصص.
لقد سبق أن ساعدت “قوة المهام المشتركة – »عملية الحل المتأصل«” بغداد على تحويل أفراد من «قوات الحشد الشعبي» إلى متخرجين في الجيش. وبدعم من التحالف، يمكن لـ “قوات الأمن العراقية” مواصلة هذه العملية في عدة مواقع مثل “مجمع بسماية”، وقاعدة التدريب التابعة لوزارة الداخلية في بغداد، وأكاديمية ضباط الصف، ومدرسة المدفعية، وقاعدة التدريب في التاجي. وبعد ذلك، يمكن للمقاتلين المنقولين الاستفادة من كافة المزايا وخدمات الدعم التي يتلقاها جنود الوزارة الآخرون. وأخيراً، إذا [نجح] التحالف في الحفاظ على وجوده في العراق، فبإمكانه مساعدة “قوات الأمن العراقية” على ترسيخ الكفاءة في قلب مراكز التجنيد والأكاديميات العسكرية ومجالس اختيار الضباط.
إسماعيل السوداني
معهد واشنطن