يتهم المتمردون الحوثيون في اليمن إسرائيل بالوقوف وراء الحملة العسكرية التي شنتها السعودية ضدهم في فبراير/شباط، وليس هذا الاتهام بغير مألوف، حيث يعد إلقاء اللوم على إسرائيل بالأمراض المنتشرة في الشرق الأوسط هواية إقليمية عريقة، ومن جهة واحدة، قد يكون لهذه المزاعم بعض الأسس التاريخية، إذ أنه، وخلال الحرب الأهلية في اليمن بين عامي 1962 و1970، نقلت إسرائيل جوًا إمدادات ثابتة من الأموال والأسلحة إلى النظام الملكي الحاكم، ولكن على الجانب الأخر، يصبح اتهام الحوثيين بلا معنى، حيث أن ذلك النظام الملكي كان يمثل في الواقع نفس القبائل الشيعية التي انبثق منها المتمردون اليوم.
وفي ذلك الوقت، كان اليمن مقسماً، كما كان في معظم تاريخه، بين الملكية المطلقة لسلالة المتوكلية في الشمال، ومحمية بريطانية في الجنوب تركزت في ميناء عدن الاستراتيجي، وكان المتوكلية من الزيديين، وهم أقلية داخل الأقلية الشيعية.
وفي عام 1962، نظم ضباط الجيش القومي بقيادة الجنرال عبد الله السلال، انقلابًا ضد الإمام (الملك) محمد البدر، على نمط انقلاب مضاد للملكية قاده جمال عبد الناصر في مصر قبل عقد من الزمن، وخوفًا من الاضطرابات في مستعمرتها المجاورة، قامت بريطانيا بدعم الملكيين، وهذا ما فعلته أيضًا الملكيات الأخرى من المملكة العربية السعودية والأردن، وما فعلته إسرائيل التي كان عمرها 16 عامًا فقط.
ولم يكن الخصم الكبير لإسرائيل حينها هو الثيوقراطية الشيعية في إيران كما هو الحال اليوم، بل جارتها الأكبر في العالم العربي، مصر، وكان ناصر قد أرسل 70 ألف جندي، أي ما يعادل ثلث جيشه، إلى اليمن للقتال فيما أطلق عليه المؤرخون اسم “فيتنام مصر”، ومن بين 100 إلى 200 ألف من الرجال الذين قتلوا في الحرب، كان نحو 25 ألف قتيل مصريين.
وبعد عامين من الحرب، انشق طيار مصري مصاب بخيبة أمل إلى إسرائيل، وهناك، قال الطيار للمحققين إن زملائه المصريين كانوا يستخدمون الأسلحة الكيميائية في اليمن، وخافت رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك، غولدا مائير، من أن إسرائيل ستكون الهدف المقبل، واعتقدت أن تعثر المصريين في اليمن البعيد سيبقيهم مشغولين جداً عن تهديد بلدها.
وكانت الاستخبارات البريطانية قد سعت للحصول على الدعم الإسرائيلي للملكيين لعدة أشهر، وسرعان ما وجدت شريكًا مستعدًا، وفي ليلة 26 مايو 1964، دعا الإمام بدر زعماء القبائل الذين كانوا يدعمون النظام الملكي، بما في ذلك الشيخ حسن الحوثي، وكان زعيم قبيلة الحوثي التي تقود المعركة ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا اليوم، إلى اجتماع استراتيجي، وعند حوالي منتصف الليل، سمع الزعماء المجتمعون صوت طائرة تقترب، ورأوا انخفاض 14 مظلة منها، مما دفع واحد من شيوخ القبائل إلى الصراخ: “انظروا! حتى الله يساعد الإمام“، وقد كانت تلك الطائرة، التي حملت العتاد العسكري والإمدادات الطبية والمال، قادمة من إسرائيل.
وشملت عملية “النيص”، كما أصبحت تعرف فيما بعد، 14 من عمليات النقل الجوي التي نفذتها أكبر طائرة إسرائيلية، هي بوينغC-97 ، على مدى عامين. كما تم نشر عملاء مخابرات جهاز الموساد، وقد اعتقل واحد منهم من قبل الثوار اليمنيين، وتم تسليمه إلى مصر، التي أعادته إلى إسرائيل في عملية تبادل للأسرى بعد الحرب العربية الإسرائيلية لعام 1973.
وآنذاك كما هو الحال الآن، كان التدخل متعدد الأطراف، وانطوى على الاستخبارات والخدمات اللوجستية وطواقم الطيران البريطانية، والأجواء السعودية، وقاعدة للتزود بالوقود في الصومال الفرنسية، التي أصبحت فيما بعد جيبوتي، وفي وقت لاحق، تذكر طيار إسرائيلي قاد واحدة من عمليات النقل الجوي جنبًا إلى جنب مع مستشار بريطاني كيف اقترح عليه هذا الأخير قصف المطار في صنعاء، وكانت عاصمة شمال اليمن، ولكن إسحاق رابين، الذي أصبح رئيس وزراء إسرائيل لاحقاً، رفض.
وكما توقع القادة الإسرائيليون، تسببت مغامرة اليمن في نزيف مصر للدم والمال، وكان الدمار الذي لحق بالمصريين في حرب الأيام الستة عام 1967 في جزء كبير منه بسبب الإرهاق والخسائر الناجمة عن حرب اليمن، وبسبب مراقبة إسرائيل لتكتيكاتهم في تلك الحرب، وانسحبت مصر من اليمن بحلول نهاية العام.
وأنهى اتفاق سلام عام 1970 الحرب الأهلية في اليمن الشمالي، ولكنه أنتج الجمهورية التي استبعدت أفراد العائلة المالكة، وانتهى الأمر بالإمام بدر في بريطانيا، وأمضى سنواته هناك في منزل متواضع في كينت، وأصبح شمال اليمن متحالفًا مع السوفييت، ودولة عسكرية يقودها رجل قوي، واختير عبد الرحمن الإرياني لخلافة السلال في رئاسة البلاد، وكان الإرياني قد ولد يهوديًا، إلا أنه اعتنق الإسلام قسرًا بعد وفاة والديه، وكان له أقارب يعيشون في إسرائيل.
ومن جانبه، استبدل جنوب اليمن الاستعمار بالشيوعية، وانتفض عن البريطانيين، وأعاد تسمية نفسه بالجمهورية الديمقراطية الشعبية اليمنية.
وفي عام 1990، انضم الشمال والجنوب إلى بعضهما لإنشاء الجمهورية اليمنية التي نعرفها اليوم، إلا أن الاتحاد لم يولد الوحدة، ويشتعل اليمن اليوم ليس فقط بتمرد الحوثيين، بل وبثورات الجنوبية الانفصالية المريرة، وبتواجد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ويعد اليمن أفقر دولة في العالم العربي، وهو يتنافس مع سوريا والعراق وليبيا، على لقب الدولة الأقل استقرارًا في المنطقة.
وبالنسبة للحوثيين اليوم، لا يوجد هناك الكثير من التقدير للعون الذي قدمته لهم إسرائيل ذات مرة، وشعارهم المؤلف من خمسة أسطر يصف هذا بشكل كبير:
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
والنصر للإسلام
وقد يكون غضب الحوثيين على إسرائيل لاسترضاء للمتبرع الإيراني، أو إشارة إلى المشاعر التي يوافق عليها الملايين من السنة والشيعة، وبغض النظر عن هذا، من غير الممكن أن يكون من دواعي سرور القيادة الإسرائيلية أنه، ومع سيطرة المتمردين الشيعة على صنعاء في سبتمبر، أصبحت القوات المدعومة من إيران تسيطر الآن على أربع عواصم عربية.
ويلعب شركاء إسرائيل، المملكة العربية السعودية ومصر والأردن، الأدوار الرئيسية في اليمن الآن، ويشير سجل إسرائيل في تقويض المصالح الإيرانية سرًا، إلى أنه لا يمكن استبعاد وجود تورط إسرائيلي في الحرب اليمنية الراهنة، وفي النهاية، لم يتم الكشف عن تفاصيل تدخل إسرائيل في الحرب الأهلية الأخيرة في البلاد إلا بعد عقود من الزمن.
وربما يكون الحوثيون هذه المرة يعرفون أمرًا لا يعرفه بقيتنا!
أورين كيسلر – بولتيكيو (التقرير)