النووي الإيراني.. هل تقاوم أوروبا ضغوط ترامب؟

النووي الإيراني.. هل تقاوم أوروبا ضغوط ترامب؟

بقرار انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وجه صفعة جديدة للأوروبيين ووضعهم أمام رهانات صعبة، أو بالأحرى وضع مصداقيتهم على المحك، لكونهم الجهة التي تراهن عليها إيران للإبقاء على هذا الاتفاق على قيد الحياة، ولأن القرار جاء ليختبر مدى قدرتهم على التحرر من التبعية الأميركية في التعاطي مع الملفات الدولية الحساسة.
ويعتبر الأوروبيون الطرف الفاعل في الاتفاق النووي الذي وقع في يوليو/تموز2015 بين إيران والدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا) بالإضافة إلى ألمانيا، فقد قضوا سنوات في التفاوض الشاق مع طهران ونجحوا إلى حد ما في إقناع الأميركيين أنفسهم بمقاربة الحل السلمي للملف.

ترامب يخذل الأوروبيين
وبعد أن اطمأنت فرنسا وشريكاتها الأوروبيات لتوقيع الاتفاق وتعهد الجانب الإيراني بالالتزام ببنوده، عادت الهواجس والقلق مع مجيء الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2017، حيث توعد بتمزيق الاتفاق النووي الذي أبرم في عهد سلفه باراك أوباما، بحجة أنه لم يتصد لبرنامج إيران للصواريخ البالستية وأنشطتها النووية بعد عام 2025، ولا لدورها في حربي اليمن وسوريا.

وحاول الأوروبيون لشهور عدة أن يثنوا الرئيس ترامب عن قراره، لكنه خذلهم كما فعل معهم من قبل في ملفات أخرى، وضرب بعرض الحائط جهودهم السياسية ومصالحهم الاقتصادية، حيث أعلن رسميا في الثامن من مايو/أيار 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، ووقع في الوقت نفسه على قرار إعادة فرض العقوبات على طهران، وبرر موقفه ذلك بمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية.

قرار الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي استقبله القادة والمسؤولون الأوروبيون بالرفض والقلق، وأكد قادة كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا -في أول رد فعل لهم- التزامهم المستمر بالاتفاق النووي مع إيران، وشددوا في بيان مشترك على أن الاتفاق مهم لأمنهم المشترك، ولكونه يشكل “الإطار القانوني الدولي الملزم لحل النزاع بشأن البرنامج النووي الإيراني”.

ولا شك أن هؤلاء القادة التقطوا رسالة الرجل الأول في البيت الأبيض لهم، ومفادها أن العالم تتحكم فيه أميركا وحدها، وهي التي تقرر وعلى باقي القوى والدول أن تساير موقفها، فقد وقعت الاتفاق النووي مع إيران وبقية القوى الدولية، وهي اليوم تتنصل منه بحجج مختلفة، وتضغط على بقية الأطراف الموقعة بأن شركاتها ومصالحها ستكون عرضة لعقوبات اقتصادية وتجارية.

اختيار صعب
والواقع أن الولايات المتحدة -منذ أن استفردت بالعالم- تتعامل مع الأوروبيين بنوع من الاستعلاء، وهو ما أشار إليه مدير الأمن القومي الأميركي الأسبق، سبغنيو بريجينسكي الذي قال في إحدى المرات “إن أوروبا محمية أميركية بمقتضى الأمر الواقع”.

ومن هذه العقلية الاستعلائية، لم تكترث إدارة ترامب بالموقف الأوروبي في بعض الملفات الدولية، وكان آخرها في السادس من ديسمبر/كانون الثاني 2017، حيث تجاوزتهم واعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل.

ويرى مراقبون أن القرار الأميركي قد وضع الأوروبيين أمام اختبار صعب، حيث إن عليهم أن يثبتوا للعالم الذي تهيمن عليه أميركا أنهم قوة فاعلة في الساحة الدولية، لها سيادتها وقرارها المستقل وتحترم التزاماتها إزاء المجتمع الدولي، وعليهم أن يثبتوا ذلك خصوصا لإيران التي ما زالت حتى اللحظة تراهن على الموقف الأوروبي في إبقاء الاتفاق على قيد الحياة، وكانت قد طالبت بضمانات أوروبية من أجل الالتزام بالاتفاق.

ولكن المحللين يتساءلون عما إذا كانت أوروبا -التي لها مصالح اقتصادية حيوية في الإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني- قادرة على الدخول في مواجهة مع الأميركيين، وهي التي تعاني انقسامات داخلية وأوضاعها الاقتصادية ليست بخير، فضلا عن أن الرجل الأول في البيت الأبيض يلعب على وتر العقوبات الاقتصادية والتجارية التي تستهدف الشركات المتعاملة مع إيران.

على مستوى الخطاب السياسي، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الخميس الماضي -بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون- إن أوروبا لم يعد بإمكانها الاعتماد على الولايات المتحدة “لحمايتها” في أي ظرف، وإن عليها بالتالي “تولي زمام أمورها بنفسها”؛ غير أن ميركل قالت إن مصلحة دول الاتحاد الأوروبي أن يكون لديها علاقات قوية مع أميركا.

فرنسا من جهتها كانت لهجتها قوية، وقالت على لسان رئيسها ماكرون “لم يعد بإمكاننا القبول بأن يقرر آخرون عنا”، في إشارة إلى الأميركيين. وذهب وزير الاقتصاد برونو لو مير في الاتجاه نفسه، بقوله “إن على أوروبا أن تمارس سيادتها الاقتصادية لا أن تظل تابعة للولايات المتحدة”، وتساءل قائلا: “هل نريد أن تكون الولايات المتحدة الشرطي الاقتصادي للكوكب أم نريد أن نقول نحن الأوروبيين إن لدينا مصالح اقتصادية مع إيران ضمن إطار اتفاق إستراتيجي معها. نعتقد أن هذا هو الطريق الصحيح وسنواصل القيام بأعمال تجارية مع إيران”.

من جهته، رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر صرّح “أن واشنطن لم تعد تريد التعاون مع بقية العالم، ووصلنا إلى مرحلة باتت تفرض علينا البحث عن بديل للولايات المتحدة”، كما وعد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في تغريدة له على تويتر بأن يعلن الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعه القادم عن “مقاربة أوروبية موحدة”.

مصالح اقتصادية
وبعيدا عن التصريحات السياسية للقادة وللمسؤولين الأوروبيين الداعية لاستقلال القرار الأوروبي، يقول مراقبون إن هناك مصالح اقتصادية وتجارية تسعى دول القارة العجوز للحفاظ عليها، وهي ربما لن تستطيع مقاومة الضغوط الأميركية الصريحة. مع العلم أن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، كان قد صرح أن العقوبات بحق إيران ستسري فورا على العقود الجديدة، وقال إن أمام الشركات الأوروبية شهورا عدة للانسحاب من إيران.

وكانت دول الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإيران حتى قبل توقيع الاتفاق النووي، وقد عزز الاتفاق هذه الشراكة حيث بلغت قيمة الصادرات الأوروبية إلى طهران 13 مليار دولار العام الماضي.

وتعد ألمانيا أكبر مصدر أوروبي إلى إيران، ولديها حوالي عشرة آلاف شركة لها علاقات تجارية مع طهران، أبرزها شركة سيمنز الموجودة هناك منذ عام 1868 وقد كثفت حضورها فيها في مارس/آذار 2016 من خلال شراكتها مع شركة “مابنا” الإيرانية، كما دخلت شركات فرنسية بينها “توتال” للاستثمار في إيران، بالإضافة إلى شركات إيطالية وبريطانية.

وعموما تتجه الأنظار نحو اجتماع بين إيران وكل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا في بروكسل الثلاثاء المقبل، لمعرفة ما سيكون عليه الموقف الأوروبي، وهل تتجه نحو الاستمرار في العمل بالاتفاق النووي، وبالتالي الدخول في قطيعة مع الأميركيين، أم الرضوخ بشكل من الأشكال لموقف الرئيس ترامب؟

المصدر : الجزيرة + وكالات,مواقع إلكترونية