تجددت قاعدة الكر والفر في منطقة الهلال النفطي الليبية بين الميليشيات التي تطلق على نفسها اسم «حرس المنشآت النفطية» بقيادة إبراهيم الجضران، والقوات المسلحة التي شاء قائدها اللواء المتقاعد خليفة حفتر أن يسميها «الجيش الوطني». وبعد أن ظل الأول يتمتع بصفة آمر حراسة المنشآت طيلة سنتين، تمكن الثاني من بسط نفوذه على ميناءي رأس لانوف والسدرة في أيلول/ سبتمبر 2016، ليعود ويفقدهما مؤخراً تحت ضغط ميليشيات الجضران.
الشعب الليبي هو الخاسر الأول أياً كانت مزاعم الجضران حول رد الثروة الوطنية إلى الأهالي أصحابها، أو ادعاءات الثاني حول تطهير شمال شرق البلاد من سيطرة العصابات والإرهاب. فإلى جانب الأعداد المتزايدة من القتلى والجرحى والأسرى في صفوف الجانبين، فإن القتال في منطقة الهلال النفطي أسفر عن انخفاض السعات التخزينية من 950 إلى 550 ألف برميل من النفط الخام، حسب تقديرات المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا. هذا عدا عن خسائر بمئات الملايين من الدولارات سوف تنجم عن عمليات إعادة إصلاح المنشآت المتضررة، وفقدان فرص البيع وإبرام عقود جديدة.
وهذا الصراع على الهلال النفطي بين الجضران وحفتر برهان مفتوح على وقوع ليبيا بين سندان الميليشيات التي تعتمد على تسخير المرتزقة وقرصنة الثروات والمتاجرة بالمطالب الجهوية والقبائلية، وبين مطرقة جيش غير شرعي يقوده ضابط متقاعد عمل سابقاً لصالح المخابرات المركزية الأمريكية ويرتهن اليوم لقوى خارجية متعددة تبدأ من القاهرة وأبو ظبي، ولا تنتهي في واشنطن والكرملين. وإذا كان سلوك الأول منسجماً مع تكوين جماعته وأغراضها وأفعالها السابقة في خطف ناقلات النفط أو تعطيل التصدير مثلاً، فإن سياسات القوى الداعمة لجيش حفتر ترقى إلى مستوى التدخل المباشر في شؤون ليبيا الداخلية وتمثل تعطيلاً متعمداً لسيرورات الحل السياسي وإذكاء لنيران الصراعات في البلد.
وفي المقابل، لن يطول الوقت حتى يدرك حفتر، والقوى الإقليمية الراعية لجيشه، أن انتخاب خالد المشري على رأس المجلس الأعلى للدولة سوف يعيد وضع جماعة الإخوان المسلمين الليبية، ممثلة في «حزب العدالة والبناء» الذي ينتمي إليه المشري، في قلب المعادلة السياسية الداخلية. ولقد كان لافتاً أن الحزب اعتمد خطاباً معتدلاً وانفتاحياً تجاه قوات حفتر من زاوية أنها تنتمي إلى ليبيا وتحارب الإرهاب، وهذه بذرة صراع جديدة في قلب معسكر حفتر لأن أي تقارب مع الإخوان لن يحظى بقبول المجموعات السلفية داخل صفوف «الجيش الوطني»، فضلاً عن السيسي ومحمد بن زايد.
في غضون ذلك تتباعد الشقة بين طرابلس مقر حكومة فايز السراج التي تحظى بالاعتراف الدولي، وطبرق التي تحتضن حكومة عبد الله الثني وليدة برلمان 2014 المنتخب. ويُخشى بذلك أن تكون ذهبت أدراج الرياح الجهود التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر دولي حول ليبيا رعته باريس أواخر أيار/ مايو الماضي، وخاصة لجهة التوصل إلى إجراءات الحد الأدنى في تطبيق الإعلان السياسي الذي نجم عن ذلك المؤتمر، من حيث اعتماد الدستور أو الإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية أو توحيد المؤسسات السيادية أو بناء مؤسسة عسكرية موحدة.
هنا، أيضاً، لا تغيب حال المطرقة والسندان.
القدس العربي