بيروت – كشفت تغريدة للواء جميل السيّد وهو نائب لبناني جديد كان مديرا عاما للأمن العام لدى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 تكتيكا جديدا يتبعه حزب الله في التعاطي مع تشكيل الحكومة اللبنانية.
وهدّد السيّد، الذي انتخب نائبا على لائحة حزب الله في منطقة بعلبك الهرمل، بناء على طلب مباشر من الرئيس السوري بشّار الأسد، بإعادة النظر في تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.
وقال في خروج عن كلّ أحكام الدستور اللبناني الذي لم يحدد أي مهلة لتشكيل الحكومة “ربّما عريضة موقعة من 65 نائبا عبر المجلس إلى رئيس الجمهورية ليسقط تكليف الحريري كأنّه لم يكن. والبدلاء كثيرون”.
ومعروف أن ليس في الدستور اللبناني أي مادة تسمح بسحب تكليف تشكيل الحكومة من الشخص الذي يحصل على الأكثرية في استشارات “ملزمة” يجريها رئيس الجمهورية. لكنّ كلام المدير العام السابق للأمن العام الذي أمضى أربع سنوات في السجن بعد اغتيال رفيق الحريري بسبب شبهات دارت في شأن دور الجهاز الأمني السوري – اللبناني في تغطية عملية الاغتيال، أعطى فكرة عمّا يخطط له حزب الله الساعي إلى فرض حكومة ذات تشكيلة معيّنة على الحريري.
وقالت مصادر سياسية لبنانية إن تضامن سعد الحريري مع مطالب القوات اللبنانية والزعيم الدرزي وليد جنبلاط كان وراء التهديدات التي وجهت إلى رئيس الوزراء المكلف عبر جميل السيّد.
ويذكر أن سعد الحريري استقبل مساء الاثنين سمير جعجع رئيس القوات اللبنانية وبحث معه في تشكيل الحكومة.
وأوضحت المصادر السياسية في تصريح لـ”العرب” أن حزب الله المستعجل على تشكيل حكومة، يشارك فيها بثلاثة وزراء يتولّى أحدهم حقيبة الصحّة، مصرّ على أمرين. أولهما أن يكون وجود القوات اللبنانية محدودا والآخر عدم حصر التمثيل الدرزي بثلاثة وزراء يسميهم وليد جنبلاط.
ويريد الحزب أن يسمّي جنبلاط وزيرين على أن يكون الوزير الدرزي الثالث من حصة خصمه طلال أرسلان.
واستبعدت المصادر نفسها أن يرضخ الحريري لتهديدات حزب الله الذي يستخدم جميل السيّد في الترويج لمطالبه.
وقالت إن رئيس الوزراء المكلف لا يستطيع تشكيل حكومة تهمّش القوات اللبنانية كما لا يستطيع تجاهل الحجم الدرزي لوليد جنبلاط وذلك حرصا منه على توازن داخل الحكومة الجديدة.
وأشارت إلى أن غياب مثل هذا التوازن سيجعل من الحريري رئيسا لحكومة يشكلها عمليا حزب الله الذي سيفرض عليه في هذه الحالة أجندة خاصة به تقوم أوّل ما تقوم على تطبيع العلاقات مع النظام في سوريا والانفتاح أكثر على إيران وزيادة العزلة العربية والدولية للبنان.
ويقول خبراء في الشؤون اللبنانية إن الحزب يود نقل مشكلة تشكيل الحكومة من بعدها الداخلي الصرف، وفق ما أكد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى ميادين خارجية تحيل الأمر “مؤامرة” يحيكها الخارج ضد لبنان.
واعتبر محللون أن تغريدة السيد تأتي من خارج السياق المعروف لتشكيل الحكومات في لبنان. ويرى هؤلاء أن احتمال ابتعاد الحريري عن تشكيل الحكومة ما زال غير وارد وأن الوقت الذي استغرقه حتى الآن ما زال ضمن المهل المعقولة.
ويذكر هؤلاء أن تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام استغرق 11 شهرا، وبالتالي الحكومة الحالية لم تتخط الخط الأحمر أو نقطة اللاعودة.
وعلى الرغم من أن تغريدة السيد لا يبنى عليها ولا تشكل مفترقا جذريا في يوميات تشكيل الحكومة، إلا أن بعض البرلمانيين الحاليين يعتبرون أن هذه “الثرثرة” هدفها التشويش على الجهود التي تبذل لإخراج التشكيلة الحكومية خصوصا وأن بري كان قد كشف أن الحكومة كانت على وشك التشكل، الجمعة الماضي، بيد أن عراقيل أجلت الأمر في اللحظة الأخيرة.
وعلق نوفل ضو عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار على تغريدة السيد بالقول “على جميل السيد أن يفهم بأن لا السعودية ولا سمير جعجع ولا وليد جنبلاط احتجزوا ويحتجزون سعد الحريري (…) بل إن حزب الله الذي أوصل جميل السيد إلى النيابة هو من يحتجز لبنان رهينة، والآخرون يسعون لتحريره سياسيا وعسكريا من النظام الأمني اللبناني – السوري – الإيراني الجديد”.
من جهته، اعتبر الوزير السابق اللواء أشرف ريفي أن “دعوة جميل السيد لتوقيع عريضة نيابية لإسقاط تكليف الرئيس الحريري تُخالف الطائف وتُضاف إلى دعوات مماثلة لتحديد مهلة الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة وهذا لعب بالدستور ومسّ جوهري به وبصلاحيات رئيس الحكومة”، متوجها إلى السيد بالقول “حذارِ من اللعب بالنار”.
ونقلت وسائل إعلام لبنانية أن الحريري رد على تغريدة السيد بالقول “يروح يبلط البحر”.
وتؤكد مصادر متابعة لمفاوضات تشكيل الحكومة أن المعضلة ليست خارجية بل تتركز في جانب منها حول السجال المسيحي-المسيحي المتعلق بتقاسم الحصص الوزارية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
وتضيف المصادر أن العقد المتعلقة بالتمثيل الدرزي والسني تمثل جوانب أخرى مهمة لكن التواصل مستمر للاهتداء إلى المخارج المناسبة.
ومعروف أن الحريري يرفض أن يأتي أي تمثيل سني من خارج حصة المستقبل كما أن جنبلاط مصر على أن احتكار التمثيل الدرزي من خلال ثلاثة وزراء.
ورصد المراقبون تصريحات لنائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم يطالب فيها بحكومة وحدة وطنية يتمثل فيها الجميع واعتبروه موقفا يراد منه تمثيل السنة من خارج “العباءة الحريرية”.
وأضاف هؤلاء أن الحزب يسعى إلى تجميع حلفائه داخل الحكومة لتشكيل “الثلث الضامن” الذي كان مصرا على الحصول عليه في الحكومات السابقة.
ولا تنفي مصادر مقربة من الحزب الأمر وتنقل وسائل الإعلام اللبنانية عنها أن الحزب يرفض تسميته بالثلث الضامن لا المعطل لضمان موقفه السياسي.
ويرى مراقبون أن حزب الله الذي تفاخر بانتصاره في الانتخابات التشريعية الأخيرة فيما ذهب الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري إلى الحديث عن امتلاك الحزب 74 نائبا من أصل 120 نائبا في البرلمان الجديد، مدرك للاستحقاقات المقبلة وهو يسعى لمحاصرتها وتحصين نفسه داخل حكومة الحريري المقبلة.
العرب