من أعظم ما حقّقته الثورة السورية عند اندلاعها هو كشف الوجه الطائفي المخيف والبشع لحزب الله والنظام الإيراني، ذلك الوجه الذي كان يتخفى لسنين طويلة على شرائح واسعة من الناس في العالم العربي والإسلامي تحت مسميات عديدة، تارة باسم المقاومة وفلسطين وطوراً باسم الوحدة الاسلامية. لكن وكما تقول الحكمة: “يمكنك أن تكذب على كل الناس بعض الوقت ويمكنك أن تكذب على بعض الناس كل الوقت…لكن لا يمكنك أن تكذب على كل الناس كل الوقت”.
اليوم يفتقد حزب الله وأمينه العام إلى مهارات الكذب التي اعتاد عليها ناهيك عن ترف الوقت. إذ يعاني الحزب في إطار التزامه بـ “واجبه الجهادي المقدّس” في الدفاع عن النظام الطائفي للأسد تحت مظلّة الولي الفقيه من خسائر متعاظمة في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات.
هذه الخسائر ليست ماديّة أو بشريّة فقط، بل إن أعظم خسائره في سوريا هي الخسائر الأخلاقيّة التي بنى عليها أسطورة الممانعة لتي كان يسوّقها على ملايين البشر. السقوط الأخلاقي لحزب الله لا يقف عند حدود انخراطه عن سابق تصور وتصميم في قتل العرب والمسلمين في لبنان وسوريا والعراق واليمن لصالح أجندة المشروع الإيراني بذرائع مختلفة كانت تبدأ بإسرائيل وأصبحت تنتهي بالمرقد الشيعي.
هناك تطور مهم الآن في سياق الحديث عن السقوط الأخلاقي للحزب والقائمين عليه يتمثّل في موضوع تجنيد الأطفال المحاربين والزج بهم تحت شعارات طائفية في المعارك المسلحة ضد الشعب السوري، وهو مؤشر آخر على حالة الإفلاس الديني والأخلاقي والسياسي والعسكري التي يمر بها حزب إيران في لبنان.
قبل حوالي 10 أيام، أُعلن عن مقتل الفتى مشهور فهد شمس الدين ، لا يتجاوز عمره 15 عاماً، من بلدة مجدل سِلِم في قضاء مرجعيون (يعيش هو وأهله في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت)، وقد تضمنّت ورقة تشييعه عبارات طائفية منها “لبيك يا زينب”، وهو دليل على صحة التقارير التي أفادت بأنه قتل في اشتباكات بين الثوار السوريين وبين حزب الله في القلمون في سوريا.
تلفزيون المنار التابع لحزب الله نعى الفتى مشهور فهد شمس الدين دون أن يذكر أين قتل وفي أي معركة معلّلاً بأنّه قضى “في إطار القيام بواجبه الجهادي المقدّس”، ثم جاء بيان حزب الله بخصوص هذا الطفل ليزيد الطين بلّة. ففي إطار نفيه أن يكون قد قتل في منطقة القلمون بسوريا، أكّد حزب الله من حيث لا يدري أنه يقوم فعلاً يقوم بتجنيد الأطفال والزج بهم في المعارك العسكرية. إذ شدد بيانه على أنّ شمس الدين لم يسقط في منطقة القلمون لكنه قضى في جنوب لبنان في حادث عرضي أثناء قيامه بواجبه الجهادي.
هذا البيان لا ينفي المشكلة الأخطر ألا وهي تجنيد حزب الله للأطفال، بل يؤكّد عليها من خلال الإشارة إلى سقوط الطفل أثناء قيامه بواجبه الجهادي! لا يهمنا حقيقة هل قتل الطفل في القلمون أو في جنوب لبنان أو في أي مكان، ما يهم هو سقوط حزب الله الذي يلجأ إلى تجنيد الأطفال في معارك لصالح وليّه الفقيه.
من الطبيعي أن يعاني الحزب من استنزاف رهيب في الداخل السورين فهو في النهاية يمثّل أقلّية طائفية، ويحتل أرضاً ليست أرضه وفي بيئة تنفر منه ومن مرجعيته وفوق هذا لا يمتلك الدافع الأخلاقي لحربه المعلنة على الشعب السوري، وسبق وأشرنا في مقالات في العام 2013 بأنّ الضربات التي تلقاها حزب الله في سوريا تفوق بمراحل تلك التي تلقاها من إسرائيل، وقد خسر على مدار السنوات الأربع الماضية أعداداً كبيرة من المقاتلين المحترفين الذين يلزم إعداد كل واحد منهم سنوات طويلة بالإضافة إلى آلاف الدولارات، ناهيك عن ضياع خبرة لا تقدر بثمن ذهبت بمقتلهم وكانوا قد كسبوها من معار ك خيضت على الأرض اللبنانية. كل ذلك من أجل تنفيذ أوامر الولي الفقيه بمنع إسقاط الأسد.
وبسبب هذه المعطيات، فإن الحزب يعمد منذ فترة على تسريع عمليات تدريب وتأهيل الأطفال ويقوم بالزج بهم في مواقع أقل أهمية خلف المحترفين. لكن ومنذ العام الماضي، بدأ الحزب يضخ دفعات من المقاتلين الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن 16 عاماً للقتال في سوريا في مواقع تعرّضهم إلى القتل المباشر.
صحيح أن الحزب يعاني من خسائر بشرية كبيرة، وصحيح أنه أصبح يضطر إلى تجنيد كل من يبدي رغبة في القتال في سوريا سواءً كان تابعاً له بشكل مباشر أو من مؤيديه ومناصريه أو من قبل مرتزقة شيعة من أماكن مختلفة، لكن الصحيح أيضاً أن ظاهرة تجنيد الأطفال عند حزب الله ليست طارئة ولا دخيلة بل هي أصيلة وأساسية في عقيدة وأيديولوجية هذا الحزب، وتعد إحدى أهم روافد إمداده بالمقاتلين على مدى عقود. كل ما جرى أن مقتل هذا الطفل، بالإضافة إلى مقتل عدد آخر منهم يوم السبت الماضي أضاء قليلاً هذه الظاهرة التي لا تحظى بالتغطية المطلوبة حتى الآن.
لدى حزب الله العديد من المؤسسات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والدينية عدا عن تلك السياسية والعسكرية، وهذه كلّها مؤسسات يتم فيها استقطاب وتجنيد وتدريب العناصر التابعة له فيها منذ الصغر، شأنه في ذلك شأن كافة الأحزاب التوتاليتارية التي سبقته. ومكمن خطورة هذه المؤسسات في أنها تعمل أولاً وأخيراً على تغيير توجهات وانتماءات البيئة الشعبية التي تعمل في إطارها لتصبح تابعة للولي الفقيه الإيراني.
تمر عملية اختيار المقاتلين في حزب الله في مراحل عديدة تبدأ كما ينقل بعض من شاركوا في هذه التجربة من مرحلة الطفولة أي عندما يكون الفرد في عمر (8- 10) سنوات، ثم تتكثّف في سن (15- 17) وأهم الأماكن أو المؤسسات التي تعمل على توفير الخيار لحزب الله لاختيار مقاتلي المستقبل هي مؤسسة كشافة المهدي.
وفي كل هذه المراحل، يتم تجنيد المزيد من الأطفال والشباب للانضمام إلى حزب الله بعد أن يكون الحزب قد استكمل عملية غسيل الدماغ التي يتعرض لها الطفل في مؤسساته والتلقين الطائفي للدين وفق النظرة الفارسية أو كما يسميه المفكر الإيراني علي شريعتي بـ “التشيّع الصفوي”. وبعدها يصبح العضو في خدمة الواجب الجهادي المقدس، أي في خدمة أوامر الولي الفقيه حيث يتحول الإنسان إلى مجرد آلة يتلقى التعليمات لينفذها، أو كما كان زعيم الحشاشين يفعل بأتباعه عندما يأمرهم بأن يلقوا بأنفسهم من مرتفع شاهق فيفعلون دون تردد.
مشروع إيران هذا ليس حكراً على حزب الله في لبنان، إذ يجري استنساخه منذ سنوات في عدد من البلدان أبرزها العراق واليمن وعدد من دول الخليج وحتى سوريا وفي أي منطقة يوجد فيها أقليّة شيعيّة أو حتى قريبة منها كالزيديين أو الإسماعيليين أو العلويين. إن خطوة المشروع الإيراني في المنطقة العربية لا تكمن في مجرد صناعة وإنشاء أذرع مسلّحة وإنما في أنه مشروع متكامل يبدأ في تخريج أتباع له منذ السنوات الأولى لولادة الأطفال عبر مؤسسات متعددة شاذة عن المجتمع الذي تعيش فيه، محورها المركزي هو الولي الفقيه الإيراني. محاربة هذه المؤسسات يجب أن يكون على أجندة محاربة المشروع الإيراني في العالم العربي، واستئصالها يجب أن يكون هدفاً أيضاً وإلا فإننا سنبقى ندور في نفس الدائرة هذه، وقد تتسع أيضاً لتشمل دولاً أخرى ويكون ضحيتها الأولى والأخيرة هو أبناء أوطاننا.