تنامي إمكانيات الثوار يضغط على النظام السوري

تنامي إمكانيات الثوار يضغط على النظام السوري

وفي 22 نيسان/أبريل، أقدم ائتلافٌ من قوات الثوار السوريين على شن عملية كبيرة أُطلق عليها اسم “معركة النصر” بهدف إخراج قوات نظام الأسد من محافظة إدلب الشمالية، وذلك في أعقاب نجاح العملية للسيطرة على عاصمة المحافظة في نهاية آذار/مارس. وتولى الجهاديون قيادة هذه الحملة دون أن يكون لهم دور حصري فيها، علماً بأنها كانت أكبر حجماً وأوسع امتداداً من سابقتها، وانطوت على بعض من أشرس المعارك في هذه الحرب ومن الممكن أن تشكل نقطة تحوّل فيها.

وإذا تمكّن الثوار من ترسيخ مكاسبهم الأخيرة واستغلالها، سيكون النظام قد مني بهزيمة ساحقة أخرى ضمن سلسلة الانتكاسات التي يتعرض لها منذ شباط/فبراير – وهي سلسلة أحداث توحي بتدهور إمكانيات الحكومة وقوات التحالف. وبذلك يصبح الثوار على استعداد لشن المزيد من الهجمات في شمال البلاد، مع احتمال أن تمدهم المعنويات المرتفعة بالطاقة اللازمة على جبهات أخرى. وعلاوة على ذلك، سيعود الفضل الأكبر في نجاحاتهم إلى الفصائل الإسلامية ومن بينها تلك المرتبطة بـ تنظيم «القاعدة»، الأمر الذي سيقوّي مركزهم العسكري والسياسي في الشمال ومن المُرجح أن يعززه أيضاً في مناطق أخرى من سوريا.

بيد، قد يستطيع النظام ضبط الاستقرار، وإذا نجح في ذلك، فستشير الأمور إلى أنه لا يزال منخرطاً في المعركة وقادراً على شن عمليات عسكرية قوية.

الحملة على إدلب

يشمل الهجوم الحالي المنطقة الواقعة بين جسر الشغور وأريحا في محافظة إدلب الجنوبية من جهة، وسهل الغاب الشمالي في محافظة حماة من جهة أخرى. وتشكل هذه المناطق نتوء/خط دفاعي بارز من الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام تمتد من محافظة اللاذقية مباشرة إلى الجنوب من مدينة إدلب. ويبدو أن استراتيجية الثوار تتمحور حول استغلال موقع النظام البالغ الضعف هناك من أجل كسر قبضته على المحافظة وإيجاد ظروف ملائمة لشن عمليات متابعة في مناطق أخرى في شمال البلاد.

ولعل التخطيط لهذه العملية قد بدأ في وقت مبكر من كانون الأول/ديسمبر، حيث شرعت قوى الثوار بتنفيذ عمليات مستحكمة على الخط الدفاعي في أواخر آذار/مارس مع اجتياح مدينة إدلب  إن هذا الأمر قد مهّد الطريق أمام تنفيذ عمليات مستمرة أوسع نطاقاً في مناطق الخط الدفاعي وشمال حماة.

إلا أن الجولة الثانية من الحملة اتصفت بتعقيد أكبر – كونها عملية كبيرة متعددة الأهداف وتستلزم العديد من الأعمال المنسقة. وعلى غرار المعركة التي شُنت على مدينة إدلب، تضم هذه الحملة العديد من جماعات الثوار، بما فيها «جيش الفتح»، والجماعة المظلية التي تضم «جبهة النصرة» التابعة لـ تنظيم «القاعدة»، و«أحرار الشام»، و«جند الأقصى»، و«جيش أنصار السنة»، و«فيلق الشام»، و«لواء الحق، و «أجناد الشام». وتقوم كتائب الثوار بعملياتها بالتعاون مع ست جماعات متمردة أخرى هي: «جيش الإسلام»، و«جبهة الشام»، و«صقور الشام»، و«تجمع سهل الغاب»/«تجمع صقور الغاب»، و«جبهة الصمود»، و «الفرقة الساحلية الأولى»، التي أطلقت عملياتها في سهل الغاب. وتحارب ثلاثة عناصر أجنبية أخرى تابعة لـ تنظيم «القاعدة» إلى جانبهم أيضاً وهي: «كتيبة تركستاني» (تعرف أيضاً باسم «حزب تركستان الإسلامي»)، و«جند الشام»، و«جبهة أنصار الدين» (جماعة مظلية تضم فصائل أصغر من المقاتلين، من بينها جماعة «جيش المهاجرون والأنصار» تحت قيادة شيشانية و «حركة شام الإسلام» تحت قيادة مغربية).

وقد تمكّن الثوار مرة أخرى من حشد مجموعة كبيرة من القوات والأسلحة الثقيلة. وتفيذ التقارير أن عدد المقاتلين المشاركين في العملية يتراوح بين عشرة وثلاثة عشر ألف مقاتل – وهذا عدد معقول نظراً إلى ضلوع 16 تنظيم مختلف في العملية. كما يبدو أن هؤلاء المقاتلين مجهزون بكمية كافية ووافية من الأسلحة والذخائر. وتشمل الأسلحة الثقيلة المستخدمة دبابات “تي-55“، و “تي-62“، و “تي-72“، ومركبات مشاة قتالية من نوع “بي أم پي”، وقاذفات صواريخ، ومدافع هاون، ورشاشات ثقيلة مؤللة مضادة للطائرات (من عيار 12.7، 14.5 و 23 ملم). كما تم استخدام عدة أنواع من الأسلحة المضادة للدبابات بشكل مكثّف، بما فيها قذائف الدفع الصاروخية من طراز “آر پي جي-7S“، و “آر پي جي- 22S“، و “إم-79s“، وصواريخ “تاو”. كما أن أشرطة الفيديو التي عرضها الثوار تُظهر عدة هجمات دقيقة بصواريخ “تاو” الموجّهة على العربات المدرعة والمواقع العائدة للنظام.

وفي الواقع أن التكتيكات التي يستخدمها الثوار في الحملة الراهنة تشابه تلك التي استُخدمت في المعركة على مدينة إدلب. فقد عمل المقاتلون على عزل النقاط الحصينة التابعة للنظام في الأرياف ثم الانقضاض عليها، فقطعوا بذلك خطوط التواصل ضمن الخط الدفاعي. كما جرى قصف المناطق المدنية واختراقها والاستحواذ عليها في المواجهات القتالية المباشرة، في حين استُهدفت المواقع ذات المقاومة القوية بـ “عبوات ناسفة مرتجلة محمولة على سيارة مفخخة”.

وتوفر المصادر المتحالفة مع الحكومة صورة عن نظام المعركة الذي يتبعه النظام السوري. وفي بداية الهجوم، شكلت قوات النظام مرة أخرى خليط من الجنود النظاميين من “اللواء 87” التابع لـ “الفرقة الحادية عشرة”، (الذين سبق أن تلقوا العديد من الضربات في المعركة على مدينة إدلب)، وعناصر من “قوات الدفاع الوطني” وآخرين من “قوات النمر” (إحدى الوحدات القتالية الأكثر فعالية لدى النظام السوري)، وربما عناصر من “فوج 54 قوات خاصة”. وقد أفيد أن التعزيزات التي أرسلت إلى ساحة المعركة تشمل عناصر من ميليشيا “الحزب السوري القومي الاجتماعي” و “الحرس الجمهوري اللواء 106″، و “كتيبة الدبابات 40” وقوات من «حزب الله».

وفي بادئ الأمر، حاول النظام إحكام سيطرته على المناطق المدنية ونقاطه الحصينة المنتشرة على امتداد الخط الدفاعي. وبالرغم من بعض الهجمات المضادة التي شُنّت محلياً وتكللت أحياناً بالنجاح، بدا أن الوحدات المتمركزة في عدة مواقع قد حاربت لوحدها إلى أن تم هزيمتها، وفي حالات معينة عمدت قوات النظام إلى ترك مواقعها عوضاً عن مواجهة الدمار والهزيمة. وحاول النظام مجدداً استخدام قوته الجوية لعرقلة عمليات الثوار إنما فشل في مساعيه إلى حدٍّ كبير، ومن المرجح أن الطقس السيئ الذي واجهه في البداية لعب دوراً في هذا الفشل. أما اليوم فيلجأ النظام إلى القوة الجوية ليستهدف المناطق العسكرية والمدينة التي استولى عليها الثوار عن طريق القصف المكثف.

الحصيلة

لقد استحوذ «جيش الفتح» وحلفاؤه على مدينة جسر الشغور ومعسكر “معمل القرميد” شرقي أريحا بالإضافة إلى عدد من مواقع النظام في سهل الغاب، علماً بأن بعض المواقع كافحت بوجه تلك القوات ولم تسقط إلا بالمواجهات المباشرة، في حين استعادت قوات النظام بعضاً من تلك المواقع من خلال الهجمات المضادة المحلية. أما حصن معمل القرميد فصمد أمام العديد من عمليات الزحف الحازمة قبل أن يسقط في هجوم بمساعدة عدد من الهجمات الانتحارية.

ويبدو أن الهجوم استنزف أيضاً قوات النظام بشكل كبير، إذ تُصوّر مقاطع الفيديو الصادرة عن الثوار عدداً كبيراً من الضحايا في صفوف قوات النظام، فضلاً عن الاستيلاء على الدبابات ومركبات المشاة القتالية والرشاشات الثقيلة المضادة للطائرات والمدفعيات وقاذفات الصواريخ وقذائف الهاون والذخائر، أو الدمار الذي ألحق بها. ونظراً لطبيعة الحرب الاستنزافية، تضرّ خسارة الجنود بالنظام بشكل خاص.

وعلى نطاق أوسع، أبدى الثوار تحسناً في مهاراتهم العملياتية، لا سيما «جبهة النصرة» و «أحرار الشام». فقد شمل الهجوم عدة معارك منسقة امتدت على مساحة واسعة، لذلك فإن ظهور هذا النوع من الإمكانيات يشكل تهديداً خطيراً على النظام. وتبقى زمام المبادرة في إدلب وشمال حماة بين أيدي الثوار، على الأقل في الوقت الراهن.

وفي المقابل، لا يزال النظام يسيطر على قسم مُصغر من الخط الدفاعي وبعض المواقع المهمة، مع الإشارة إلى أن المعارك استنزفت قوات الثوار ككل وكبّدتها خسائر كبيرة في الأرواح عند بعض النقاط المهمة. وتحاول قوات النظام أن توسّع الخط الدفاعي في بعض المناطق وأن تستحدث طريقاً بديلاً للإمدادات عبر هذا الخط. إلا أن تطور المعركة في الأيام المقبلة يعتمد على عدد من العوامل، منها:

·         قدرة الثوار على الحفاظ على اندفاعهم ووحدة جهودهم خلال التصدي للهجمات المضادة التي يشنها النظام.

·         قدرة النظام على تفادي خسارة المزيد من المواقع المهمة، ونقل التعزيزات إلى المنطقة، والنجاح بهجماته المضادة.

التداعيات

أمام الثوار فرصةٌ لاختتام الحملة على إدلب بتحقيق انتصار ساحق آخر وبالتالي القضاء على موقع النظام في المحافظة وعلى القوات التي تدافع عنها. لكن هذه العملية تتطلب المزيد من الذخائر والأسلحة الثقيلة، وهذه الأخيرة ستؤمّن الطاقة اللازمة لتنفيذ المزيد من العمليات – وخصوصاً من قبل العناصر الإسلامية، ولكن ليس من قبلهم فقط.

بيد، إذا تمكّن النظام من الصمود ومن تجنب المزيد من الخسائر الفادحة واستعادة المزيد من المواقع التي خسرها، قد يكون وقع الحصيلة النهائية أشبه بالانتكاسة على الثوار. فسيكونون بذلك قد أضاعوا فرصة مهمة على أنفسهم وسيصبح موقع النظام في إدلب آمناً للوقت الراهن حتى لو بنسبة أخف – على الأقل إلى حين يصبح باستطاعة الثوار تنفيذ جهد كبير آخر.

وفي كافة الأحوال، يواجه النظام اليوم وضعاً صعباً للغاية. فحجم ونطاق الحملة التي يشنها الثوار في إدلب وحماة يشكلان تحدياً حقيقياً لاستراتيجيته وإمكانياته. فلم يستطع النظام من استعادة عاصمة المحافظة التي خسرها في آذار/مارس بينما يحدِق اليوم تهديدٌ خطير بصلب ما تبقى من موقعه العسكري في المنطقة. ويأتي هذا التحدي وسط انتكاسات أخرى مني بها النظام في محافظات حلب، والقنيطرة، ودرعا، حيث تباطأت هجماته أو تراجعت حتى في الأحيان التي شاركت فيها القوات الحليفة التي يعتمد عليها عادةً. وبالإجمال ينذر الوضع العام باحتمال تدهور القدرات العسكرية بعد أربع سنوات من حرب الاستنزاف. وحتى تجنب الخسارة الفادحة في إدلب قد لا يبدد بالضرورة الشعور المتجدد بخسارة النظام الوشيكة. فقوات النظام تتعرض للضغط على جبهات أخرى أيضاً، حتى على مقربة من دمشق، كما أنها لا تملك مجالاً للمناورة يخوّلها الانتشار في النقاط الجوهرية في الحرب. وما تحتاج إليه حكومة دمشق هو قوات إضافية (وأكثر موثوقية)، مع أنه لا يُعرف من أين قد تأتي هذه القوات. فقد يكون حليفه «حزب الله» وحلفاؤه الإيرانيون والعراقيون مترددين في الاستمرار بدفع كلفة متزايدة مقابل استثمار سيبوء ربما بالفشل. كما أن النظام بحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجياته العسكرية والسياسية.

وحتى كتابة هذه السطور، تبدو حملة إدلب من أهم تطورات الحرب وربما أيضاً نقطة التحول المحيّرة التي تدل على تغيير واضح في الزخم ضد النظام بعد أربع سنوات من القتال غير الحاسم. وبالنسبة لأولئك الذين يسعون إلى تحقيق حصيلة إيجابية في سوريا، فإن هذا هو الوقت المناسب لفرض أقصى قدر من الضغط على النظام، وإرغامه على التفاوض بصراحة على [بدء] عملية انتقالية أو التسبب بخسارته العسكرية.

معهد واشنطن