يكشف التقييم السنوي للقدرات العسكرية العالمية واقتصاديات الدفاع، الذي يعدّه المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS) في بريطانيا، أنّ العالم يعيش على وقع مزيد من التعقيد ، وبروز أزمات جديدة، بعضها لا يبدو ظاهريا أن له علاقة بالحروب والصراعات المسلّحة، لكن الخبراء يؤكّدون أنّها في طريقها لأن تصبح أحد أبرز الأسباب الداعية لتطوير التسلّح في العالم، ومن هذه الأسباب: أزمة المناخ ونقص المياه في العالم، التي تضاف إلى أزمات كثيرة أخرى.
ويشير التقرير إلى أنّ سنة 2014، كانت سنة السلاح بامتياز، ويتواصل هذا الوصف على امتداد سنة 2015، في ظلّ ما يواجهه العالم من تحديات أمنيّة في أوكرانيا، وضمّ روسيا لجزرة القرم، وما تعيشه منطقة الشرق الأوسط على وقع خطر تقدّم تنظيم “الدولة الإسلامية” في كل من سوريا والعراق وتوسع النفوذ العسكري لدول إقليمية، على رأسها إيران، بشكل كبير داخل البلدين.
وقد انتهى العام 2014 بعودة الولايات المتحدة لنشر قوات على الأرض مهمتها تدريب القوات العراقية، وهي تقود اليوم تحالفا دوليا واسع النطاق في عمليات جوية هجومية ضد “داعش”، فيما لا تزال منطقة شمال أفريقيا، وبالتحديد ليبيا، تتخبّط في أزمتها المتفرّعة.
ويثير التهديد الفعلي المحتمل الذي يمثله تنظيم “داعش” على الأمن العالمي درجة من الالتزام العسكري والاصطفاف السياسي للقوى الإقليمية والعالمية بشكل لم يشهد له مثيل في السابق. وقد أظهرت بعض الدول العربية، وعلى رأسها دول الخليج، مزيدا من الاستعداد والتمدد العسكريّ، من ذلك الخطوات العسكرية التي اتخذتها مصر ضد المتشددين في ليبيا، وعاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد التمرد الحوثي في اليمن، والتي مثلت نقطة تحوّل في السياسة الإقليمية، وهو ما يدل على إمكانية استخدام القوة عربيا والقدرة على التّصرف بشكل مستقل عن واشنطن. لكن رغم ذلك، مازلت الولايات المتحدة الضامن الاستراتيجي لمعظم دول المنطقة. وقد نجحت واشنطن، رغم الخلافات الطارئة مع بعض الحلفاء الخليجيين ومصر، بسبب إيران والإخوان، في حشد الدعم السياسي والعسكري لانضمام دول عربية مهمة إلى التحالف الذي تقوده لمحاربة تنظيم داعش.
وتعتبر بعض الدول العربية أنّ داعش يشكل تهديدا أيديولوجيا وأمنيا، كما تعتقد أن مشاركتها في تشكيل الاستراتيجية الأميركية في سوريا أمرا أساسيا، لضمان عدم استفادة إيران من الحملة العسكرية ضدّ “داعش”. وقد ساهمت البحرين والأردن وقطر، والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتّحدة في الغارات الجوية في جميع العمليات العسكرية الأخرى.
وعلى الصعيد العالمي، ما تزال احتمالات وقوع أحداث نزاع تقلق بعض الدول في أجزاء أخرى من العالم مُمكنة. ففي اليابان، أعربت الحكومة عن عدم ارتياحها من النّزاع القائم في جزر سينكاكو/دياويو الواقعة في منطقة بحر الصين الجنوبي. كما أنّ مخاوف بعض المؤسسات الدفاعية الآسيوية الأخرى حول الأمن الداخلي مازالت قائمة وهي تقف وراء اهتمامها المتزايد بتحسين القدرة على التعامل مع المساعدات الإنسانية وعمليات الإغاثة من الكوارث والتحديات الأمنية الإنسانية، فهي تواجه تهديدا متزايدا جراء ارتفاع المشتريات العسكرية. وقد ركّزت محاولات تعزيز القدرات الدفاعية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشكل خاص على المجال البحري، مما يعكس المخاوف بشأن التهديدات البحرية التقليدية.
وفي الوقت الذي تأثرت فيه بعض البلدان جراء الأحداث في أوكرانيا وسوريا والعراق وبعض المناطق الآسيوية، فإن هناك دروسا يمكن أن يستفيد منها الخصوم ويمكن أن تمثل أهمية بالغة على المدى الطويل.
ويخلص التقرير إلى أن الديناميكية الأمنية المعقدة في جميع أنحاء العالم، وبالتحديد منطقة الشرق الأوسط، تتطلب إنفاقا دفاعيا إقليميا مرتفعا، ولكن تزايد انعدام الأمن والصراع قد يساهم في عملية تسريع الإنفاق على المسائل الدفاعية. ولا يزال الإنفاق يتركز على أنظمة الدفاع الجوي، خاصة في منطقة الخليج، رغم أن بعض الدول قد استثمرت في الطائرات المروحية، النقل الجوي، فضلا عن المدرعات والمدفعية.
العرب اللندنية