لغة تفاوض ملغومة بين واشنطن وطهران على وقع تنفيذ العقوبات الأميركية

لغة تفاوض ملغومة بين واشنطن وطهران على وقع تنفيذ العقوبات الأميركية

واشنطن – يراقب المجتمع الدولي باهتمام التداعيات التي ستتركها رزمة العقوبات الجديدة على إيران وعلى صاحب القرار في طهران لمواجهة الضغوط الأميركية التي تتصاعد لتصبح دولية ضد إيران.
وتشمل رزمة العقوبات الأميركية التي دخلت حيز التنفيذ، الثلاثاء، تجميد التعاملات المالية وواردات المواد الأولية، كما تستهدف قطاعي السيارات والطيران التجاري.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، إن بلاده ستوقف تعاملاتها التجارية مع أي جهة تتعامل مع إيران بعد العقوبات. وأعلن أن العقوبات التي تم فرضها على إيران، هي الأشد قسوة على الإطلاق.
وأضاف ترامب في تغريدة عبر حسابه في تويتر “في نوفمبر المقبل سنفرض الدفعة الثانية من العقوبات على إيران”.
وتطال عقوبات نوفمبر قطاعي النفط والغاز إضافة إلى البنك المركزي الإيراني.
وقام العديد من الإيرانيين في الأيام الماضية بادخار دولارات وجمع مؤن خوفا من تدهور أوضاعهم أكثر في ظل العقوبات.
وإزاء انهيار العملة الوطنية وموجة الاحتجاجات الاجتماعية، أعلنت الحكومة الإيرانية تليين القيود المفروضة على صرف الريال، فيما أوقف عدد من المسؤولين بينهم مساعد محافظ البنك المركزي لشؤون العملات الصعبة أحمد عراقجي، لاتهامهم بالفساد.

ويلفت الصحافي أليكس لوكي في موقع “بيزنس إنسايدر” الأميركي إلى أن واشنطن توجه “رسالة واضحة إلى حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين مفادها أن عليهم الاختيار بين القيام بأعمال تجارية مع الولايات المتحدة أو مع إيران، ولكن ليس مع كليهما معا”.
ويعتزم ترامب الذي تبنى موقفا صارما مع إيران منذ وصوله إلى السلطة “تشديد الضغط على طهران حتى تغيّر سلوكها”، وقد حدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في 21 مايو الماضي شروط واشنطن التي تتجاوز الاتفاق النووي لتنسحب على برنامج إيران للصواريخ الباليستية وتدخل طهران في شؤون المنطقة بما في ذلك تهديد أمن الحلفاء.
ويقول دينيس روس الذي عمل مع أربع إدارات أميركية إنه “ربما تستمر الصين والهند في شراء النفط الإيراني رغم العقوبات الأميركية ولكن يمكن أن تطلب الصين تخفيضا في السعر وربما تعرض الهند أن يتم الدفع بالروبية فقط”.
وعلى الرغم من الخطاب المتصلب الذي ينتهجه النظام الإيراني، إلا أن المؤشرات الاقتصادية كما حركة الاعتراض المتصاعدة داخل المدن الإيرانية تكشف حدة ما فعلته العقوبات الأميركية على مستويات متعددة تهدّد اللحمة السياسية والاجتماعية للبلاد.
وشهدت مدن إيرانية عدة الأسبوع الماضي تظاهرات متفرقة وإضرابات، ما يعكس استياء حيال الوضع الاقتصادي المتدهور وامتعاضا من الطبقة السياسية واحتجاجا على ارتفاع الأسعار والنقص في المياه نتيجة الجفاف.
ويلفت خبراء في الشؤون الدولية إلى أن لغة التوتر في خطابي الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني هذه الأيام توراي رغبة كامنة لدى الطرفين في الذهاب نحو التفاوض.
واتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني واشنطن بـ”شن حرب نفسية على الأمة الإيرانية وإثارة انقسامات في صفوف الشعب”.
واستبعد التفاوض مع الأميركيين في ظل العقوبات، وقال مساء الاثنين إن إجراء “مفاوضات مع فرض عقوبات هو أمر غير منطقي”.
وجاءت تصريحات روحاني ردا على توجيه ترامب قبل ساعات تحذيرا جديدا لإيران، مبديا في الوقت نفسه “انفتاحه” على “اتفاق أكثر شمولا يتعاطى مع مجمل أنشطة النظام الإيراني الضارة، بما فيها برنامجه الباليستي ودعمه للإرهاب”.
وقال في بيان “على النظام الإيراني الاختيار. فإما يغيّر سلوكه المزعزع للاستقرار ويندمج مجددا في الاقتصاد العالمي، وإما يمضي قدما في مسار من العزلة الاقتصادية”.
ورصد المراقبون إشارات إيرانية تلمّح إلى القبول بالتفاوض مع واشنطن ضمن ظروف تحفظ ماء الوجه لطهران.
وقال الباحث في معهد “كاتو” للدراسات جون غليزر إن الولايات المتحدة تعتبر العقوبات “وسيلة ضغط من أجل أن تعود إيران إلى طاولة المفاوضات، بهدف تعديل شروط الاتفاق بما يناسبها، وهذا لن يحصل”.
وقال الرئيس الإيراني “إذا كنت عدوا وطعنت شخصا بسكين لتقول بعدها إنك تريد التفاوض، فأول ما عليك فعله هو سحب السكين”، إلا أنه لفت إلى أن بلاده “لطالما رحّبت بالمفاوضات”، لكن على واشنطن أن تثبت أولا حسن نواياها بالعودة إلى اتفاق 2015.
واتساقا مع لغة التفاوض الملغومة على وقع فرض العقوبات القاسية، ذكّر دبلوماسيون غربيون بأن الزيارة التي قام بها روحاني إلى سويسرا في 2 يوليو لم تكن سوى تلويح واضح من واجهة النظام الإيراني في شخص رئيس الجمهورية بالميل نحو المفاوضات خصوصا وأن سويسرا تمثل المصالح الأميركية في طهران.

واعتبر مراقبون أن زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى الولايات المتحدة، أواخر الشهر الماضي، تمثل جانبا من قناة التواصل التي تتولاها مسقط بين طهران وواشنطن، لا سيما وأن إعلان ترامب استعداده للتفاوض مع إيران جاء متزامنا مع وجود الوزير العماني في واشنطن.
ويرى مايكل آيزنشتات، الخبير في شؤون الأمن والدفاع بالشرق الأوسط، أن إيران تطلق تهديدات كبرى ولكنها تتوخى الحذر الشديد في أفعالها لتجنب أي رد فعل أميركي قوي، لا سيما أنها تواجه الآن معضلة؛ ففي الماضي كان الردّ الرئيسي لإيران إزاء الضغوط الأميركية يتمثل في مضاعفة الجهود في المجال النووي، ولكن إيران خفضت بنيتها التحتية النووية كجزء من صفقة النووي مع الولايات المتحدة والدول الأخرى.
ويقول خبراء في الشؤون الإيرانية إن رزمة العقوبات الأميركية الجديدة ستكون مؤلمة جدا للاقتصاد الإيراني وتشكل شبه قطيعة مع النظام المالي الدولي المستند على الدولار الأميركي. ويضيف هؤلاء أنه إذا لم يحدث أي خرق في ملف العلاقات الإيرانية الأميركية فإن الدفعة الثانية من العقوبات المزمع فرضها ابتداء من نوفمبر ستكون كارثية لأنها تمس قطاع التجارة النفطية في بلد يعتمد اقتصاده بشكل واسع على قطاع تصدير النفط.

العرب