لاءات الصدر تهدّد سيطرة حزب الدعوة على مقاليد الحكم في العراق

لاءات الصدر تهدّد سيطرة حزب الدعوة على مقاليد الحكم في العراق

سقف التوقّعات بحدوث تغييرات جوهرية في طبيعة الحكم في العراق، منخفضة للغاية، لكنّ إنهاء سيطرة حزب الدعوة الإسلامية على مقاليد الحكم بالبلد، قد يكون مقبولا في المرحلة الحالية من قبل شرائح واسعة من العراقيين الكارهين للحزب والناقمين على حصيلته الكارثية في الحكم.

بغداد – أغلق التيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر، باب التكهنات بشأن إمكانية لجوئه إلى الدخول في أي تحالف برلماني يضمّ رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان والقادرة على تشكيل الحكومة الجديدة، كون زعيم دولة القانون مسؤولا أثناء فترتي حكمه على كوارث طالت العراق، في مقدّمتها سقوط ثلث مساحة البلاد بيد تنظيم داعش وما تبع ذلك من خسائر بشرية ومادية جسيمة.

ووسّع التيار رفضه ليشمل حزب المالكي “الدعوة الإسلامية” حين قرن إمكانية قبوله بعودة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي إلى المنصب، باستقالته من الحزب الذي استأثر بقيادة البلاد خلال السنوات الماضية، ولم يعد مقبولا لدى غالبية العراقيين نظرا لضحالة نتائج تجربة الحكم التي قادها على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

وقد يكون موقف الصدر من المالكي وحزبه ناتجا عن معرفة دقيقة بمدى نقمة الشارع العراقي على كلّ ما يمت بصلة للحزب، وهو يسعى لتلبية “حاجة نفسية” للعراقيين، في ظلّ معرفته بمحدودية إمكانيات التغيير في البلد، وصعوبة إنجاز إصلاحات جذرية تطال جوهر العملية السياسية، وتغيير التوازنات الداخلية والخارجية التي تحكمها.

وجاء موقف الصدريين من المالكي وحزبه بعد نفي الحزب الديمقراطي الكردستاني لتحالفه مع ائتلافي دولة القانون بزعامة المالكي، والفتح بزعامة هادي العامري، لتشكيل الحكومة الجديدة، ليؤكّد ذلك اتساع دائرة الرفض لحزب الدعوة وزعيمه.

ويتعرّض التيار الذي رعى تحالفا انتخابيا تحت مسمّى “سائرون” وحصل على المرتبة الأولى في انتخابات مايو الماضي بـ54 مقعدا برلمانيا، لضغوط إيرانية بهدف تحييده عن قيادة الحكومة القادمة أو التقليل من دوره فيها، كونه أقلّ التيارات الشيعية العراقية ثقة لدى إيران، بسبب ما يرفعه من شعارات سيادة القرار الوطني والحدّ من التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي للبلد.

ويعد الصدر من بين قلة من الزعماء الشيعة غير المقربين لطهران. وسبق أن هتف أنصاره عقب إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة وسط العاصمة “بغداد حرة حرة.. إيران برا برا”، في إشارة إلى امتعاضهم من نفوذ طهران الواسع في بلد ينخره الفساد ويهزّه العنف منذ سنوات طويلة.

ومنذ إسقاط النظام العراقي السابق عام 2003 على يد القوات الأميركية وحليفتها البريطانية، تلعب كل من واشنطن وطهران دورا مهما في مفاوضات الكتل السياسية لتشكيل الحكومات العراقية.

وكان من ضمن السيناريوهات المتداولة بين الأوساط السياسية العراقية أن يلجأ الصدريون تحت طائلة الضغوط الإيرانية، وبهدف الحفاظ على فرصتهم في تعظيم دورهم بقيادة البلاد خلال الفترة القادمة، إلى التحالف مع نوري المالكي، أكبر خصم سياسي لهم على مدار السنوات الماضية. إلاّ أنّ المكتب السياسي لمقتدى الصدر نفى ذلك قطعيا معتبرا أنّ التحالف مع زعيم دولة القانون “أمر غير وارد”.

رفض الصدريين لحزب الدعوة يلبي حاجة نفسية للعراقيين في ظلّ محدودية آفاق إنجاز تغيير يطال جوهر العملية السياسية

واتهم مسؤول المكتب ضياء الأسدي في بيان “المالكي بتحمل مسؤولية قانونية عما جرى في الموصل وغيرها من مدن العراق، كونه كان رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة في الفترة التي تزامنت مع سقوط مساحات من البلاد بيد داعش”. وطالب الأسدي المالكي بـ”الكشف عن المتورطين، ومحاسبتهم على دماء العراقيين التي أريقت، وأراضيهم التي احتلت، ومقدراتهم التي دمرت، وأعراضهم التي هتكت وانتهكت”.

وفي تصريحات صحافية بشأن الموضوع ذاته، قال الأسدي إنّ التيار الصدري وكتلا سياسية عديدة أخرى اشترطت على حيدر العبادي الاستقالة من عضوية حزب الدعوة لترشيحه لشغل منصب رئاسة الوزراء لولاية ثانية.

كما كشف مسؤول مكتب الصدر أن هناك تفاهمات بين خمس كتل هي “سائرون” المدعومة من التيار الصدري، و”النصر” بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، و”الفتح” بزعامة هادي العامري، و”الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، و”الوطنية” بقيادة إياد علاوي، موضّحا أنّ “الأيام المقبلة قد تشهد اجتماعا بين الأطراف المذكورة، وقد يفضي ذلك إلى تشكيل نواة الكتلة الأكبر التي ستشكل الحكومة”.

وتتجه بعض التوقّعات إلى أنّ رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي يتمتع بحظوظ لشغل المنصب لدورة ثانية بشرط إعلان استقالته من حزب الدعوة الذي يقوده سلفه نوري المالكي.

ونقل الأسدي موقف التيار الصدري في هذا الشأن قائلا إنّ استقالة العبادي من الحزب مطلب من مطالب أغلب الكتل السياسية، وكذلك مقتدى الصدر، لـ”يكون من يتسلم المنصب رئيسا لكل العراق”، مضيفا “لدينا تجربة تفيد بأن معظم المسؤولين عندما يتولون مسؤولية معينة فإن ارتباطهم بحزبهم يؤثر على عملهم ويظهر تأثير الحزب جليا في بعض المفاصل”.

وبشأن إمكانية المصالحة بين التيار الصدري والمالكي، يقول الأسدي إنّ رأي الصدر “واضح في هذه المسألة وهو أن يكون المالكي على استعداد لتبرئة ذمته مما حصل خلال سنوات حكمه أو أن يقدم المقصرين للعدالة، وبخلاف ذلك لن تكون هناك مراجعة للموقف معه”.

العرب