تركيا تعيد عقارب ساعة الأزمة السورية إلى الوراء: جيش وطني يرث الجيش الحر

تركيا تعيد عقارب ساعة الأزمة السورية إلى الوراء: جيش وطني يرث الجيش الحر

دمشق – عملت تركيا خلال الأشهر الأخيرة على تجميع المعارضة المسلحة في شمال سوريا ضمن تشكيلين الأول أطلقت عليه “الجيش الوطني” في ريفي حلب الشمالي والشرقي ويضم فصائل من الجيش الحر شاركت في العمليات التي أطلقتها أنقرة وآخرها في عفرين، والتشكيل الثاني هو “جبهة التحرير الوطني” برز مؤخرا ويضم المجموعات المقاتلة في إدلب استعدادا لمواجهة شبه حتمية مع النظام السوري.

ولا يستبعد مراقبون أن تقوم تركيا بإلحاق جبهة التحرير بـ“الجيش الوطني” السوري مستقبلا الأمر الذي من شأنه أن يمثل عقبة أمام استعادة الرئيس بشار الأسد السيطرة على شمال البلاد.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد وصف في فبراير الماضي فصائل الجيش الحر، بأنه “الجيش الوطني” لسوريا، داعيا حينها دول الخليج لتدريب هذا الجيش، بيد أن الأخيرة لا تبدو متحمسة لهذه الخطوة.

ويرى مراقبون أن هذا المسعى يشكل عنصرا أساسيا لأنقرة في سياق رغبتها في تكريس نفوذها في هذه المنطقة السورية، وأيضا لمواجهة العدو اللدود بالنسبة لها أكراد سوريا وإعادة النازحين.

وقال الرئيس التركي الأحد إن بلاده استكملت الترتيبات اللازمة لإقامة المزيد من المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية، مثلما فعلت خلال توغلـين عسكريين في شمال سوريا.

وذكر أردوغان في مقر حزبه العدالة والتنمية بمدينة طرابزون المطلة على البحر الأسود أن ربع مليون شخص عادوا بالفعل إلى مناطق “محررة” في سوريا.

وفي ما يتعلق بالمعارضة في الشمال فقد يشكل هذا التوجه إنقاذا لها من مصير المعارضة في باقي أنحاء البلاد وآخرها جنوب سوريا حين اضطر بعضهم إلى المصالحة مع النظام فيما تم تهجير الباقي إلى إدلب.

ويقول العقيد هيثم العفيسي قائد “الجيش الوطني” إن إنشاء هذه القوة لم يكن بالمهمة السهلة خلال السنة الأخيرة. ويوضح العفيسي في تصريحات لـ“رويترز” ببلدة أعزاز قرب الحدود التركية “نحن ننتقل في تطوير الجيش من مرحلة إلى مرحلة. ونحن اليوم في بداية التنظيم، أمامنا صعوبات كثيرة ولكن نعمل على تجاوزها”.

35 ألف مقاتل ينتمون للجيش الوطني السوري الذي تشكل في ريف حلب برعاية تركية

وتشكّل هذا الجيش بدعوة من “المجلس الإسلامي السوري” الذي أعلن عنه في العام 2014 برئاسة الشيخ أسامة الرفاعي، ويعتبره كثيرون أنه واجهة لجماعة الإخوان المسلمين بالنظر لانتماء قياداته للأخيرة.

وفي أواخر الشهر الماضي صدرت تعليمات لقادة “الجيش الوطني” تقضي بمنع المقاتلين من “إطلاق النار العشوائي منعا باتا” والالتزام بارتداء الزي العسكري و“التعاون الكامل مع قيادة الشرطة العسكرية”.

وتم منع الفصائل التي يتألف منها “الجيش الوطني” من إدارة سجون ومحاكم خاصة بها ومن “اعتقال أي مواطن من قبل أي فصيل كان إلا بموجب كتاب رسمي من القضاء وعن طريق الشرطة العسكرية حصرا”.

وقد تعرض مشروع الجيش الوطني للهجوم إذ أصيب عدد من المجندين بجروح في الخامس من أغسطس الجاري عندما تعرض حفل تخريج دفعة من المقاتلين في مدينة الباب للقصف.

ويتألف الجيش الوطني من حوالي 35 ألف مقاتل من بعض من أكبر الفصائل في الحرب الأهلية التي سقط فيها مئات الآلاف من القتلى وأرغمت حوالي 11 مليونا على النزوح عن بيوتهم خلال السنوات السبع الأخيرة.

وفي السابق فشلت مساع عديدة لتوحيد مقاتلي المعارضة إذ عرقلتها منافسات محلية وفي بعض الأحيان تعارض أهداف الدول الأجنبية التي كانت تدعم الكثير من المقاتلين في وقت من الأوقات في الحرب السورية.

ومن المحتمل أن يختلف الوضع بالنسبة للجيش الوطني نظرا للوجود التركي على الأرض. وكان الجيش التركي قد توغل في الشمال الغربي في حملتين. الأولى “درع الفرات” في العام 2016 وأدت لإخلاء أقرب لأن يكون طوعيا لعناصر داعش من المنطقة الواقعة بين أعزاز وجرابلس.

والثانية “غصن الزيتون” التي انتزعت فيها تركيا السيطرة على منطقة عفرين من وحدات حماية الشعب الكردية السورية في وقت سابق من العام الجاري بعد أكثر من شهر ونصف على هجوم سقط خلاله العشرات من الأبرياء.

وللمنطقة أهمية خاصة لأنقرة لأنها ترى خطرا أمنيا عليها في وحدات حماية الشعب التي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا منذ أكثر من ثلاثة عقود في تركيا.

وقال الأسد مرارا إن تركيا تحتل الأرض السورية دون مسوغ قانوني، مشددا على ضرورة استعادة كل شبر في البلاد

تركيا أقامت 12 موقعا عسكريا في محافظة إدلب والمناطق المجاورة لها جنوبي عفرين بموجب اتفاق مع روسيا وإيران.

ولفت العفيسي إلى “كل ما يتم تقديمه حتى الآن من دعم للجيش الوطني هو دعم تركي. لا توجد أي دولة أخرى شريك في هذا الأمر. فقط تركيا”. وقال العفيسي إن الدعم التركي “يتمثل في تقديم رواتب للمقاتلين وفي نفس الوقت إصلاحات وتقديم المساعدة والخبرات في كافة المجالات المادية واللوجستية وآليات وسلاح إذا اضطر الأمر”.

واعتبر أن أعداء الجيش الوطني ثلاثة يتمثلون في الحكومة السورية وحزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية.

وقد أقامت تركيا أيضا 12 موقعا عسكريا في محافظة إدلب والمناطق المجاورة لها جنوبي عفرين بموجب اتفاق مع روسيا وإيران. والهدف المعلن لها هو مراقبة اتفاق “خفض التصعيد” في منطقة إدلب.

وكان الأسد قد أشار إلى أن إدلب ربما تكون الهدف التالي للقوات الحكومية.

وقال العفيسي إن من الممكن دمج الجيش الوطني بسرعة مع قوات المعارضة المدعومة من تركيا في إدلب إذا اقتضت الضرورة.

ومما يعقد الوضع في إدلب وجود جبهة فتح الشام التي تسيطر على أزيد من 60 بالمئة من مساحة إدلب، فضلا عن جماعات متشددة أخرى منها حراس الدين، وجميعها ما تزال تحظى بدعم من تركيا، وإن كانت تحاول الأخيرة أن تنكر هذا الواقع.

وقال العفيسي “يمكن أن يكون الدمج قريبا في حال كانت الرؤية واحدة تماما ونحن جاهزون ونمد يدنا إلى كل تشكيل يمثل أهداف الثورة”.

ويرى مراقبون أن هذا الأمر يبقى رهين المفاوضات الجارية بين تركيا وروسيا، حول مصير الشمال ومستقبل الوجود الكردي الذي يحظى برعاية أميركية.

وقال أردوغان الأحد إنه جرى تكثيف الجهود الدبلوماسية والعسكرية في محافظة إدلب السورية لتجنب حدوث “كارثة” كتلك التي وقعت في مناطق أخرى من سوريا.

العرب