تضامنت مدن عراقية مختلفة مع البصرة، وسط تصاعد لافت للصدامات الدامية في المدينة بين متظاهرين محتجين على نقص الخدمات وغياب الماء الصالح للشرب وبين القوات الأمنية، مما خلف عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.
وأطلق ناشطون في مدينتي الفلوجة والرمادي حملة “قطرة من الأنبار إلى البصرة” من أجل تجهيز شاحنات تحمل المياه النقية وإرسالها إلى البصرة، لتوجيه أنظار منظمات المجتمع المدني والحكومة العراقية إلى معاناة مئات الآلاف من سكان المدينة الواقعة على شط العرب ملتقى نهري دجلة والفرات.
وفي الأعظمية ببغداد، نظم متطوعون من أهالي المدينة حملة لتزويد البصريين بمياه الشرب النقية، ويقول المشرف على الحملة محمد سمير العبيدي إنهم استطاعوا إرسال دفعة أولى منها بلغت أربعمئة ألف قنينة ماء.
ويضيف للجزيرة نت أنهم انتهوا من تجهيز الدفعة الثانية التي تبلغ حمولتها خمسمئة ألف قنينة، لكنهم اضطروا لتأجيل إرسالها بسبب إحجام سائقي الشاحنات عن الذهاب إلى البصرة خوفا من تدهور الوضع الأمني فيها، وهم يقومون الآن بالترتيب مع سائقين من أهل المدينة لإيصالها.
ويستقبل العبيدي برفقة مجموعة من الشباب التبرعات المالية والعينية من أجل تجهيز قناني المياه، وفي مقر المطعم المجاني “الشوربة خانة” الذي يشرف عليه، يتوافد الأهالي من مختلف المناطق من أجل المساهمة في هذه الحملة.
وقد أعلن القائمون على هذه الحملة أنهم سيواصلون إرسال المياه إلى البصرة كل يوم جمعة، حتى نهاية الأزمة التي تعيشها المدينة.
ووفقا لمصادر بوزارة الصحة في المحافظة، فقد استقبلت مستشفيات البصرة خلال الأسابيع الأخيرة أكثر من عشرين ألف حالة ما بين تسمم وإسهال ومغص معوي وتقيؤ، بسبب تلوث المياه وملوحتها.
وأكدت المصادر اكتظاظ المستشفيات وعدم قدرتها على استقبال المزيد من المصابين، بسبب قلة التجهيزات والأدوية المخصصة لهم من الوزارة.
التضامن بالتظاهر
ووسط بغداد تجمع مئات العراقيين قرب نصب ساحة التحرير مطالبين الحكومة المركزية بتوفير الخدمات ومياه الشرب لأهالي البصرة، ورفعوا لافتات دانوا فيها الاستخدام “المفرط” للقوة ضدهم.
وقال علي سعدون -وهو أحد منظمي هذه التظاهرة في بغداد- إنهم دعوا إليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشارك فيها المئات من مختلف مناطق العاصمة، من أجل إعلان تضامنهم ووقوفهم مع البصريين في محنتهم هذه.
وأضاف أن القوات الأمنية سمحت لهم بالتجمع والتظاهر، ولم تضايقهم كما حدث في مرات سابقة، مشيرا إلى أنهم سيستمرون في تنظيم التظاهرات والوقفات الاحتجاجية حتى نهاية الأزمة.
وتعاني البصرة التي تنتج الجزء الأكبر من نفط العراق من ترد واسع في الخدمات كمياه الشرب والكهرباء والطرق والبنى التحتية، وهو ما أدى إلى حملات احتجاجية واسعة شهدتها السنوات الماضية، وبلغت ذروتها في يوليو/تموز الماضي ولا تزال مستمرة.
ونظم العشرات في مدن أخرى كالناصرية والديوانية والعمارة وقفات احتجاج تضامنا مع أهالي البصرة، في حين يتوقع الكثيرون أن تتزايد أعداد المشاركين في هذه الاحتجاجات خلال الأيام القادمة.
وقد أغلقت عشرات المحال التجارية في بغداد أبوابها تضامنا مع المتظاهرين، وأعلن رحيم الربيعاوي وهو أحد منظمي المواكب الحسينية إلغاء موكبه لهذا العام وتخصيص مصاريفه لعلاج جرحى مظاهرات البصرة.
جانب من تجهيز آلاف قناني المياه النقية من أجل إرسالها إلى أهالي البصرة (الجزيرة نت)
وعجت مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف المنشورات التي تعلن تضامنها مع البصرة ومحتجيها، وأطلق مدونون وسما بعنوان “أنقذوا البصرة” نقلوا فيها صورا ومقاطع فيديو لآخر تطورات الأحداث هناك.
تضامن فني
كما أعلن فنانون وأدباء ورياضيون وشخصيات عامة تضامنهم مع هذه التظاهرات، مطالبين المسؤولين بالتدخل لوقف ما يجري من “تعديات” على الأهالي، وتوفير الخدمات لهم.
وبثت مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات لعدد من الفنانين مثل آلاء حسين وقاسم السلطان طالبوا فيها السلطات الأمنية بحل الأزمة سلميا وعدم اللجوء للعنف، وتوفير المياه الصالحة للشرب.
وقال فنانون تشكيليون شباب إنهم يستعدون لإقامة معرض فني كبير في بغداد الأسبوع المقبل، يجسدون فيه معاناة المدينة وأهلها خلال العقود الماضية، منذ أن كانت المدينة ساحة القتال الرئيسية للحرب العراقية الإيرانية وحتى اليوم.
المصدر : الجزيرة