غطى ديفد كيركباتريك مراسل صحيفة نيويورك تايمز بالقاهرة منذ العام 2010، أحداث الربيع المصري ثم الشتاء المصري، ويروي في كتابه “في أيدي العسكر.. الحرية والفوضى في مصر والشرق الأوسط” مسلسل الأحداث بدول الربيع العربي. وتكمن أهميته في رصد تذبذبات البيت الأبيض حيال تقويض سلطة الرئيس حسني مبارك أحد حلفائه الرئيسيين بالمنطقة.
فقد انقسمت إدارة الرئيس باراك أوباما حيال الأحداث المثيرة التي راحت تهدد بشكل مفاجئ النظام الإقليمي القديم ابتداءً من شتاء 2011-2012. وكانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ممن يودون مساندة الرئيس مبارك حتى النهاية، في حين كان الرئيس أوباما، وعلى خلاف غالبية أعضاء حكومته، يرى العكس.
وبعد سقوط مبارك بات الرهان المزدوج بالنسبة لواشنطن: أولا قيام الإخوان المسلمين، الحزب الأقوى والأفضل تنظيمًا في مصر، بالإصلاحات الضرورية لإعادة الاستقرار. وثانيا أن يكون دعم الرئيس محمد مرسي للاتفاقات بين مصر وإسرائيل تعزيزا لنفوذ أميركا بالمنطقة.
ويلاحظ المؤلف أن الانقسامات داخل الحكومة الأميركية باتت واضحة تماما بالنسبة للدبلوماسيين والعسكريين في المنطقة. فأوباما وجزء من البيت الأبيض كانا يأملان أن ينجح مرسي.
وبالمقابل كان الكثير في وزارة الدفاع يتفقون مع نظرائهم في مصر والإمارات على أن محمد مرسي يشكل خطرا. ولقد بلغ هذا الانفصام في الموقف الأميركي حدًّا جعل الجنرالات المصريين يتذمرون منه في حديثهم مع كل من يتصلون به في البنتاغون.
الديمقراطية ليست أولوية
ويواصل الكاتب أنهم أدركوا أن بإمكانهم التحرك ضد الحكم المنتخب في مصر دون عمليات انتقامية أميركية ضدهم. ومنذ مطلع ربيع عام 2013 أخطرت كل وكالات المخابرات واشنطن بأن انقلابا قيد الإعداد في مصر “لكن أحداً في البنتاغون أو في وزارة الخارجية لم يطالب عبد الفتاح السيسي بالتوقف ولا شرح لمرسي أن موقف السيسي قد تحوّل ضده” (والغريب في الأمر أن مرسي ظل حتى النهاية يضع كامل ثقته في وزير دفاعه السيسي).
وفي 3 يوليو/تموز 2013 كان السيسي قد حزم أمره وأقدم على الانقلاب ووضع مرسي تحت الحراسة. من هنا بدا التذبذب الأميركي جليا، حيث دعا أوباما لاجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي وفاجأ مستشاريه برفضه وصف تحرك السيسي بـ”انقلاب”.
ولم تتحرك الإدارة الأميركية إلا بعد مجزرة رابعة التي سقط فيها أكثر من ألف قتيل ضحية من المدنيين في أغسطس/آب 2013. وجاء الرد الأولي بتأجيل المناورات العسكرية المشتركة الأميركية المصرية وبعد ذلك في شهر أكتوبر/تشرين الأول بتعليق المساعدة العسكرية الأميركية بمبلغ 1.3 مليار دولار. ولكن الرد جاء متأخراً وبعد فوات الأوان، ولا سيما أن قوى كبيرة في واشنطن باتت تعبر عن معارضتها لهذا التوجه بوقف المساعدة.
ويخرج قارئ الكتاب بشكل عام بانطباع سلبي عن الرئيس أوباما بوصفه شخصا ضعيف الإرادة، غير قادر على فرض خياراته على إدارته، لا تمثل بالنسبة له قضية الديمقراطية بعدا أساسياً في سياسة الولايات المتحدة الخارجية.
المصدر : الصحافة الفرنسية