د. سليم محمد الزعنون*
يأتي إعلان الرئيسان بوتين وأردوغان عن اتفاق “سوتشي” حول إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب، بعد استعدادت دمشق وموسكو وطهران خلال الفترة الأخيرة لشن هجوم واسع على إدلب، ويُعتبر ذلك تغييراً في موقف موسكو خلال قمة طهران القائم على رفض مقترح أردوغان لابرام هدنة في إدلب، ويأتي هذه التغيير نتيجة قراءة روسية جديدة حول المشهد السوري دفعتها لإعادة حساباتها وتقديم طرحاً مغايراً، هذه القرأة قائمة على ثلاثة أركان رئيسة:
- رغبة موسكو في عدم انهيار اتفاق “أستانا” الذي يعتبر بديلاً عن مفاوضات جنيف، خاصة في ضوء الموقف الذي تقدمت به الدول الخمسة (أمريكا والسعودية والأردن وفرنسا وبريطانيا) للحل في سوريا وفقاً لمسار جنيف، واللقاء الرباعي الذي عُقد في أنقرة بمشاركة فرنسا وألمانيا وروسيا.
- الحفاظ على العلاقة مع تركيا على الأقل في الوقت الراهن، حيث أن حملة عسكرية تؤدي لا محالة للاحتكاك مع القوات التركية المتواجدة في إدلب من خلال 12 موقعاً عسكرياً.
- تجنب الاصطدام مع القوات الأمريكية المتواجدة شرقي نهر الفرات في إطار تحالف مع قوات كردية وعربية، وفي قاعدة قرب الحدود مع الأردن والعراق.
المكاسب التركية.
تمكنت أنقرة من النجاح في إبعاد عملية عسكرية محتملة على إدلب، لها انعكاساتها السلبية عليها، فقد نجحت في انهاء خطر تدفق موجة جديدة من اللاجئين إلى أراضيها، وبالتالي الحفاظ على الاتفاق الموقع مع الاتحاد الأوروبي في عام 2016 لمنع الهجرة إلى أوروبا، كما انها تمكنت من انهاء خطر التهديدات الأمنية المحتملة نتيجة عملية عسكرية، تؤدي لا محالة لاحتكاك قوات النظام السوري وحلفائه مع القوات التركية المنشرة في 12 نقطة مراقبة في إدلب، في ذات السياق وضعت الأرضية وتهيئة البيئة لمنع قيام منطقة كردية مستقلة على الحدود الشمالية لسوريا والجنوبية لتركيا.
المكاسب الروسية.
نجحت موسكو في تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية دون الدخول في عملية عسكرية دامية، لها تبعاتها على المستوى الدولي، والانساني، إلى جانب ذلك فإن المنطقة العازلة في حال تطبيقها ستكفل إبعاد تهديد الطائرات بدون طيار عن قاعدة حميميم، التي عانت منها خلال الفترة الأخيرة، وكذلك ضمان الاستقرار للنظام السوري، فالمنطقة العازلة تقلص إن لم تكن تمنع شن هجمات على قوات النظام السوري في حمض وحماه واللاذقية، وفي ذات السياق نقلت ملف التنظيمات المتطرفة بكل تعقيداته إلى تركيا، ووضعها أمام مهمة صعبة لتفكيكها وسحب أسلحتها الثقيلة.
تحديات تنفيذ الاتفاق.
- كيفية التمييز بين التنظيمات المتطرفة والمعتدلة، هذه معضلة لم تتمكن تركيا من حلها حتى الآن، لإن محاولة الفصل بينها والقضاء على التظيمات المتطرفة أمر بالغ الصعوبة.
- تواجه تركيا مهمة صعبة للغاية في كيفية السيطرة وتفكيك هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” والتنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة (جيش البادية، وجيش الملاحم، والحزب التركماني الإسلامي) وكذلك تنظيم “داعش”.
- تعتبر إدلب الملاذ الأخير للتنظيمات المتطرفة في سوريا، نظراً لذلك من المتوقع أن ترفض هذه التنظيمات اتفاقاً ينص على حجبها وتفكيكها أمام النظام، وبالتالي امكانية تنفيذها لعمليات ضد القوات الروسية التركية واردة جداً.
الاتفاق لا يعني تجنب إدلب الخيار العسكري بالمطلق، فقد تجد الأطراف نفسها مجبرة على القيام بعملية عسكرية لتطبيق عملية نزع السلاح في المنطقة العازلة من التنظيمات المتطرفة، نظراً لذلك الاتفاق لن يسهم سوى في استقرار الوضع في إدلب لبضعة شهور.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية