الصورة المعبرة عن تجليات القوة: ترمب وروحاني

الصورة المعبرة عن تجليات القوة: ترمب وروحاني

في كل عام وتحديدًا في شهر أيلول/سبتمبر تجتمع دول الأعضاء في الأمم المتحدة في قاعة الجمعية العامة بنيويورك وتستمر هذه الإجتماعات ثلاثة أشهر. تناقش فيها القضايا والمسائل التي تدخل في اختصاص الأمم المتحدة، وتعتمد الميزانية، وتُحدد حصص الدول الأعضاء، وينتخب الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن. ويحضر هذه المناقشات كثير من رؤساء وملوك وأمراء العالم، ويلقون فيها كلماتهم.وفق النظام الداخلي للجمعية العامة للأم المتحدة أعضاؤها من الدول متساوون ولكل منها صوت واحد، هذا على المستوى القانوني.

أما على المستوى السياسي فالأمر مختلف تمامًا وهذا ما يمكن ملاحظته في أثناء إلقاء الحكام خطاباتهم السياسية. فالخطاب السياسي الذي يلقى من قبل الرؤساء يمثل اختبار حقيقي لقوة الدولة وحضورها السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني على مستوى الجماعة الدولية برمتها. ويمكن ملاحظة هذه القوة وضعفها في الخطاب كل من دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وحسن روحاني رئيس جمهورية إيران.

فبعيدًا عن خطاب ترمب الإستعراضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن انجازاته الداخلية، وبعيدًا أيضًا عن استعراض روحاني  عن عزلة واشنطن وضرورة التزامها القانون وخروجها من الشرق الأوسط، فمن يتأمل عدد الحضور المتواجدين في أثناء ألقاء كل رئيس كلمته، ستجد معظم ممثلي الدول إن لم يكن كلهم متواجدينفي أثناء كلمة الرئيس الأمريكي ترمب. بينما لم يرق لكثير من ممثلي الدول في الجمعية العامة للامم المتحدة الاستماع الى خطاب روحاني وفضلوا مغادرة قاعة الجمعية العامة. والدليل على ذلك صورتي التي التقطت للرئيسين في أثناء خطابهما، فالعم اليوم يعيش “عصر الصورة” فما بالك إذا كانت “صورة تلفزيونية” فالصورة تذهب مباشرة إلى العقل، فتنطبع في لحظة المشاهدة، وتمارس دورها في اللحظة ذاتها، ويستمر هذا الدور تبعا لموقف المرء من الحوادث والوقائع.

 

فهذا حجم إيران الحقيق والولايات المتحدة الامريكية على ذلك المستوى الدولي، فالعلاقات الدولية منذ فجر التاريخ وإلى يومنا هذا قائمة على حسابات القوة بمختلف أشكالها. فالصورة توحي بأن إدارة ترمب كسبت معركتها السياسة ضد طهران في قاعة الجمعية العامة للأمم الأمم المتحدة. وهذا تعبير جلي للقوة الدبلوماسية الأمريكية. وهذه القوة قد تتعزز على المستوى الاقتصادي، فعلى الساسة في طهران أن يدركوا بشكل عميق أنه بمجرد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي بدأت مرحلة تراجع سعر صرف العملة الإيرانية مقابل الدولار الأمريكي. فكيف سيكون الوضع الإقتصادي الإيراني مع العقوبات القادمة. ففي الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر ستدخل الحزمة الثانية للعقوبات الأمريكية على إيران وإذا استطاعت إدارة ترمب أن تمنع طهران من بيع نفطها في الأسواق العالمية، فالمرء في هذه الحالة أمام قوة لا يستهان بها، الأمر الذي يتطلب من طهران أن تراجع حساباتها.

من المفيد الإشارة ما تم توضيحه آنفًا ليس إعجابًا بالقوة الأمريكية أو بإدارة ترامب، لكن العلاقات الدولية تستند على مجموعة عوامل سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية تجعل من هذه الدولة أو تلك تتعامل مع غيرها من الدول من باب فائض القوة أو غرورها. وإذا ظنت طهران أنها ممكن أن تعرقل تلك القوة  أو تشتبك معها عن طريق مليشياتها المنتشرة في بعض الدول العربية تكون في هذه الحالة مخطئة، فهي لن تكرر تجربة الفيتنام كما أنها لن تكرر تجربة العراق باحتلال المحافظات للوصول إلى بغداد. فواشنطن لا تنجر إلى هذه أو تلك، وإذا اضطرت إلى حرب معها فهدفها سيكون العمق الإيراني، تشير التجربة التاريخية المعاصرة متى سقطت العاصمة السياسية للدولة سقط نظامها السياسي.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية