قيادي في حركة النهضة يدعو الشاهد إلى الزج بالجيش لوأد الاحتجاجات

قيادي في حركة النهضة يدعو الشاهد إلى الزج بالجيش لوأد الاحتجاجات

التصريحات المستفزة لرئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني، بشأن الاحتقان الاجتماعي الذي فجّره انتحار مصور صحافي حرقا، تعيد إلى الأذهان فترة حكم الترويكا بقيادة الحركة التي كانت قياداتها تتوعّد المحتجين.

تونس – كشفت ردود فعل البعض من قيادات حركة النهضة الإسلامية، إزاء الحراك الاجتماعي المُتصاعد في عدد من مدن البلاد، رفضا للتهميش، وللمطالبة بالتنمية وفرص العمل، والحد من الغلاء الفاحش للأسعار، عن الطبيعة العدوانية لهذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.

وعرّت تلك الردود التي تتالت على وقع ارتفاع منسوب الاحتقان الذي تحول إلى احتجاجات شعبية شبيهة بتلك التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011، النوايا المُبيّتة لهذه الحركة التي كثيرا ما حذرت منها مختلف الأوساط السياسية وسط هواجس ومخاوف من تبعاتها على السلم الاجتماعي في البلاد.

ولم تعد النوايا المُبيتة وحدها التي تقف خلف تلك الهواجس التي تُثيرها ممارسات حركة النهضة الإسلامية، وإنما أضيف إليها خطاب سياسي وإعلامي بلغة جديدة تخللتها مُفردات تُفصح عن “عدوانية” غير مسبوقة، أعادت المشهد العام إلى الصورة التي عرفتها البلاد خلال فترة حكم الترويكا.

وعكست تصريحات عبدالكريم الهاروني، رئيس مجلس شورى حركة النهضة، تلك “النوايا المُبيتة” التي زادت في حجم المخاوف، لا سيما وأنها لم تخل من مفردات الوعيد التي جاءت لترسم الوجه الآخر من المشهد، وتدفع به نحو سياقات سياسية تُحاول الحركة ترسيخ عناصرها على مقاس دورها وحجم حضورها في علاقة بالاستحقاقات الانتخابية القادمة.

ودعا الهاروني في تصريحات إذاعية بثتها الأربعاء، الإذاعة الوطنية التونسية، رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى “استعمال كل صلاحياته، وكل الإمكانات الأمنية والعسكرية للضرب بقوة على كل المجرمين بكل أصنافهم لحماية تونس”، وذلك في إشارة إلى الاحتجاجات والدعوات إلى النزول إلى الشارع الصادرة عن أحزاب وجمعيات وناشطين.

وقال إن “من يُمنّي نفسه بيناير ساخن واهم”، معتبرا في نفس الوقت أن المُصور التلفزيوني التونسي عبدالرزاق الزرقي، الذي انتحر الاثنين الماضي، حرقا احتجاجا على تردي أوضاعه الاجتماعية، وعلى استمرار تهميش مدينته القصرين، “لم ينتحر، ولم يحرق نفسه”.

واتهم في هذا السياق أطرافا لم يذكرها بالاسم، حيث اكتفى بوصفها بـ”أعداء الثورة”، بأنها “تريد أن تحرق القصرين وشبابها”، وذلك في رد مباشر على الدعوات الحزبية، والجمعياتية والشبابية، إلى توحيد الجهود من أجل المشاركة في الحراك الاجتماعي الراهن وصولا إلى إسقاط الحكومة الحالية التي تُوصف بأنها “حكومة حركة النهضة الإسلامية”.

وأثارت تصريحات الهاروني، وخاصة منها دعوته إلى الزج بالجيش لقمع الاحتجاجات الشعبية، وما رافقها من مواقف مُلتوية ومُواربة لبعض السياسيين والحزبيين المُقربين من حركة النهضة، ومن الدوائر المُقربة من رئيس الحكومة، ردود فعل غاضبة، باعتبارها ليست معزولة عن السياق السياسي الراهن الذي يلفه الكثير من الغموض.

واعتبر عبدالعزيز القطي، القيادي في حركة نداء تونس، أن تصريحات الهاروني تؤكد أن “إخوان تونس، دخلوا بعد تجاوز مرحلة التمكين، في مرحلة التكشير عن الأنياب، ما يعني أن القادم سيكون أفظع من الوضع الراهن الذي مازال يكتنفه الغموض والالتباس”.

وقال لـ”العرب”، إن تلك التصريحات “تكشف زيف الإدعاءات، والنوايا العدوانية لهذه الحركة التي لم تخرج عن سياق ممارسات جماعة الإخوان المسلمين، كلما اقتربت التحركات الاجتماعية من دائرة تهديد مصالحها، أو أجنداتها الخاصة التي لا علاقة لها بالوطن”.

وحذّر من أن تلك التصريحات تفتح المجال أمام جملة من الاحتمالات والسيناريوهات التي قد تعيد الأمور إلى المربع الأول من التوتر والاحتقان، باعتبار أن حركة النهضة “لم تتوقف عن محاولة فرض شروطها القسرية على المُجتمع التونسي”، خاصة بعد أن “وجدت من يُنفذ مآربها بالوكالة”، وذلك في إشارة مباشرة إلى الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد.

وقبل ذلك، تتالى سيل ردود الفعل الرافضة لتلك التصريحات والمُحذرة من أبعادها، حيث لم يتردد محسن النابتي عضو المكتب السياسي لحزب التيار الشعبي، في وصف دعوة الهاروني إلى رئيس الحكومة باستعمال الأمن والجيش لسحق المحتجين، بأنها “دعوة صريحة لحمام دم، وصوملة لتونس”.

وقال في تصريحات صحافية محلية الخميس، “إن هذه الدعوة هي استئناف للمهمة التي نادت بها حركة النهضة عبر القيادي الصحبي عتيق في العام 2013، عندما دعا إلى سحل كل من يحتج ضد ما سماه حينها بالشرعية”، وذلك في إشارة إلى حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية.

واعتبر أن خطاب الهاروني “خطير ويؤكد وفاء حركة النهضة لنهج كل الجماعات الإسلاموية في العنف والفاشية وتخريب الدول”، لافتا في المقابل إلى أن حركة النهضة التي تُدرك بأن خروجها من الحكم بات وشيكا، تُريد توريط يوسف الشاهد “لتنفيذ المهمة القصوى، وهي فرض الأمر الواقع على الشعب التونسي بالقوة القاهرة وجعل تونس تغرق في دمها أو تستسلم للظلام”.

وكانت تصريحات الهاروني قد أثارت موجة من الغضب على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي التي غصت بالتدوينات التي تُحذر من انعكاساتها، رغم إجماع مختلف الأطراف على أن مُخططات حركة النهضة وأجنداتها ستصطدم بالوقائع على الأرض، لأن حراك الشارع يعكس إرادة الشعب الذي ستكون الكلمة الفصل له في نهاية المطاف.

العرب