بخطوات سريعة وغير متوقعة، بدأ موسم التطبيع الرسمي العربي مع النظام السوري، رغم أن وقائع الحرب على الأرض لا تزال تلاحقه في كل أزقة العالم مع اللاجئين السوريين، أو من خلال شواهد القبور في سوريا، إذ سجل منذ بداية الأزمة السورية ولادة مليون طفل خلال ثماني سنوات في دول الجوار السوري، وبلغ إجمالي النازحين واللاجئين أكثر من 11 مليونا.
التطبيع العربي غير المعلن داخل غرف الساسة لم يكشف بعد، إلا أن أنظمة عربية عديدة بدأت التقرب من رئيس النظام بشار الأسد، دون مقدمات وبشكل مفاجئ، فالأسد الذي يعاني من عزلة وعقوبات دولية، قد يدخل نظامه مرحلة إعادة تأهيل عام 2019، بمساندة من أنظمة عربية، ساهمت بشكل مباشر في محاربته من خلال دعم المعارضة.
موسم حج الأنظمة لدمشق
التطبيع مع النظام بدأ بأولى المفاجآت، المتمثلة بزيارة قصيرة للرئيس السوداني عمر البشير، الذي صرح عام 2016، بأن “الأسد لن يرحل وإنما سيقتل”، لكنه كان أول رئيس عربي يزور النظام السوري، منذ اندلاع الأزمة السورية، متعهدا بإعادة النظام السوري إلى “الحضن العربي”، دون الإشارة إلى كيفية عودته.
زيارة البشير تبعتها خطوة أخرى، حيث أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، في حين تسعى لاستئناف رحلات شركات الطيران الوطنية إلى سوريا، يأتي ذلك “من باب الحرص على عودة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي”. متناسية دورها بدعم المعارضة السورية المسلحة لإسقاط الأسد.
في حين أكدت البحرين أن العلاقات لم تنقطع وستستمر. مؤكدة “ضرورة الحفاظ على استقلال سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، ومنع مخاطر التدخلات الإقليمية في شؤونها الداخلية”.
وشهدت نيويورك في سبتمبر/أيلول 2018، على هامش اجتماعات الدورة العادية للأمم المتحدة لقاء خاطفا بين وزيري الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، والسوري وليد المعلم، ونوه الوزير البحريني إلى كونه ليس الاجتماع الأول منذ اندلاع الأزمة السورية.
ولحقت المملكة الأردنية بالدول العربية الأخرى، فبدأ الغزل الأردني من القصر مباشرة، إذ قال الملك الأردني عبد الله الثاني خلال لقاء مع مجموعة من الصحفيين الأردنيين، إن “علاقاتنا ستعود مع سوريا كما كانت من قبل، نتمنى لسوريا كل الخير إن شاء الله”، معبرا عن أمنياته بتحسن الأوضاع فيها.
لم يتأخر الرد السوري على التقارب الأردني إذ جاء سريعا، حيث دعا القائم بأعمال السفارة السورية في عمان، أيمن علوش، المملكة إلى رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما، واستكمال الأردن طاقم سفارته في دمشق. بعد أن توترت العلاقات الدبلوماسية بعد اندلاع الثورة عام 2011.
وتؤكد مصادر دبلوماسية للجزيرة نت رفع التمثيل الدبلوماسي بين دمشق وعمّان خلال الفترة المقبلة، ضمن ما أسمته “عودة العلاقات إلى طبيعتها”.
وكان النظام المصري الأعمق بخطواته نحو التطبيع مع الأسد، فقد أعلن رسميا زيارة المسؤول الأمني السوري اللواء علي مملوك للقاهرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدعوة مصرية، ولقاء مدير المخابرات المصرية عباس كامل، رغم أن زيارات مملوك السابقة للقاهرة كانت غير معلنة.
إلى جانب الإعلان عن قيام وفد مخابراتي مصري بجهود وساطة بين الحكومة السورية وأكراد سوريا، لوقف التصعيد العسكري بمنطقة شرق سوريا.
تأهيل الأسد
بعد خطوات أنظمة عربية، يرى مراقبون للمشهد السوري أن عام 2019 سيحمل في طياته تأهيلا للنظام السوري ضمن دائرة عربية أوسع.
ويرى المحلل السياسي حسن البراري أن العام المقبل سيخلو من خطوات التأهيل للنظام، كالاعتراف به أو تبادل الزيارات معه، أو حتى قبول الرواية السورية لجزء كبير من الأحداث، لكن قد تلجأ الأطراف العربية إلى التعامل مع النظام السوري بالحد الأدنى، دون إقامة علاقات دبلوماسية كاملة على مستوى القيادة والقمة.
ويضيف البراري للجزيرة نت أنه غير مطروح قيام رئيس وزراء سوريا بزيارة الدول العربية، أو حتى قيام الأسد بزيارة الدول الأخرى، لكن الدول العربية التي قبلت أن تتواصل معه تؤمن ذهنيا بأن العملية السياسية ستنتهي بإبقاء الأسد.
العودة للبيت العربي
الأنظمة العربية التي بدأت موسم حجها نحو دمشق، ليس لديها ما يمنع إعادة العلاقات مع الأسد، وقبول رفع تجميد عضوية سوريا بالجامعة العربية.
ويتوقع مراقبون أن يعود النظام من بوابة الجامعة، بعد تجميد العضوية عام 2011، نتيجة القمع الذي مارسه النظام السوري ضد المتظاهرين خلال الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاطه.
بيد أن الأمين العام المساعد للجامعة حسام زكي صرح مؤخرا بأنه “حتى الآن لا توجد مؤشرات على أن هناك تغييرا في موقف الجامعة من مسألة عضوية سوريا”، لافتا إلى أن المعطيات لا توحي بذلك.
وكشف سفير بريطانيا السابق لدى سوريا، بيتر فورد، استعداد جميع الدول العربية لقبول عودة سوريا إلى الجامعة، باستثناء دولة واحدة.
من جهته، يشير الكاتب والمحلل السياسي عامر السبايلة إلى وضوح الإمارات من حيث الخطوات القادمة، في حين أن البحرين بدأت بإظهار الإشارات منذ شهور، “نتحدث عن خطوات إجرائية، وننتقل لفكرة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية وهذا يفسر فكرة عدم وجود أي “فيتو” من قبل هذه الدول على وجود سوريا في الجامعة العربية، ومن ثم استثماره بالقمة القادمة، وفتح قنوات اتصال مُباشر”.
ويصف السبايلة للجزيرة نت المعسكرات الحالية بالوطن العربي، إذ يقول “لدينا معسكر الإمارات مصر السعودية، ومعسكر قطر وتركيا وإيران، لتصبح القضية السورية في المنتصف بين هذين الطرفين، ذات بعد مختلف، بينما الدارس للأزمة السورية في بداياتها، سيلاحظ أن السعودية كانت أقرب إلى تركيا، غير أنهما في الوقت الحاضر، في حالة عداء غير معلن.
ويرجح المحلل السياسي تشكل واقع جديد، تصبح فيه سوريا جزءا من صراع سياسي، وبالتالي تتغير المواقف وفقا للأمر الواقع، رافضا وصف العلاقات مع النظام السوري بـ”التطبيع”، معتبرا أن استخدامها مشبوه، خاصة أن الأسد لم يتغير، كان هناك حرب تُخاض على سوريا.
ومن الجانب الآخر، أكدت مصادر دبلوماسية عربية للجزيرة نت أن عام 2019 سيشهد تحولا عربيا إذ ستكون السياسة القادمة أقرب للنظام السوري من خلال فتح السفارات. ونوهت المصادر إلى مسارعة النظام لقبول الخطوات العربية المكثفة، بغض النظر عن مواقف تلك الدول خلال السنوات الماضية.
معوقات التأهيل
رئيس الائتلاف السوري عبد الرحمن مصطفى، بيّن للجزيرة نت أن لا شيء يمكنه إعادة تأهيل “نظام مجرم” مسؤول عن ملايين الضحايا والمعتقلين والمهجرين، “ارتكب المجازر باستخدام الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة ونشر الإرهاب في البلاد والمنطقة”.
ويشدد رئيس الائتلاف على أن الأطراف التي تعيد علاقتها معه تضع نفسها في موقف الدفاع عن المجرمين والقتلة، ويوضح “لا نعتقد أن قرارات إعادة العلاقات مع النظام خضعت لما فيه الكفاية من البحث والتمحيص، بل نرجح أنها نتيجة عن تداخل ملفات عدة وسوء تقدير مؤقت. الخسائر التي تترتب على مثل هذه الخطوة كبيرة، والأطراف التي تقع في هذا الخطأ ستخسر”.
المعارض السوري عبدالرحمن عبّارة يتوقع أنه من المستبعد على المدى المنظور أن يكون 2019 عاما، لإعادة تعويم الأسد، خصوصا في الدول الغربية، فثمّة قضايا سياسية وإنسانية وحقوقية كثيرة ستبقى عالقة لعقود قادمة، ولن يتمكن الأسد من تجاوزها غربيا، أما عربيا فكل شيء وارد, واحتمالات إعادة تأهيل الأسد على مستوى معظم الحكومات العربية أصبحت أكثر واقعية من ذي قبل.
ويقول عبّارة إن بعض الدول العربية والإقليمية التي أعادت أو تنوي إعادة علاقاتها السياسية مع النظام السوري لم تكن بالأصل في حالة حرب مع النظام السوري أو “الدولة السورية” بحسب القانون الدولي، وانتهاء أو تخفيف الأزمات السياسية بين الدول وإعادة العلاقات لسابق عهدها أمر وارد، ولكل دولة أجندتها وقراءتها الخاصة تتعلق بما آلت إليه الأمور السياسية والميدانية في سورية.
الجزيرة