من يخضع للآخر السياسة ام الاقتصاد ” أمريكا والعراق انموذجا “

من يخضع للآخر السياسة ام الاقتصاد ” أمريكا والعراق انموذجا “

الباحثة شذى خليل

العلاقة بين الاقتصاد والسياسة ,وثيقة فهما محركان لبعضهما ، فالاطماع والتنافس من اجل البقاء والقوة هي محور صراعات التي تحدث في الكون، وحين تبحث في الاسباب المباشرة أو غير المباشرة لمعظم الحروب والنزاعات ، تجدها اقتصادية .
فلو رجعنا الى التاريخ القريب ؛ فالحربان العالميتان الأولى والثانية والحرب الباردة وآلاف الحروب الصغيرة التي نشبت وما زالت تنشب هنا وهناك سببها الاول هو الاقتصاد .

تعد الولايات المتحدة الامريكية صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم، سياسيًّا فإنها أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الأهم في الأمم المتحدة ومشكل قراراتها الرئيسية، وهي أهم عضو مؤسس في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتستخدمه في فرض سيطرتها البحرية على عدد من أهم مناطق النزاع في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، لكن الجانب الأهم لتوغلها ليس قدرتها على خلق التحالفات والتفاهمات السياسية بالترغيب أو الضغط، وإنما توغلها في ميزانيات الدول المعنية بالعلاقات الاقتصادية المتشابكة أو المساعدات الحكومية أو المنظمات المدنية .

هذا الشكل من النفوذ الثلاثي يعطيها مرونة كبيرة في الحركة والضغط على أنظمة الدول للتصرف بحسب مصلحتها الراسخة، أو استخدام أوراق دول للضغط على دول أخرى، بالطبع هي ليست بتلك القوة الخرافية وتواجه صعوبات في سياستها الخارجية وتحديات صينية وروسية ولاتينية في بعض الأحيان، لكنها تحديات يمكن السيطرة عليها بأقل قدر من الأضرار التي تتناسب عكسيًّا مع هذا النوع من الهيمنة وتقل بشكل مريح لأي إدارة أمريكية ديموقراطية أو يمينية محافظة.

ولأنها تمتلك أعلى ناتج محلي بقيمة 19 تريليون دولار ولأنها أكبر سوق استهلاكي عالمي ، وهذا الموقع المتقدم أعطى الرئيس الأمريكي مساحات واسعة للمناورة والقدرة على شن حروب تجارية مع الصين وأوروبا ، وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا وتركيا و إيران، ليس ذلك فحسب بل إجبار العالم بأسره على الخضوع لقراراته وان كانت غير مقبولة .

العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، لا يمكن الفصل بينهما فالعلاقة قوية بين الاثنين وركن أساسي في عمل ومبادئ أي دولة بأهداف محددة، بحيث إن أي تصرف خاطئ يؤتي بكارثة اذ ان البلدان تضع الهدف الاقتصادي هدفاً أساسياً لتجعل السياسة في خدمته، وقد اتبعت دول أوروبية وآسيوية هذا النهج لخدمة الاقتصاد والسياسة في الوقت نفسه .

ورغم التقدم في الفكر السياسي : وتطوره إلا أن بعض دول العالم دفعت تكاليف باهظة مادياً وبشرياً وجعلتها تعيد النظر بسياساتها الخاطئة التي كبدتها الخسائر، وأدت بها إلى انهيار مالي واقتصادي، وفي نفس الوقت من حق أي دولة الدفاع عن مصالحها وبناء علاقات اقتصادية مميزة، بحيث تكون وسيلة نجاح، لا تتغلب السياسة على الاقتصاد أو العكس، لأنه لا يمكن للاقتصاد أن يتحرر أو يتطور دون الوصول إلى نمو اقتصادي في ظل سياسات متخبطة.

الفكر الاقتصادي وهو جزء من علم الاقتصاد الذي يدرس التطورات الحاصلة في الاقتصاد خاصة النظريّة الاقتصاديّة بقسميها الكلي والجزئي، بالإضافة إلى الأفكار التي قدمها العلماء الاقتصاديون عبر الزمن مثل: آدم سميث، وابن خلدون، وماركس، وريكاردو، وكينز وغيرهم، كما يتعامل الفكر الاقتصادي مع المفكرين، والنظريات المتعلقة بعلم الاقتصاد والذي يُعرف بالاقتصاد السياسي منذ القدم حتى الآن، والذي يتضمن الكثير من مدارس الفكر الاقتصادي المختلفة.
يعتبر الفيلسوف آدم سميث أب الإقتصاد الحديث؛ والمعروف بكتابه بثروة الأمم 1776 ميلادي، حيث ظهر في بدايات الثورة الصناعيّة، بالإقتران مع تغيرات عديدة في الاقتصاد وسنشرح تفاصيل نظرية ادم سمث في مقال لاحق وتأثيرها على اقتصاديات العالم .
ان العلاقة بين السياسة والاقتصاد ؛ مرهونة بشكل النظام السياسي فهناك أنظمة لا يمكن للاقتصاد فيها أن يتحرر ويصل الى التنمية الاقتصادية للبلد ، فالنمو الاقتصادي يتطلب سياسات واضحة وثابتة ومدروسة حتى يستطيع أن يستمد منها الاقتصاد مقومات نموه سواء من الداخل أو من الخارج والسياسات تحتاج الى مرونة التعامل والحكمة السياسية التي تجنب البلاد أزمات هو بغنى عنها أي يمكن تداركها بالإدراك السياسي الحكيم .

بلا شك أن الاقتصاد يعتبر مرآة عاكسة للسياسة أو لشكل النظام فكل تطور اقتصادي يشهده أي بلد لا بد وأن ينعكس لاحقاً على نظامه السياسي. فإذاً التطور الاقتصادي يتطلب نظاماً ديمقراطياً مرنا قابل للمرونة والتعامل مع الازمات أي المرونة السياسية .

ففي الأنظمة الرأسمالية، الاقتصاد يدير السياسة، حيث العلاقة متشابكة مثيرة للاهتمام، فعندما تعصف مشاكل سياسية في بلد ما سيكون التأثير الأول الأكبر وبشكل واضح في الأداء الاقتصادي لهذا البلد. فعلم الاقتصاد السياسي أصعب من غيره، وهناك اختلاف في وجهات النظر بين الاقتصاديين حول هذا التعريف، ويظهر هذا التناقض عندما يتم اتخاذ القرارات المهمة، ولما لذلك من انعكاسات، مثلاً فإن العجز السياسي في اليونان كان سبباً في تفاقم المشاكل الاقتصادية، وفي إيطاليا حيث استطاع رئيس وزراء إيطاليا في عام 2012 إبعاد شبح الاضطرابات المالية ببراعته السياسية.

أي بلد مستقراً سياسياً، ساعد ذلك على زيادة النمو الاقتصادي، فعنصر الأمن والأمان في أي بلد هو حجر الزاوية في تفعيل الوضع الاقتصادي وجلب الاستثمارات، فإذا أخذنا قطاع السياحة على سبيل المثال لدولة تعد السياحة مصدراً أساسياً للدخل القومي والعملة الصعبة إذا تعرضت هذه الدولة لعدم استقرار نتيجة أحداث سياسية معينة، فسيتأثر قطاع السياحة مباشرة جراء عدم وجود الأمن للسائحين وتعرض الأمن للانحدار.
ونلاحظ في بعض الأحيان كيف يقع المحللون بحيرة عندما يقيّمون الوضع الاقتصادي لفترة قادمة بناء على معطيات سياسية غير واضحة.

الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً، لا أحد يعلم كيف ستكون، وما التغيرات والأوراق السياسية التي سيلعب بها والتي ستكون حتماً متلازمة مع الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة، علماً أن تصريحات الرئيس ترامب رجل الأعمال تصب في أغلبيتها على وتر الملعب القادم منه، وهو الاقتصاد.

كوريا الجنوبية تتعرض حالياً لعقوبات اقتصادية من الصين، مما عرّض اقتصادها إلى أضرار كبيرة بسبب معاداتها لكوريا الشمالية حليفة الصين، ونشر نظام صواريخ أمريكية لمواجهة أي هجمات تقوم بها كوريا الشمالية، وقد أغلقت الصين فروعاً لشركات كورية تجارية كبرى، وهذا تدمير اقتصادي بسبب مواقف سياسية.

اما في البلدان النامية
الامر مختلف السياسة التي لا تكون وراءها الأموال سوف لن تقوم بدورها؛ هنا المال السياسي له دوره سلبي حيث يقوم أصحاب السياسة المتحكمون بالاقتصاد وبشراء الذمم مما تنحرف السياسة والاقتصاد معا هنا تظهر فجوة الفساد التي تضعف السياسة ويتأكل الاقتصاد ، على سبيل المثال كما حدث في سوريا المتمثلة بكثرة التشكيلات العسكرية المتنافسة والتابعة للأفكار السياسية للتنظيمات المتعددة والتي يقوم كل طرف سياسي التحرك بموجب الارتباط بالعلاقة مع الجهة الممولة مادياً فيصبح في الكيان الواحد أجساماً عديدة وغريبة تعمل لصالح الممول بحيث (أي الجهة التي تقدم المال) .

وتلك الدول ” العالم الثالث ” تقع في فخ المديونية الخارجية ويبلغ حجمها مستويات حرجة، ستؤثر بالطبع في الوضع السياسي، بالإضافة إلى الوضع الاجتماعي، وبعض أسبابها ناتج عن سوء إدارة وتفشي الفساد.

” العراق ” الفساد يضعف السياسة وياكل الاقتصاد
يعاني العراق من غياب الشخصيات الاقتصادية في القرار السياسي ، وان وجدت تحارب وتقيد حركتها فهي مقتصرة على التعليم الاكاديمي فلم يكن أمام الاقتصادي اتخاذ القرار الاقتصادية في معالجات الازمات الاقتصادية من تضخم وبطالة وركود …. الخ من أزمات ، بل السياسة والسياسيين هم من يضعوا القرار، اما الاقتصاديين يذهبون لترويج قرارات الحكومة ومحاولة تسويقها اقتصاديا أيا كانت تلك القرارات مما قاد لفقدان ثقة المجتمع بالخطاب الاقتصادي واستقلاليته وموضوعيه .

ولم يكن للاقتصاد في ثقافة كل من حكم البلاد ، وحتى بعد الأزمة المالية والاقتصادية التي هيمنت على العراق، فترى إداراتهم للأزمة تتمثل بإجراءات تملى عليهم من صندوق النقد الدولي، وفي حقيقة الأمر هي ليست أزمة اقتصادية أو مالية أصابت القطاعات الاقتصادية والمالية العراقية، وإنما هي ظاهرة طبيعية في سوق النفط ( تذبذب ارتفاع وانخفاض) فكما شهد سعر النفط ارتفاعا من سعر 25 دولار في سنة 2004 وليصل إلى 148 في سنة 2007 فإن سعر النفط بعد تلك السنة بدأ بالانخفاض واستمر ليصل 25 دولار في بداية سنة 2016، وهذا أمر طبيعي في السوق ولكن أن تربط موازنة دولة بالكامل بتغيرات السوق فهذا الفشل بعينه وهذا ما حصل في العراق.

ويبقى السؤال متى سيكون للسياسة والسياسيين دورا في دعم الاقتصاد العراقي وكيف سيحدث التغيير العظيم والتحديث الكبير في عقلية الساسة العراقيين لكي يجعلوا من الاقتصاد هدفا لهم ولسياساتهم؟ وكيف يمكن للاقتصاد أن يدخل في صناعة قراراتهم، وان يكون الاقتصاد جزءا من ثقافتهم ليس بصيغة الفساد وتحويل المال العام للخاص، وإنما بتطوير العام وتنميته وتحقيق الازدهار والرفاهية للجميع.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية