رغم شهرة مصر بكونها دولة مصدرة للعمالة -حيث قارب عدد المصريين المقيمين بالخارج معظمهم بسبب العمل عشرة ملايين نسمة- فإن سوق العمل في هذا البلد لا يخلو من عمالة غير مصرية معظمها من الصين والسودان وسوريا.
ووصل الأمر إلى أن احتل صينيون وسوريون مناطق بعينها لا يعمل بها سواهم، في بلد يعاني فيه نحو 11% من مواطنيه البطالة حسب بيان للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
فما مدى تأثير هذه الظاهرة على سوق العمل والبطالة بين المصريين؟ وما أسباب انتشارها؟ ولماذا تستعين بعض الشركات بهذه النوعية من العمالة دون نظيرتها المصرية؟
ثلاثة ملايين سوداني
قدرت دراسات غير رسمية عدد السودانيين المقيمين هناك بثلاثة ملايين، ولهم بالقاهرة والجيزة عشرات المقاهي والمطاعم موزعة على وسط القاهرة والمعادي وعين شمس والدقي وأرض اللواء.
ولا يعمل بهذه المحلات سوى السودانيين الذين تزايدت أعدادهم بشكل كبير بعد صدور قانون يسمح لهم بتملك العقارات داخل مصر، ورخص المعيشة وجودة الخدمات التعليمية والصحية مقارنة ببلدهم خاصة مصروفات المدارس وأسعار الوحدات السكنية.
وتعمل أعداد كبيرة من السودانيين باعة متجولين في مناطق حيوية بالقاهرة والجيزة بالذات بيع المنتجات الجلدية والعطارة والأعشاب، ويقاسمون المصريين في مناطق وسط القاهرة خاصة شارع 26 يوليو في بيع هذه المنتجات.
كما شكا عمال مصريون كانوا يعملون بصناعة الرخام في المنطقة الشهيرة بصناعته “شق الثعبان” مما أسموه احتلال الصينيين للمنطقة، وأكدوا أن هؤلاء لا يقبلون سوى الصينيين في العمل، وهو ما ضيق فرصة الحصول على عمل لمواطنين كثر.
ولا يصح -حسب قول العامل المصري عماد صالح- أن يعمل الغرباء بينما يظل أهل البلد دون عمل.
وأضاف المواطن “ألا يكفي أن الصينيين يضيقون الخناق على الباعة المتجولين بمنتجاتهم التي أتوا بها من بلادهم رخيصة جدا، لقد أصبحنا نرى صينيين وسوريين وسودانيين يحتلون شوارع ومناطق كاملة يبيعون فيها كل شيء، وأصبح المصري في تلك المناطق غريبا”.
وطالب سلطات بلاده بضرورة التدخل لإنصاف العمال المواطنين.
الصينيون يكسبون المصريين
ونجح الصينيون منذ سنوات -حسب كلام أصحاب مصانع بمنطقة شق الثعبان- في استئجار أكثر من مئتي مصنع بالمنطقة بإيجارات شهرية كبيرة قد تصل إلى خمسين ألف جنيه (نحو 2800 دولار) مستغلين سعي أصحاب المصانع للبعد عن مشكلات الضرائب والعمالة، والاستفادة من أموال الإيجارات دون تعب يذكر، ويأتون بمعدات حديثة ثم يسرحون العمال المصريين، ويعتمدون على عشرة عمال صينيين فقط بدلا من 150 وربما مئتي عامل مصري.
ويعتبر السوريون أكثر من استطاعوا التغلغل داخل سوق العمل، وأصبحوا رقما مهما في معادلة العمل والاقتصاد في البلاد.
فقد استقبلت مصر منذ ثماني سنوات -طبقا لإحصائيات غير رسمية- ما يزيد على سبعمئة ألف سوري هربوا من الأحداث التي طالت بلادهم منذ عام 2011 بينهم ثلاثون ألف رجل أعمال، حسب تصريحات خلدون الموقع رئيس تجمع رجال الأعمال السوري بمصر.
”
شكا عمال مصريون كانوا يعملون بصناعة الرخام في المنطقة الشهيرة بصناعته “شق الثعبان” مما أسموه احتلال الصينيين للمنطقة
”
استطاع هؤلاء التوغل في حقل الصناعات المتوسطة والصغيرة التي يرى رئيس تجمع رجال الأعمال السوري أنها المساحة الضعيفة في الاقتصاد والصناعة المصرية حيث نجح السوريون في تجاوز مشاكلها الفنية والإدارية.
وأضاف الموقع أن العمالة الماهرة خاصة في صناعة الملابس تساهم في إنتاج أكثر من 120 مليون قطعة ملابس سنويا، وهو ما يساعد في توفير السيولة من النقد الأجنبي التي كانت تنفق على الاستيراد.
ويرى الخبير الاقتصادي مجدي عشماوي ميزة نسبية هائلة في نشاط السوريين تتمثل في اعتمادهم على المهارات والخبرات لديهم دون تحميل مصر أعباء تذكر.
هذه الاستثمارات أزعجت المحامي المصري الشهير سمير صبري فتقدم بمذكرة للنائب العام متسائلا عن خضوع الاستثمارات السورية المقدرة بـ 23 مليار دولار للرقابة على مصادرها، وكيفية إعادة الأرباح أو تصديرها، ومدى خضوعها لقوانين الضرائب المصرية.
وبعيدا عن رجال الأعمال، نجح الشباب السوري في مزاحمة العمالة المصرية في مهن تقليدية كالسباكة والتركيبات الكهربائية وإصلاح الهواتف الجوالة بالإضافة إلى مطاعم الأكلات السورية وصناعة الحلوى، ووجدوا ترحيبا من المصريين بسبب المهارة والسرعة في إنجاز العمل وانخفاض أجورهم.
بينما يؤكد أصحاب محال وشركات يعمل بها سوريون أن العامل السوري يتميز عن نظيره المصري بمزيد من الجدية فضلا عن الرضا بالأجور الأقل.
يقول محمد نايل (صاحب محل هواتف جوالة يسكن في شارع الهرم غربي القاهرة للجزيرة نت) إن شابا سوريا يدعى غسان أتاه منذ سنوات يطلب عملا بالمحل “وحين أخبرته بأني لا أحتاج عمالا فلدي شاب يقف صباحا، وأنا أقف مساء فبادرني بالقول إن لديه خبرة في صيانة الهواتف الجوالة، ويمكن أن يخصص مساحة بسيطة في المحل لهذا الغرض مع تعليق لافتة تخبر الزبائن بوجود قسم صيانة فورية لجميع أنواع الهواتف النقالة”.
كفاءة وسرعة
ولم تمر أشهر قليلة -كما قال نايل للجزيرة نت- حتى أثبت غسان كفاءة، وأمانة كبيرة جعلت من المحل قبلة لكثير من مريدي إصلاح هواتفهم بالمنطقة والمناطق التي حولها، واشتهر اسم المتجر بسبب أمانة غسان في توصيف المشكلة وحلها سريعا دون المبالغة في سعر الصيانة.
كما -يقول صاحب المحل- نجح في خلق دخل لي من الصيانة لم أكن أخطط له بل إن مبيعات المحل من إكسسوارات الهواتف قد زادت بسبب السمعة الطيبة التي اكتسبناها.
غسان بدوره أكد أنه حين جاء للحاج نايل يبحث عن عمل ونجح في إقناعه بالفكرة وبدأ الزبائن يقبلون على المحل “لاحظ اندهاش البعض من الأسعار التي أحددها لصيانة هواتفهم، وثناءهم على السرعة والكفاءة في الإصلاح”.
وأضاف “أعرف أصدقاء سوريين استطاعوا إقناع أصحاب أعمال مصريين بفتح محال للحلوى ومطاعم يتشارك المصريون بالمال والسوريون بالخبرة والفكرة”.
وتابع غسان للجزيرة نت أن سبب تفوق العامل السوري على المصري يتمثل في قلة صبر الأخير، وتعجله المكسب السريع ولو على حساب جودة العمل بالإضافة إلى تراخي المصري وعدم التزامه بالأوقات المحددة للعمل.
وأكد أن ذلك ينطبق على بعض المصريين بالطبع بينما هناك مصريون آخرون جادون جدا وملتزمون في أعمالهم، وهؤلاء تجدهم ناجحين في مجالاتهم.
هدى ربة منزل تقيم بمدينة السادس من أكتوبر -التي تشمل أكبر تجمع للسوريين بمصر- قالت إنها قرأت منشورا لأحد السباكين السوريين على فيسبوك يعلن فيه عن نفسه واستعداده للعمل، وحين تواصلت معه أدهشتها سرعة تلبية طلبها، وإنهاء عمله بسرعة، ومهارة فائقة بل وانخفاض أجره مقارنة بالأجور التي يطلبها نظراؤه المصريون حسب شهادات كثيرة لمواطنين تعاملوا معهم.
المصدر : الجزيرة