ثير الاتفاق الإطاري حول البرامج النووية الإيرانية، الذي وقعته طهران ومجموعة الدول الغربية (5+1) في أبريل 2015 بسويسرا، تساؤلات حول مدى قدرته على منع إيران من امتلاك تكنولوجيا نووية عسكرية، من خلال تقييد قدرة مفاعلاتها على تخصيب اليورانيوم، فضلا عن الخيارات الخليجية المحتملة إزاء التأثيرات المحتملة لهذا الاتفاق.
في هذا الإطار، أصدر مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة في مايو 2015 دراسة بعنوان” الاتفاق الإطاري بشأن البرامج النووية الإيرانية: المضامين، التداعيات، الخيارات الخليجية”، أعدها الدكتور أشرف محمد كشك، مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية بالمركز.
دلالات الاتفاق
تناولت الدراسة عدة محاور، أولها تحليل مضمون الاتفاق المبدئي، عبر تأكيد عدة أمور، منها أنه لا توجد ضمانات بأن إيران لن تتجاوز نسب تخصيب اليورانيوم المقترحة في الاتفاق المتوقع، كما أن معضلة الولايات المتحدة تتمثل في أنها تريد التوصل إلى اتفاق مع إيران، وفي الوقت ذاته تبقي على تحالفاتها التاريخية مع دول مجلس التعاون.
أضف إلى ذلك أنه لا يوجد في الاتفاق ما يحول دون تطوير إيران الطاقة النووية في الأغراض غير السلمية، فضلا عن أن الخبرات التاريخية تشير إلى أن أجهزة الاستخبارات الغربية لم تنجح، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، في معرفة توقيت حصول أي دولة على السلاح النووي.
المحور الثاني للدراسة هو رصد التداعيات المتعددة للاتفاق الإطاري. فعلى صعيد التداعيات الأمنية، فإن من شأن ذلك الاتفاق أن يحافظ على القوة التقليدية لإيران، خاصة في مجال الصواريخ بعيدة المدى التي تمثل التهديد الرئيسي للصادرات النفطية الحالية والمستقبلية، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإن التقارب الأمريكي- الإيراني من شأنه تقويض توازن القوى الإقليمي القائم في منطقة الخليج العربي. ومن جهة ثالثة، فإن عقد الاتفاق في ظل السياسات الإقليمية الراهنة لإيران سيشكل إقراراً من القوى الكبرى بتلك السياسات، بل والسياسات المستقبلية.
على صعيد التداعيات الاقتصادية، أشارت الدراسة إلى أن الاتفاق النووي من شأنه أن يعزز الاقتصاد الإيراني الذي يتوقع أن تُضخ فيه استثمارات مالية تتراوح بين 20و30 مليار دولار، إلا أن معضلة التكنولوجيا ستكون حائلاً أمام تلك الاستثمارات، خاصة في مجال النفط والغاز.
ويتوقف نمو هذا القطاع النفطي على عاملين، الأول: المزايا التي يمكن أن تمنحها إيران لشركات النفط الدولية، والآخر: الشروط التي تعرضها الدول المنتجة المنافسة. وذكرت الدراسة أن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران سوف يتيح لإيران رفع الحظر عن 100 مليار دولار، عائدات نفطية مجمدة في الخارج.
على صعيد العلاقات السياسية، فإن توقيع ذلك الاتفاق يعني تعزيز السياسات الإقليمية التدخلية في شئون دول الجوار. وذكرت الدراسة أنه لا يتوقع أن تقوم إيران بتغيير سياستها بالنظر إلى عاملين، الأول: المتطلبات الدستورية اللازمة لذلك التغيير، خاصة المواد التي تنص على أن “إيران تدعم المستضعفين في الأرض”، أما العامل الآخر، فيتعلق بالأيديولوجية، حيث لوحظ أن السنوات الأخيرة شهدت المزيد من سيطرة رجال الدين المتشددين في إيران على مفاصل الدولة، بما يعني محورية دور هؤلاء ضمن أي تحولات متوقعة في السياسة الخارجية الإيرانية.
معوقات محتملة
في المحور الثالث، أشارت الدراسة إلى أن معوقات تنفيذ الاتفاق تتمثل في مسألتين، الأولى: هي الرؤية الإيرانية لأمن الخليج العربي، والتي ترتكز على منطق الهيمنة والتدخلات في شئون دول الجوار الخليجي، دون التفكير في حل المشكلات المعلقة بين الجانبين، أما الأخيرة، فتتمثل في استمرار حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. وبالتالي، فإن السياسة الأمريكية تنظر إلى التقارب مع إيران كجزء من تهدئة التوتر في تلك المنطقة، حتى لو تطلب ذلك استرضاء طهران.
وحددت الدراسة في محورها الرابع أسس الرؤية الخليجية للاتفاق النووي، والتي تنهض على أمرين، الأول هو أن يكون ذلك الاتفاق تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والآخر: ألا يمثل إخلالاً بتوازن القوى في منطقة الخليج العربي.
خيارات خليجية
تناول الدراسة في محورها الخامس الخيارات الخليجية تجاه البرامج النووية الإيرانية. وفي هذا الإطار، ميزت بين حالتين، الأولى: أن تكون البرامج النووية الإيرانية سلمية بالفعل. أما الحالة الأخيرة، فهي تطوير إيران للطاقة النووية لغير الأغراض السلمية.
وفي هذا الإطار، سيكون لدول مجلس التعاون عدة خيارات، هي الدبلوماسية تجاه الدول الكبرى لحثها على أن تنتهج سياسة متوازنة تجاه المنطقة، والردع من خلال تطوير السلاح ذاته، إلا أن ذلك يواجه معضلات عديدة. أما الخيار الثالث، فهو تطوير القدرات العسكرية التقليدية جنباً إلى جنب مع تطوير برامج نووية لأغراض سلمية.
بينما يتمثل الخيار الرابع في ترسيخ النفوذ الخليجي لدى دول الجوار لجعل البيئة الإقليمية أمام إيران أكثر تعقيداً، بينما يتمثل الخيار الخامس والأخير في التعاون بين دول مجلس التعاون والدول العربية المحورية للحفاظ على توازن القوى الإقليمي. وأشارت الدراسة إلى أن تنفيذ كل خيار يرتبط بالقدرة على تنفيذه، والفوائد المتوقعة منه، كما أن الأولوية ستكون للخيارات التي تتضمن مفهوم الردع.
نتائج وتوصيات
توصلت الدراسة حول الاتفاق الإطاري حول النووي الإيراني إلى مجموعة من النتائج، من أبرزها:
– ليس من الصواب اختزال مخاوف دول مجلس التعاون تجاه إيران في المسألة النووية، حيث إنّ ذلك لا يعدّ سوى عرضٍ لمشكلة كبرى، هي السياسات الإقليمية لإيران التي تستهدف أن تكون القائد الإقليمي المهيمن.
– إنّ ديمومة التحالفات الدولية لا ترتبط برغبة طرفيها بالضرورة، وإنما بموازين القوى الإقليمية والدولية. كما أن التغيّر في السياسة الإقليمية الإيرانية يرتبط بالأسس الدستورية والأيديولوجية التي تنهض عليها تلك السياسة.
– من أهمّ أسس بناء الأمن الإقليمي الحقيقي أن يكون هناك توازن حقيقي للقوى بين ضفتي الخليج العربي.
– يتمثّل الخلاف الأساسي بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة الأمريكية في أنّ استراتيجيات الإدارة الأمريكية تجاه قضايا الأمن الإقليمي هي التعامل مع كلّ حالة على حدة، بينما تلك القضايا بينها ترابط كبير على أرض الواقع.
– عزز تباين السياسات الخليجية تجاه إيران من منح الفرصة لتنامي النفوذ الإيراني في دول الجوار.
وفي هذا السياق، قدمت الدراسة مجموعة توصيات أساسية، من أبرزها:
– تملك دول مجلس التعاون الخليجي أوراق قوّة يمكن توظيفها ضمن سياساتها تجاه إيران، ومن ذلك العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. كما يجب أن يتخطّى تأثير دول المجلس فى إيران النطاق الإقليمي، حيث يلاحظ أنّ إيران لديها علاقات متميزة مع الدول الآسيوية، في الوقت الذي تسعى فيه تلك الدول لإقامة علاقات مع دول المجلس.
– على الرغم من أنّ تطوير القوّة التقليدية لدول مجلس التعاون يعدّ أمراً مهمّاً، فإنّ الاهتمام بالقوة البحرية يتعيّن أن يكون في بؤرة تلك الجهود لموازنة القوة الإيرانية. كما أنه من المهمّ دراسة السياق الإقليمي والعالمي الذي تتم فيه السياسات الغربية تجاه قضايا المنطقة. بمعنى آخر، لا يمكن الفصل بين الملف الإيراني والملفات الإقليمية الأخرى.
– من المهم أيضا لدول مجلس التعاون أن تصارح شركاءها الدوليين، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، بحقيقة مخاوفها تجاه هذا الاتفاق، واقتصاره على الملف النووي دون التطرق لبقية الملفات الأخرى.
– يتعيّن دراسة الداخل الإيراني، ومدى تأثره سلباً بالتحوّلات الإقليمية الراهنة، حيث إنّ تلك التطوّرات بقدر ما تمثّل فرصاً لإيران للتمدّد الإقليمي، فإنّها في الوقت ذاته تمثّل تحدّيات لها.
– يمكن لدول مجلس التعاون تحويل التحديات إلى فرص. بمعنى آخر، يمثّل الملف النووي الإيراني فرصة سانحة لدول مجلس التعاون، ومعها الدول العربية المحورية، لصياغة معادلة إقليمية جديدة، من خلال استثمار التحالف الراهن تجاه الأزمة اليمنية، وهو التحالف الذي من شأنه التأثير في مضمون الأمن الإقليمي الذي أضحى يعمل بشكل مستقل نسبياً عن الأمن العالمي.
د. أشرف محمد كشك
مجلة السياسة الدولية