كان لحسن، بائع الخضر بأحد محلات البيع بالتقسيط بالعاصمة الرباط، يحاول جاهدا أن يبرر لأحد زبائنه أن ارتفاع السعر يعود بالأساس إلى الوسطاء التجاريين، ومنهم تحديدا أصحاب وسائل النقل.
“المازوط طالع وعباد الله كتشكي واحنا بيناتهم” (أسعار المحروقات مرتفعة، والمواطنون يشتكون ونحن بين نارين)، يوضح لحسن متحسرا.
بحسب متتبعين يعيش المغاربة على وقع حالة احتقان اجتماعي وانتظارية لما ستؤول إليه الأوضاع، تترجم كل مرة بطريقة مختلفة، مرة في حالة مقاطعة بعض المواد والشركات (منها شركة تستحوذ على أكثر من 40% من سوق توزيع البنزين والغازوال، وتحتكر توزيع مشتقات البترول الأخرى)، وتارة أخرى بإضرابات واسعة في قطاع النقل الطرقي، أو احتجاجات ومسيرات شعبية وفئوية.
وغالبا ما يكون دافع الاحتجاج غلاء المعيشة الذي يتقاطع في جزء كبير منه مع سعر الطاقة عموما وسعر المحروقات خصوصا.
يلاحظ المحلل الاقتصادي عادل خالص، في حديث للجزيرة نت، أن المحروقات تدخل في تركيبة مجموعة من المواد الأساسية، كما تدخل في تركيبة أسعار النقل.
رفع الدعم
وكانت الحكومة المغربية قد رفعت الدعم عن قطاع المحروقات، وكان يتوقع أن تتبع الأسعار محليا اتجاه الأسعار في السوق الدولية، إلا أن تقريرا برلمانيا أكد ارتفاع أثمان البيع بمحطات الوقود، كما أكد مراكمة شركات التوزيع هوامش أرباح وصفت بـ”غير المعقولة” على حساب القدرة الشرائية للمواطنين.
يقول الخبير الاقتصادي محمد ياوحي للجزيرة نت إن “الحكومة تركت المغاربة فريسة لشجع موزعي المحروقات، الذين استغلوا تحرير الأسعار لفرض أسعار مرتفعة وجني أرباح غير منطقية على حساب إنهاك القدرة الشرائية للمواطنين وميزانية الشركات”.
تسقيف الأرباح
في ظل هذه الأوضاع أعلنت الحكومة مؤخرا عزمها التدخل في السوق وضبط سعر المحروقات عبر اعتماد آلية التسقيف.
يؤكد وزير الشؤون العامة والحكامة لحسن الداودي في تصريح للجزيرة نت أن القرار السياسي اتخذ، وأن الوزارة تنتظر رأي مجلس المنافسة من أجل التنفيذ.
وأوضح الداودي أنه بناء على الحيثيات التي سيظهرها رأي مجلس المنافسة سيحدد هامش ربح الشركات، مشيرا إلى أن التسقيف سيهم الربح عند التوزيع وليس السعر، على اعتبار أن الأسعار مرتبطة بتقلبات السوق الدولية.
ومثل أسعار الأدوية وتسعيرة الكهرباء، سيُصبح البترول ضمن المواد التي تحدد لجنة وزارية أسعارها، فهل يحجم هذا القرار من مستوى الاحتقان الاجتماعي الذي يلعب فيه ارتفاع أسعار المحرقات دورا مهما؟ وهل يعيد التسقيف الأمور إلى نصابها ويحد من جشع محتكري التوزيع؟
ليس على حساب المواطن
باعتماده قرار تسقيف الأرباح، يبدو الداودي مقتنعا بأن إجراءه سيحدّ من جشع الموزعين، وقال “الربح المعقول مقبول، وطبيعي أن تحقق الشركات أرباحا، لكن ليس على حساب المواطن”، وأضاف “نرفض الجشع”.
أما الخبير الاقتصادي محمد ياوحي فيتساءل عن مدى توفر الحكومة على الشجاعة اللازمة في مواجهة جشع الموزعين الذين يبدو أن موازين القوى في صالحهم وأنهم لا يكترثون لتصريحات وزير الحكامة، بحسب تعبيره.
المحلل الاقتصادي عادل خالص من جانبه يرى أن “قرار التسقيف -إذا نجح- قد يخفف من الضغط الاجتماعي، لكنه لا يحل المشكل”، معتبرا أن الأوضاع سيئة ولا تبشر بالخير.
واستدل بما آلت إليه الأمور في فرنسا من احتجاجات، علما أن مستوى المعيشة هناك مرتفع مقارنة مع مستوى المعيشة بالمغرب.
ويدعم خالص تحليله بكون القدرة الشرائية للمغاربة تراجعت، مما انعكس على استهلاك وادخار الأسر على خلفية تطبيق قرار تحرير قطاع المحروقات.
لكي ينجح
يعتقد الخبير الاقتصادي ياوحي أن تسقيف المحروقات يجب أن ينبني على معطيات رقمية اقتصادية واضحة وأن يترك للموزعين هامش ربح معقولا، مشيرا إلى وجود تكتل محلي لتوزيع المحروقات يتفق على أثمان متقاربة، مما يشكل خرقا لمبادئ المنافسة.
ويقول ياوحي “لا يجب أن يكون تسقيف الأسعار بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة، فالأولى هو تحقيق مبدأ المقايسة، أي أن تتبع الأسعار المحلية منحى الأسعار الدولية”.
من جهته يحذر عادل خالص من عدم نجاح تسقيف الأرباح، معتبرا أن فشله سيترك مساحة لانخفاض الثقة وانتشار الإشاعة، وبالتالي انتشار نوع من التشاؤم الاقتصادي الذي يؤجج الاحتقان.
وينبه خالص إلى ضرورة الانتباه إلى جودة المحروقات أيضا، واحتمال لجوء الموزعين للسوق السوداء، والتمويه فيما يخص هامش الربح.
أما الوزير لحسن الداودي فيقر بأنه عازم على المضي في قرار التسقيف، وإعمال قانون المخالفات بخصوصه.
وعن المواطن يقول نحن نتدخل لتكون الشفافية ولا يكون الشجع، والمواطن يجب أن يعرف أن المغرب مثل دول كثيرة لا تنتج النفط، يخضع للسوق الدولية ولتقلباتها.
وبالإضافة إلى التسقيف، كانت الحكومة قد رخصت لشركات توزيع جديدة لإحداث نوع من التنافسية في السوق. فهل تنجح خطة الحكومة؟ وهل للدولة ما يكفي من آليات ناجعة لمراقبة عملية تسقيف أرباح الشركات؟
المصدر : الجزيرة