جمهورية الصين الشعبية، من دول شرق آسيا، حكمها شيوعي، وتسود فيها سياسة الحزب الواحد، وهو الحزب الشيوعي الصيني، حيث تأسس عام 1921، ووصل إلى السلطة بعد الحرب الأهلية الصينية التي انتهت عام 1949، وتعتبر الصين من أكبر الدول من حيث تعداد السكان، ويصل التعداد السكاني لها، مليار و386 مليون نسمة حسب آخر إحصائية عام 2017، كما وتعتبر مدينة شنغهاي أكبر تواجد سكاني فيها حيث يصل إلى 23.7 مليون نسمة، ويتلوها في ذلك العاصمة بكين 20.3 مليون نسمة، إلى جانب التعداد السكاني الكبير للصين فإنها تمتاز أيضًا بتعدد القوميات، وتعد قومية الهان هي الأغلبية الكبرى حيث تصل نسبتهم إلى 91.6 بالمئة من التعداد الكلي للسكان.
سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية
تعتبر سياسة الإصلاح والانفتاح التي تنتهجها الصين هي العامل الرئيسي للتحول الكبير الذي يجري في الصين، من دولة كان ينتشر فيها الفقر إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة، ولقد تم إقرار هذه السياسة في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الحادي عشر عام 1978، وكانت أبرز هذه التحولات، التخلص من سياسة الانغلاق وشبه الانغلاق على العالم الخارجي حيث بدأت الصين بزيادة التصنيع الداخلي بهدف التصدير للخارج، إلى أن وصلت الآن كأكبر مُصدر في العالم.
الصين ترى في المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل عام مربحًا اقتصاديًا واستراتيجيًا وسياسيًا، لذلك سعت بشدة إلى مد استثماراتها في المنطقة العربية
أما التحول الآخر فكان هو التحول من نظام الاقتصاد المخطط العالي المستوى، إلى نظام اقتصاد السوق الاشتراكي، ويُقصد بنظام الاقتصاد المخطط، “وضع الهيئة الحكومية الخاصة أهدافَ ومهمات التنمية الاقتصادية لمختلف القطاعات، وتوفير ضمانٍ للتنمية الاقتصادية بشكل مستقر وفقًا للخطط والأهداف المقررة، ولكنه في الوقت نفسه قيّد بشكل شديد حيوية وسرعة التنمية الاقتصادية نفسها”.
أما نظام اقتصاد السوق الاشتراكي الذي انتهجته الصين فهو، “تطوير دور السوق الأساسي في توزيع الموارد إلى حد أكبر، وزيادة حيوية المؤسسات وقدرتها التنافسية، وإكمال التحكم الكلي الحكومي على الاقتصاد الوطني، وتحسين وظائف الحكومة في الإدارة والخدمات العامة، وتوفير الضمان التنظيمي الفعّال في بناء مجتمع الرفاهية بصورة شاملة بناءً على مبدأ التنمية المنسجمة بين المدن والأرياف، والتنمية المنسجمة الإقليمية وتنسيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنسيق التنمية المنسجمة بين البشر والطبيعة وانسجام التنمية الداخلية مع متطلبات الانفتاح على العالم الخارجي”، وبذلك نجد أن الحكومة الصينية قامت بعملية تطوير للنظام الداخلي الاشتراكي حيث من ناحية نجدها تهتم بالاستثمار الأجنبي داخلها، وتعزز فكرة الملكية الخاصة حيث ذلك يؤدي إلى عملية تنافسية تُعزز عملية الإنتاج، ومن ناحية أخرى تهتم أيضًا بالقطاع العام حيث تراه الصين قطاعًا أساسيًا لا ينفصل بتاتًا عن قطاع الملكية الخاصة وباقي القطاعات الاقتصادية الرئيسية داخل الدولة، كما أن تعزيز هذا القطاع يؤدي بشكل رئيسي إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
السياسة التوسعية الصينية وأساليبها
كما اتضح من السابق أن السياسة الاقتصادية التي اعتمدتها الصين أدت إلى نمو ضخم في العائد الاقتصادي وأيضًا إلى قفزة ملحوظة في منسوب النمو الاقتصادي، لكن هذا التوسع لم يكن فقط توسعًا من حيث العائدات، فإننا نجد أن الموقع الجغرافي الصيني وزيادة منسوب صادراتها أدى إلى سيطرة النفوذ الصينية على مناطق شمال وشرق آسيا بشكل رئيسي، كما أن النمو الصيني لم يكن فقط صينيًا بحتًا بل إن نموها أدى إلى نمو المناطق الآسيوية بشكل عام.
من هنا نجد أن توسعها الاقتصادي أدى إلى امتداد نفوذها في تلك المناطق، كما أن الصين لم تهمل الجانب الاستراتيجي لوقوعها على بحر الصين الجنوبي، حيث يعتبر هذا البحر هو من أبرز نقاط الملاحة العالمية، حيث تحاول الصين مد قوتها البحرية إلى ما بعد 12 ميلاً وهو الامتداد المتفق عليه دوليًا، والذي يكون تحت السيطرة الاقليمية للدولة، وذلك لفرض القوة البحرية على تلك المنطقة، ومع ذلك نجد أن الولايات المتحدة تستنكر هذه المحاولات، ففي الوقت الذي نجد فيه أن الصين لها مصالح خاصة من فرض السيطرة على هذه المنطقة، فإن الولايات المتحدة أيضًا لها مصالح خاصة متعلقة بها من فرض سيطرتها على تلك المنطقة أيضًا، فنجد هنا تعارض وتضارب في المصالح بين القوتين الصينية والأمريكية.
أما على صعيد آخر فإن الصين تحاول خلق عملية توازي أو حتى يمكن القول عنها عملية تضارب مع المؤسسات المالية الغربية، ففي الوقت الذي نجد فيه صندوق النقد الدولي في الغرب، سعت الصين إلى تأسيس بنك الاستثمار الآسيوي مع مجموعة من الدول الآسيوية لخلق عملية من الاستقلالية في المرجعية المالية، وقد بلغ رأس المال لهذا البنك ما يقارب الـ100 مليار دولار، كما أن اليد الاستثمارية الصينية بدأت تمتد في العديد من المناطق في العالم، وذلك لفرض سيطرتها الاقتصادية على تلك الدول في وقت لاحق، وكان من ضمن تلك المناطق أمريكا اللاتينية وأفريقيا، كما أن الصين ترى في المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل عام مربحًا اقتصاديًا واستراتيجيًا وسياسيًا، لذلك سعت بشدة إلى مد استثماراتها في المنطقة العربية، ومن أمثلة ذلك تواجد البنك الصناعي التجاري الصيني في عدة مدن عربية ومنها الرياض وأبو ظبي والدوحة ودبي والكويت، وكان مشروع خط الحرير الذي يصل لشرق أوروبا مرورًا بـ65 دولة، من أكبر الدلائل على المساعي الصينية لفرض سيطرتها التسويقية على مناطق أوروبا، وبتواجد قوة عسكرية جبارة للجيش الصيني وسياسة الردع النووي الصينية نجد أنه من الصعب الوقوف أمام الامتداد الصيني في الغرب بل وعلى العالم بشكل أوسع، فهل سنرى في أحد الأيام الصين تتربع على عرش العالم عوضًا عن الولايات المتحدة؟.
الجزيرة