الصناعة العسكرية التركية… من الاستيراد إلى الاكتفاء فالتصدير

الصناعة العسكرية التركية… من الاستيراد إلى الاكتفاء فالتصدير

قرّرت تركيا أن تتحرّر تدريجياً من فاتورة شراء الأسلحة، في الوقت الذي تتنافس واشنطن وموسكو على بيع أنقرة أنظمة صواريخ متقدمة، لدرجة أن عائدات الصادرات العسكرية التركية أصبحت تشكل رافداً مهماً لاقتصادها، بعد أن راجت في أسواق التصدير منتجات وكالة صناعات الدفاع والشركات الخاصة، خاصة شركتي “أوتوكار” و”أسيلسان”.

فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأت تركيا بالتحول التدريجي نحو الإنتاج المحلي، مستفيدة من قاعدتها الصناعية التي بدأت بإنشائها منذ تأسيس الجمهورية، لتولي، منذ وصول “حزب العدالة والتنمية” نهاية عام 2002، اهتماماً بالغاً بالصناعات الدفاعية، وترفع الميزانية العسكرية، العام الماضي، إلى 23 مليار دولار، لتصبح واحدة من بين الدول الـ15 الأكثر إنفاقاً على التكنولوجيا الحربية، بعد أن زاد إنفاقها على الصناعات العسكرية، من 14.34 مليار دولار عام 2009 إلى 19.5 ملياراً في العام الماضي.

إنتاج تركي عسكري

لم تكن سفينة الإنزال البرمائية “سنجقدار” محلية الصنع، التي تسلمتها القوات البحرية التركية، في إبريل/نيسان الماضي، آخر ابتكارات “شركة الأناضول للصناعات العسكرية” التي سلّمت القوات البحرية سابقاً 40 منصة بحرية للقوات التركية.

جاءت “سنجقدار” ضمن ما زوّدته رئاسة الصناعات الدفاعية التركية، للقوات المسلحة والأمن، ومنها منتجات تستخدم لأول مرة عام 2018، ومنها ما تم تطوير قدراته وإمكاناته، وذلك بعد اجتياز جميعها للاختبارات التي خضعت لها، حسبما يقول المحلل التركي سمير صالحة لـ”العربي الجديد”.

ويشير صالحة إلى أن المشاكل التي عانت منها تركيا قبل عقدين، لناحية تأمين احتياجاتها من الأسلحة المتطورة، كانت دافعا لتبنّيها استراتيجية التصنيع الحربي الوطني، خاصة بعد تلكؤ بعض الدول، ضمن حلف الناتو، في مدّها ببعض أنواع الأسلحة المتطورة.

ويتابع الأكاديمي والمحلل التركي أن بلاده تمكنت من تصنيع معظم احتياجاتها العسكرية وسلّمت، العام المنصرم، القوات الأمنية والمسلحة التركية، مدرعات ناقلة جنود، وعربات إسعاف مضادة للقنابل، وطائرات مسيّرة بدون طيار استطلاعية ومسلحة، وصواريخ مجنّحة متفاوتة المدى، ومسدسات، وأجهزة رادار قادرة على كشف ما وراء الجدران، وغيرها من المنتجات المصنّعة بإمكانات محلية.

ولم تقتصر المنتجات التركية العسكرية على الصناعات البرية، بل وصلت إلى السماء بعد أن سلمت، العام الماضي، القوات الجوية 10 طائرات بدون طيار من طراز “أنكا- إس” التي يمكن التحكم فيها عبر أقمار صناعية محلية أيضاً.

ويشير صالحة إلى أن “بخل” حلفاء تركيا، وربما تخوّفهم، من مدّها بالأسلحة المتطورة، اجتمعت مع قناعة تركيا على مستوى القيادة، ليتم التحرك باتجاه تأمين احتياجاتها عبر التصنيع المحلي، بل والتطلع إلى الريادة في الصناعات العسكرية، فوجدنا صناعة الصواريخ والأسلحة الذكية، معلنة، العام الماضي، عن تزويد القوات الأمنية والمسلحة في تركيا، بسلسلة صواريخ مجنّحة، وحتى موجّهة ليزرياً.

كما شهد العام الماضي، تجهيز وتسليم السلطات التركية 5 قواعد عسكرية مجهزة بأحدث التقنيات العالية، وتجاوزت أعداد المركبات المدرعة التي تم تسليمها إلى القوات البرية التركية خلال عام 2018، 650 مركبة مدرعة و40 مروحية “أتاك” و90 طائرة مسيّرة بدون طيار.

ويستدرك صالحة بقوله إن تركيا لا تزل “ضعيفة” في مجال الصواريخ بعيدة المدى “، لذا نراها تفاوض واشنطن على صفقة الباتريوت، وروسيا من أجل استيراد وتوطين صواريخ إس 400”.

استثمارات صناعة الدفاع

تسعى تركيا، بحسب مصادر مطلعة، إلى الاكتفاء الذاتي وتلبية جميع احتياجاتها الدفاعية محلياً، بعد أن ارتفع عدد مشاريع الصناعات الدفاعية، من 66 مشروعاً عام 2002، عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، إلى 600 مشروع عام 2018.

ودخلت شركات تركية رائدة، قوائم أكبر 100 شركة لصناعة الدفاع عالمياً، كشركة وروكيتسان و”تي .أيه.آي” و”أسيلسان”، التي تعتبر الأكبر والرائدة في تركيا، والتي ارتفعت مبيعاتها بنسبة 27.1%، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 2018، إلى 1.37 مليار دولار، محققة أرباحاً صافية تُقدّر بنحو 351.3 مليون دولار، بزيادة 2%، مقارنةً بالفترة ذاتها من 2017.

كما ارتفع إجمالي الاستثمارات التركية في صناعة الدفاع من 5.5 مليارات ليرة (1.3 مليار دولار)، إلى أكثر من 60 ملياراً، العام المنصرم، ما أتاح لها تقليص اعتمادها على المشتريات الأجنبية، وهي تسعى اليوم جاهدة لتلبية جميع احتياجاتها الدفاعية محلياً.

ومن المقرر، بحسب مصادر تركية، أن تستثمر 12 شركة تركية، خلال الفترة المقبلة، ما لا يقل عن 1.4 مليار ليرة (350 مليون دولار) في تصنيع معدات الاتصالات، وأنظمة الدفاع الصاروخي، والدروع، والكاميرات الحرارية، وأجزاء الدبابات والطائرات الحربية.

ويرى مختصون أن قرار إنشاء أول وكالة فضاء تركية، خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، يندرج ضمن تطلعاتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات الدفاعية.

ويقول الخبير في شؤون الدفاع، أردا مولود أوغلو، إن “صناعة الفضاء الجوي في تركيا أحرزت تقدمًا كبيرًا، على مدار الـ15 سنة الماضية، ما ساهم في جعل تركيا تعتبر من أولوياتها تطوير صناعة دفاعية وطنية تلبي اكتفاءها الذاتي”.

وكانت تركيا قد نجحت في تطوير أقمارها الصناعية الخاصة، على غرار “راسات”، وهو قمر محلي لمراقبة الأرض، علاوة على “غوك ترك-1” الذي يعتبر قمرا صناعيا عسكريا للمراقبة تم إطلاقه في بداية ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، عبر شركة “أريان سبيس”.

شركات مشتركة وتصدير

يؤكد الباحث التركي يوسف كاتب أوغلو، أن تركيا، قبل عقدين من الزمن، كانت تعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد في احتياجاتها العسكرية، لكنها اليوم لم تعد تستورد سوى 20%، بل وباتت تصدّر، حتى الدبابات والطائرات بدون طيار، وتصدرت صناعة المسدسات على مستوى العالم.

ويلفت كاتب أوغلو لـ”العربي الجديد” إلى دخول تركيا مراكز الأبحاث وما يسمى علوم الصناعات العسكرية. وحتى “إس 400” التي ستستوردها من روسيا، في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، سيتم تصنيعها لاحقا في تركيا، أي أن بلاده لن تستورد التكنولوجيا التي تفتقرها فحسب، بل ستوطّنها، لأنها، برأيه، تمتلك كل عوامل التقدم في هذا المجال، سواء لجهة التمويل والمتخصصين، أو حتى للمعادن والمواد الأولية في الصناعة العسكرية.

وكانت رابطة المصنّعين في قطاع الصناعات الدفاعية والجوية التركية، قد أكدت أن مبيعات القطاع بلغت 6 مليارات و693 مليون دولار عام 2017، مشيرة إلى أن حجم المبيعات زاد 12.11% عن 2016.

وأوضحت أن مبيعات المنصات العسكرية البرية أخذت نصيب الأسد من إجمالي حجم مبيعات العام الماضي، بواقع مليارَين و362 مليوناً، في حين جاءت منصات الأسلحة العسكرية الجوية في المرتبة الثانية بمليار و739 مليونا، وحلّت في الثالثة الأسلحة والذخائر والصواريخ بـ828 مليونا.

يُذكر أن الصناعات الدفاعية في تركيا تبوأت المرتبة الأولى من النفقات الحكومية على البحث والتطوير، في العام الماضي، بنسبة 20.5% من إجمالي النفقات، إذ وصلت النفقات الجارية في هذا القطاع إلى 361.2 مليون ليرة تركية، فيما بلغت النفقات الاستثمارية 117.5 مليون ليرة.

ويشير كاتب أوغلو إلى أن بلاده بدأت بتصدير طائرات بدون طيار إلى باكستان، بل وطورت طائرات بدون طيار تحمل أسلحة. كما أبرمت اتفاقات وتوأمة مع دول عدة في مجال الصناعات الحربية، منها شركة “بي.إم.سي” التركية – القطرية لصناعة المركبات والمدرعات، وإنتاج الدبابة ألطاي، أول دبابة تركية من الجيل الجديد.

وهذا ما أكدّه سابقاً مستشار الصناعات الدفاعية، إسماعيل دمير، من أن العديد من البلدان تولي اهتماماً كبيراً لشراء المنتجات التركية في قطاع الصناعات الدفاعية، وأن بلاده اقتربت من توقيع صفقة بيع مروحيات “أتاك” القتالية إلى باكستان، مشيراً إلى أن البلدين يجريان مباحثات حول حصول باكستان على قرض لشراء “أتاك”.

صفقة “إس 400” الروسية… قائمة

إلى ذلك، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أيام، أن تركيا لن تتخلى عن عقد أبرمته مع روسيا لشراء صواريخ “إس-400″، رغم ما يثيره قرار الحصول على هذا السلاح الدفاعي المضاد للطيران، من تحفظات في حلف شمال الأطلسي بسبب عدم توافقه مع المنظومات الدفاعية للحلف.

وفي ديسمبر/كانون الأول، وافقت واشنطن على صفقة بيع منظومة “باتريوت” بـ3.5 مليارات دولار، بهدف إثناء أنقرة عن شراء المنظومة الروسية المنافسة.

العربي الجديد