تأسس حزب “تحيا تونس” أخيراً، المفترض جعل رئيس الحكومة يوسف الشاهد رئيساً له في الوقت المناسب. وتسعى القيادة المؤقتة للحزب إلى توسيع قائمة المنخرطين، والشروع في البناء التنظيمي للحزب، مع التأكيد على أهمية الديمقراطية الداخلية، حتى تثبت أن المسار الذي اختارته مختلف جذرياً عن مسار حزب “نداء تونس”، الذي لا يزال يتخبط في خلافات لا تنتهي بين أعضائه. لكن التأسيس طرح إشكالية مرتبطة بمدى استعداد قادة الحزب الوليد للتحالف مع حركة النهضة بعد الانتخابات المقبلة.
بالنسبة لـ”تحيا تونس”، يبدو هذا السؤال سابقا لأوانه، إذ أكد منسق الحزب سليم العزابي، خلال المؤتمر الصحافي، أمس الأحد، أن “ما يشغلهم في هذه اللحظة هو تأسيس الحزب من خلال تنظيم مؤتمراته المحلية والمركزية، وإعداد برنامجه السياسي، وانتظار ما قد تسفر عنه الأشهر المقبلة من متغيرات”. مع ذلك، يعتبر التحالف مع “النهضة” من الفرضيات المزعجة لكوادر “تحيا تونس”. ويعود ذلك إلى أن الكثير من مؤسسي هذا الحزب سبق لهم أن انشقوا عن حزب “نداء تونس” لأسباب متعددة، من أهمها التحالف مع الحركة تحت عنوان “التوافق بين الشيخين”، أي الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي وزعيم “النهضة” راشد الغنوشي. لكن الكثير من هؤلاء بعد أن دخلوا في تجربة حزبية جديدة وجدوا أنفسهم أمام وضع غريب، لأن رئيس الحكومة الذي ينوون الالتفاف حوله غير قادر على أن يفك شراكته مع “حركة النهضة” التي لولاها لانهارت الحكومة، ولغادر الشاهد السلطة بكل ما فيها من إغراءات وإمكانات من شأنها أن تخدم مشروعه الحزبي. ولهذا السبب، شنّ السبسي ومعه “نداء تونس” حملة على الشاهد، شعارها الأساسي أن هذا الأخير “أصبح رهينة بيد الغنوشي، وأن حكومته ليست إلا حكومة النهضة”.
”
حصول حزب الشاهد على 109 مقاعد في برلمان 2020، يمكّنه من الاستغناء عن “النهضة”
” كما أن هناك مسألتين تطرّق إليهما منسق حزب “تحيا تونس” في حوار تلفزيوني أخيراً. أكد في الأولى أن الحزب “ليس ضد أحد، بما في ذلك النهضة”، وفي ذلك إشارة إلى تجارب سابقة وحالية جعلت من معاداة الحركة العلة الأصلية لوجودها والهدف المركز لنشاطها. وأثبتت هذه التجارب فشلها، وبيّنت أن الخصومة مع الإسلاميين لا تكفي وحدها لإضفاء الشرعية على حزب ما، إذ لا بد أن تتوفر برامج تمكّن أصحابها من التميز وكسب ثقة الناخبين.
أما المسألة الثانية، فوردت في حديث العزابي، عندما أشار إلى أن “التحالفات تحددها وتفرضها نتائج صندوق الاقتراع”. وهذا يعني أن الواقعية السياسية تقتضي احترام موازين القوى الفعلية، والتي لا يمكن القفز فوقها. وفي هذا تمهيد لما قد يحصل مستقبلاً في حال حافظت “حركة النهضة” على وزنها السياسي، ما يفرض على منافسيها القبول بها كطرف أساسي في الائتلافات الحكومية المقبلة، بعيداً عن شعارات الإقصاء والحسم الأيديولوجي. وهو ما يدل على أن حزب الشاهد سيكون براغماتياً، وليس كما يفعل آخرون في صراعهم مع خصومهم. ولهذا عندما سئل منسق الحزب عن تصريح الغنوشي الذي اعتبر أن “تغيير الحكومة في هذا الظرف أمر وارد، وأن هناك مشاورات تجرى حول هذه المسألة”، اعتبر العزابي في جوابه أن “بيان المكتب التنفيذي هو الملزم لحركة النهضة، وقد ورد فيه تمسّكها بالاستقرار السياسي والحكومي”.
”
تغيير الحكومة في هذا الظرف أمر وارد، وأن هناك مشاورات في هذا الصدد
” هذه المؤشرات تدل على محاولة تهيئة أعضاء حزب “تحيا تونس” مبكراً لقبول احتمال حصول تقاطع مع “حركة النهضة” في مرحلة ما بعد الانتخابات. وهي خطوة استباقية تهدف إلى امتصاص أي نوع من ردود الفعل التي حصلت من قبل داخل “نداء تونس”، والتي فجّرته لاحقاً.
لا يمكن الحسم حالياً أن هذا هو السيناريو الوحيد الذي تتجه نحوه الحياة السياسية في الفترة المقبلة، فالساحة مفتوحة على احتمالات أخرى، وإن كانت تبدو صعبة. حصول حزب الشاهد على 109 مقاعد في برلمان 2020، يمكّنه من الاستغناء عن “النهضة”. لكن هذا الاحتمال يبقى ضعيفا جداً لحزب لا يزال تحت التأسيس، ويواجه خصومات متعددة. أما تحالف “تحيا تونس” مع “نداء تونس” وغيره من الأحزاب الصغيرة، فهو سيناريو مستبعد، في حال بقاء نجل السبسي على رأس الحزب، في ظلّ امتلاكه ثأرا كبيرا مع الشاهد. كما أنه من غير الوارد أن تتحالف “الجبهة الشعبية” مع حزب “تحيا تونس”، في وقت تسعي فيه حالياً نحو إسقاط حكومته. وبالتالي هي مستعدة لكي تبقى بعيدة عن الحكم حتى ولو كان الثمن إفساح المجال للإسلاميين للاستمرار في السلطة. وهذا يعني أن “النهضة” مرشحة أكثر من غيرها للبقاء في السلطة، وأن المتغير الرئيسي هو اسم الشريك.
العربي الجديد