بعد موجة الأمطار الأخيرة التي شهدتها الكويت، تلقت وزارة الداخلية الكويتية نحو 100 بلاغ حول عشرات الألغام في المناطق السكنية، فتعاملت معها وحدات التفتيش الوقائي في الحرس الوطني وفرق مكافحة المتفجرات والألغام في الجيش الكويتي.
قبل 28 عاماً، في السادس والعشرين من فبراير/ شباط 1991، خرجت القوات العراقية من الكويت بعد حرب الخليج الثانية. على الرغم من كلّ تلك الأعوام، فإنّ الألغام التي زُرعت قبل انسحاب الجيش العراقي، والتي قُدّرت بنحو مليونَي لغم، ما زالت تهدّد المدنيين بعد اختفائها في الكثبان الرملية بصحراء الكويت وانجراف عدد كبير منها نحو مناطق سكنية عقب الأمطار الأخيرة التي تسبّبت في سيول بأنحاء مختلفة من البلاد.
الضابط المتقاعد من الجيش الكويتي فهد الشمري كان عضواً في فرقة مكافحة الألغام عقب تحرير البلاد، فيؤكد لـ”العربي الجديد” أنّ “العراقيين وبعد انسحابهم من الكويت، تركوا وراءهم ما يقارب مليونَي لغم في مختلف أنحاء البلاد، لا سيّما في صحرائها. ومنذ ذلك الحين، تُسجّل حوادث وفاة من حين إلى آخر من جرّاء انفجار تلك الألغام”. يضيف الشمري أنّه “فور إعلان تحرير الكويت، شرعت الحكومة بتشكيل فرقة لإزالة الألغام من المنشآت الحكومية والأماكن الأساسية في العاصمة بالإضافة إلى الضواحي السكنية والمدارس والمرافق العامة. وبعد ذلك، تعاقدت مع عدد كبير من الشركات الأمنية المتخصصة في المتفجرات بهدف تلزيمها إزالة الألغام من صحراء الكويت. لكنّ التقديرات تشير إلى بقاء 300 ألف لغم حتى اليوم مطمورة في الكثبان الرملية بالصحراء”.
وعدم قضاء الكويت على كل الألغام، على الرغم من الجهود المبذولة منذ عام 1991 حتى اليوم والاستعانة بثلاث شركات عالمية متخصصة، يعيد الشمري سببه الرئيسي إلى “كون الجنود العراقيين المنسحبين من الكويت عمدوا إلى زرع الألغام عشوائياً. وعندما طلبنا من العراقيين بعد عام 2003 خرائط الألغام، تبيّن أنّ لا أحد يعلم أين زُرعت الألغام وبالتالي لا تتوفّر أيّ خرائط”.
وبعد الأمطار الأخيرة، نشرت وزارة الداخلية الكويتية تحذيرات أمنية في إطار حملة إعلامية أعدّتها لتنبيه المواطنين من عدم الاقتراب من أيّ جسم غريب في صحراء الكويت، إذ إنّه قد يكون لغماً من بقايا الحرب. يُذكر أنّ لغماً أرضياً في منطقة العبدلي في أقصى شمال البلاد، كاد يودي أخيراً بحياة عبد العزيز النهار بينما كان يتجوّل في المنطقة خلال موسم التخييم بعد الأمطار. وبعد اتصال بوزارة الداخلية، تبيّن أنّه في حقل ألغام كبير. لكنّ كويتيين آخرين ورعاة أغنام من جنسيات آسيوية يعيشون في الصحراء لم يكونوا محظوظين مثل النهار، فقد لقي أكثر من 1700 شخص حتفهم منذ عام 1991 بسبب الألغام وأصيب أكثر من 2500 آخرين بجروح وفق إحصائيات رسمية.
شقيق أحمد الخالدي توفي متأثراً بجروحه بعد انفجار لغم من مخلفات الغزو العراقي، فيقول الخالدي: “ما زلت أذكر ذلك اليوم. كنّا في منتصف عام 1992، وكان شقيقي يلعب في ساحة ترابية ملاصقة لبيتنا في منطقة الجهراء في أثناء الإجازة الصيفية. راح يلهو بحسب شهادة أصدقائه بجسم حديدي غريب، قبل أن ينفجر به. كان يبلغ من العمر تسعة أعوام فقط، لكنّه وقع ضحيّة الحرب”. يضيف الخالدي أنّه “منذ ذلك اليوم، رأت عائلتي أنّ الألغام عمل جبان من شأنه الإيقاع بالمدنيين أينما وُجدوا. لذا خصّصت صندوقاً للتبرّع أنعشه الموظفون من أفراد العائلة والذين يحظون بدخل كبير، لمصلحة ضحايا الألغام. وبالفعل تمكّنا من خلاله من مساعدة خمس ضحايا. ضحيّتان من لبنان تعرّضا لألغام متبقية من سنوات الحرب الأهلية وثلاث ضحايا آخرين من سورية”.
من جهته، يخبر عبد الرحمان ربيع الفيلكاوي أنّه في عام 2007، عندما كان يبلغ من العمر 12 عاماً، لاحظ جسماً غريباً وهو في طريق عودته من مدرسته سيراً على الأقدام في منطقة الزهراء في محافظة حولّي الواقعة على ساحل الخليج العربي. يضيف لـ”العربي الجديد”: “رحت أركل ذلك الجسم الغريب مرّات عدّة مثلما أركل كرة قدم، قبل أن ينفجر اللغم في وجهي وأجد نفسي في المستشفى. نجوت من تلك الحادثة، لكنّني خضعت لعدد من العمليات الجراحية في رجلي حتى أتمكّن من السير مجدداً”. ويتابع الفيلكاوي: “أنا من الجيل الذي ولد بعد الغزو العراقي بخمسة أعوام، ولم أكن أعرف أيّاً من تفاصيل الحرب ولم أكن أعلم بأنّ ثمّة ألغاماً بالكويت في الأساس”، محمّلاً السلطات “مسؤولية عدم توعيتنا في المدارس حول تلك الألغام وبقايا أسلحة غير منفجرة في الساحات الترابية أو في الصحراء”.
تفيد إحصائية رسمية بأنّ أكثر المتضررين من الألغام في السنوات الأخيرة هم رعاة الإبل والغنم الذين تعود أصولهم في الغالب إلى شبه القارة الهندية أو السودان. ويروي أفضل محمد أفضل، وهو راع من بنغلادش، كيف لقي زميله السوداني مقتله قبل ستّة أشهر بسبب لغم أرضي. فيقول: “عندما وصلنا إلى الكويت للعمل رعاةً، أخبرَنا مالكُ القطيع بأنّنا سوف نصادف أجساماً غريبة، لا يجب علينا لمسها أبداً. وهو ما فعلناه طوال أعوام. تجنّبنا كثيراً من تلك الأجسام وكنّا نبلّغ عنها عند مصادفتها. لكنّ ما حدث مع زميلي كان غريباً، لأنّ الجسم الغريب الذي كان يمسكه كان يشبه حجراً”. يضيف أفضل أنّ “الحكومة الكويتية منحت عائلته تعويضاً جيداً ونقلت جثته على الفور إلى السودان”.
في السياق، يقول المدير العام السابق لمعهد الكويت للأبحاث العلمية ناجي المطيري إنّ “الكويت تُعَدّ من أكثر بلدان العالم كثافة لجهة عدد الألغام في الكيلومترات المربّعة”. يضيف أنّ “تلك الألغام الناجمة عن الغزو العراقي للبلاد لم تتسبب في آثار سلبيّة على الإنسان فحسب، بل كانت لها تأثيرات بيئية مختلفة ومنها الإضرار بالتربة وتلويث المياه الجوفية”. تجدر الإشارة إلى أنّ الكويت تنظّم سنوياً ورش عمل خاصة بمكافحة الألغام والمتفجرات المزروعة بإشراف الأمم المتحدة، لكنّ جهودها تلك ما زالت قاصرة في ظل “صعوبات بيئية”، إذ إنّ كثرة الرياح الترابية وارتفاع درجات الحرارة على مدار العام يؤديان إلى انفجار ألغام كثيرة من دون لمسها، الأمر الذي يعرّض حياة كثيرين للخطر”.
العربي الجديد