حراك درعا يقلق النظام السوري: محاولات لاحتواء الغليان الشعبي

حراك درعا يقلق النظام السوري: محاولات لاحتواء الغليان الشعبي

لم تسعف الكلمات أبو حسين، الرجل الخمسيني، لوصف الحال في أغلب المدن والبلدات في محافظة درعا جنوب سورية، إذ اكتفى بالقول: “حالنا لا يرضي أحداً على الإطلاق”، مطلقاً زفرة أسى وحسرة تشي بالكثير مما آلت إليه الأوضاع في المحافظة التي استعاد النظام السيطرة عليها العام الماضي وفق “صفقة”، تبيّن لاحقاً أنّ عدداً من القياديين في “الجيش السوري الحر” كانوا شركاء فيها. على الرغم من ذلك “لم يلتزم النظام باتفاقات المصالحة”، يقول أحد الناشطين في حديث مع “العربي الجديد”، مفضلاً عدم ذكر اسمه خشية الانتقام منه، مضيفاً أنّ “حال درعا كحال سورية عموماً. لا خدمات ولا أمان. ولا أمل بتحسّن الأحوال في المدى المنظور”. ويعتبر أن “هدف النظام من وراء ما يُسمّيه بالمصالحة، كان إخضاع المحافظة والانتقام منها، إذ لم ينس أنّ شرارة الثورة ضده انطلقت من هنا”.

ومنذ بداية العام الحالي كثرت حوادث اغتيال قيادات في المعارضة السورية تصالحت مع النظام تحت إشراف روسي. كما تعددت عمليات استهداف عناصر ومواقع عسكرية تابعة لقوات النظام، وسط حالة من الغليان الشعبي.


تعيش درعا على وقع تجدد حراك سلمي وعسكري


وتعيش درعا على وقع تجدد حراك سلمي وعسكري بعد أن أيقن أهالي المحافظة أنّ اتفاقات المصالحة “لم تكن إلا مدخلاً واسعاً لعودة أكثر وطأة لأجهزة النظام الأمنية”، وفق ما يقول مصدر في “تجمع أحرار حوران” لـ”العربي الجديد”، فيما تحرك النظام في الأيام الماضية، بدفع روسي، لمحاولة احتواء تصاعد الغضب الشعبي.

ويشير المصدر في “تجمع أحرار حوران” إلى أنّ “النظام حجز أخيراً على أملاك شخصيات كان لها دور في الثورة السورية، منهم الطبيب أحمد صالح الحلقي، رئيس المجلس المحلي سابقاً لمدينة جاسم، شمالي درعا، وذلك على الرغم من إجرائه لعملية التسوية مع قوات النظام. كذلك حجز النظام على شقة ضمن بناء سكني يملكها المسؤول السابق في مجلس بلدة جاسم المحلي راتب الجباوي”، المعتقل منذ حوالي الشهرين في سجون النظام.
كما يواصل النظام اعتقال قياديين سابقين في “الجيش السوري الحر” في جنوب سورية، رغم قيامهم بإجراء مصالحة معه، في دليل واضح على أن اتفاقات المصالحة التي أشرف عليها الروس لم تضع حداً لتجاوزات أجهزة النظام الأمنية.
ويؤكّد مصدر في “تجمع أحرار حوران” أنّ أجهزة النظام الأمنية اعتقلت كلاً من القيادي السابق في فرقة “أحرار نوى” عبد الكريم الخبي (أبو هواش)، والقيادي السابق في لواء “أنصار الإسلام” عيسى أبو السل (أبو جعفر تاو). وكذلك اعتقلت قبل نحو أسبوع القيادي في فرقة شهداء “إنخل” سابقاً، محمد محمود الزامل، رغم حمله لبطاقة التسوية مع النظام، وانضمامه مع عناصره للفيلق الخامس الذي شُكّل بدعمٍ روسي في محافظة درعا. كما يدفع النظام مدنيين موالين له إلى رفع قضايا شخصية ضدّ أشخاص يختارهم لتجاوز اتفاقات المصالحة التي جرت تحت رعاية وإشراف الجانب الروسي الذي يبدو أنه غير مكترث بتنفيذ التزامات رتبتها الاتفاقات عليه.

اتفاقات المصالحة التي أشرف عليها الروس لم تضع حداً لتجاوزات أجهزة النظام الأمنية


وبحسب “مكتب توثيق الشهداء” في درعا، فقد اعتقلت الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري 76 شخصاً في محافظة درعا في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، بينهم 37 كانوا في صفوف فصائل المعارضة سابقاً. ويوضح المكتب أنّ ثلاثة أشخاص تمّ اعتقالهم من قبل فرع الأمن الجنائي، و40 لدى شعبة الاستخبارات العسكرية، وعشرة معتقلون لدى إدارة الاستخبارات الجوية، إضافة إلى توثيق 23 شخصاً لم يتمكن المكتب من تحديد الجهة المسؤولة عن اعتقالهم.
ومن بين القادة الذين تمّ اعتقالهم سليمان قداح، القيادي في فصيل “فلوجة حوران”، وجرى اعتقاله في دمشق، وفادي العاسمي القيادي في “جيش الثورة” الذي اعتقله فرع الاستخبارات الجوية في مدينة داعل.
في المقابل، يؤكد المصدر في “تجمع أحرار حوران” أنّ النظام أطلق سراح قياديين في “جيش خالد بن الوليد” الذي كان جزءاً من تنظيم “داعش”، وكان يسيطر على معظم منطقة حوض اليرموك غرب درعا منذ 2014 حتى عام 2017، مشيراً إلى أنّه فور خروجهم انضموا إلى تشكيلات قوات بشار الأسد، لاسيما الأفرع الأمنية، ومن بين هؤلاء “أمراء وشرعيون وعناصر اشتهروا بشدة إجرامهم”. ويقول المصدر إنّ هذا الإجراء يؤكّد أنّ “نظام الأسد كان قد زرعهم في حوض اليرموك لأسباب عديدة؛ منها إفشال معارك الجيش الحر، واغتيال قادة بارزين في صفوف الفصائل المقاتلة”.

وفي خضم الانتهاكات المتعددة بحق محافظة درعا، ظهرت حركات “مقاومةٍ” و”رفض”، تجلّت في العديد من الأنشطة السلمية والعسكرية، إذ عادت ظاهرة “الرجل البخاخ” للظهور في المحافظة، معيداً الثورة إلى سيرتها الأولى. وظهرت كتابات على جدران المدن والبلدات تتوعد النظام والمتعاونين معه. وفي أحدث تحرّك ضدّ النظام، قتل مجهولون منتصف فبراير/شباط الحالي نذير الصبح، الذي كان أحد الفاعلين في جهاز الاستخبارات العسكرية في جنوب سورية، وكان اليد اليمنى للؤي العلي، رئيس فرع هذا الجهاز الأكثر فتكاً بالمدنيين بدرعا، والمسؤول عن ملف التسويات والمصالحات في المحافظة.

تتصدر عمليات الاغتيال المشهد في محافظة درعا


كذلك، تعرّض منذ أيام قيادي بارز سابق في “الجيش السوري الحر” في مدينة طفس غربي درعا، لمحاولة اغتيال ثانية، وفق مصادر محلية، أكدت أنّ المدعو محمود البردان (أبو مرشد)، القيادي السابق في “جيش الثورة”، كان إحدى الشخصيات في المفاوضات التي انتهت بدخول قوات النظام إلى المدينة بعد انتهاء العمليات العسكرية في الجنوب السوري.
وتتصدر عمليات الاغتيال المشهد في محافظة درعا، حيث جرى استهداف شخصيات وقياديين في المعارضة السورية أجروا عمليات مصالحة مع النظام. وفيما لم تعلن جهات معروفة المسؤولية عن هذه العمليات، إلا أن مصادر مطلعة تشير إلى أنّ هناك أطرافا عدة يمكن أن تقف وراءها، منها النظام وفلول “جبهة النصرة” و”المقاومة الشعبية” التي أعلنت عن وجودها أخيراً، مستهدفة مواقع لقوات النظام، أحدثها استهداف حاجز لهذه القوات السبت الفائت، يفصل بين بلدتي دير العدس وكفر شمس في ريف درعا الشمالي.
وفي منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أطلق مجهولون النار على رئيس بلدية المسيفرة، عبد الإله الحريري، أمام منزله في الريف الجنوبي لدرعا، ما أدى إلى مقتله على الفور. ويعتبر الحريري ثالث رئيس بلدية يتم اغتياله خلال يناير، حيث قتل رئيس بلدية بلدة اليادودة بالرشاشات، فيما دهست سيارة رئيس بلدية بلدة المزيريب في ريف درعا الشمالي الغربي. وأكدت مصادر محلية أنّ الثلاثة شاركوا في لجان المصالحات التي ساهمت في اتفاق التسوية جنوب سورية، ودخول قوات النظام إلى المنطقة، مرجحةً وقوف النظام وراء هذه الحوادث في محاولة لاتهام المعارضة السورية بها، ولتبرير عدم تقديم خدمات للمدنيين في المنطقة.

أدّت سياسات النظام إلى رفض عشرات آلاف المهجرين العودة إلى مناطقهم


وكان قتل مجهولون في الخامس من شهر يناير الفائت، القيادي السابق في “جيش اليرموك”، عمر الشريف، والقيادي السابق في “فرقة فلوجة حوران”، منصور إبراهيم الحريري، على طريق خراب الشحم بريف درعا الغربي. وسبق ذلك اغتيال القياديين السابقين في المعارضة، مشهور كناكري ويوسف الحشيش، برصاص مجهولين ضمن حادثتين منفصلتين خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي. وكان الشريف والحريري قد انضما إلى صفوف الأمن العسكري، إثر سيطرة قوات النظام على المحافظة في يوليو/تموز الماضي، وذلك بعد “تسوية أوضاعهما” ضمن الشروط التي وضعها النظام وحليفه الروسي.
ودفع الغليان الشعبي المتصاعد ما يسمّى بـ”رئيس شعبة المخابرات العسكرية”، اللواء محمد محلا، يوم الأحد الماضي، إلى زيارة بلدة طفس في ريف المحافظة. وأكدت مصادر إعلامية معارضة أن الزيارة كانت بدفع روسي عقب تصاعد موجة الشكاوى من تجاوزات قوات النظام بحق المدنيين، إضافة إلى مطالبات الأهالي المتكررة بمعرفة مصير أبنائهم المعتقلين في سجون النظام منذ سنوات، وذلك كما نصت اتفاقات “المصالحة” التي أشرف عليها الجانب الروسي منتصف العام الفائت، وأفضت إلى عودة النظام إلى أغلب مناطق المحافظة وخروج الرافضين للاتفاقات إلى الشمال السوري. ووفق المصادر نفسها، فإن محلا وعد الأهالي بالإفراج عن نحو 30 معتقلاً لدى جهاز الأمن العسكري، متجاهلاً عشرات المعتقلين في بقية الفروع الأمنية ومنها “المخابرات الجوية”، و”الأمن السياسي”. كما هاجم رجال الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) التابعين للمعارضة السورية ووصفهم بـ”الإرهابيين والعملاء”، مشيراً إلى أن نظامه لا يمكن أن يسامحهم. ورفض أهالي البلدة اتهامات محلا بحق رجال “الخوذ البيضاء”، مؤكدين أنهم كانوا يقومون بواجبهم الإنساني تجاه الجرحى والمصابين.
ويدرك النظام أن انتهاكات قواته وأجهزته الأمنية أدت إلى تصاعد حالة الاستياء والتململ في محافظة درعا، ما قد يدفع الموقف إلى ما هو أكثر من ذلك، وهو ما لا يريده في ظل محاولته تسويق فكرة انتصاره على المعارضة في جنوب سورية في أوساط مواليه.
كما أدّت سياسات النظام القائمة على الفتك والانتقام من المدنيين في محافظة درعا وجنوب سورية عموماً، إلى رفض عشرات آلاف المهجرين من هذا الجنوب وخصوصاً إلى الأردن، العودة إلى مناطقهم، رغم الوعود الروسية بتأمين الظروف المناسبة لذلك، والتي تؤكد المعطيات على الأرض أنها غير جدية، وأن النظام مطلق اليد في المحافظة المتاخمة للأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، متجاوزاً كل الاتفاقات التي من المفترض أن تمنع قواته من الدخول إلى العديد من مدن وبلدات درعا. وتؤكّد مصادر محلية مطلعة أنّ عدد العائدين إلى درعا من الأردن منذ سيطرة النظام على كامل المحافظة في نهايات العام الماضي، لا يتعدى 11 ألف مدني، مشيرةً في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “من المستبعد عودة اللاجئين مع استمرار النظام بسياساته، رغم الظروف الصعبة في المغتربات”.

العربي الجديد