جملة من البيانات والقرارات اتخذتها الأمم المتحدة حول «حزب الله» اللبناني، وهي تشير بطريقة أو بأخرى إلى موقف الأمم المتحدة، ونظرتها لطبيعة هذا الحزب وتهديداته لأوضاع المنطقة، سواء في لبنان أو سوريا أو اليمن وغيرها، وهذه البيانات والقرارات تبين أن الجهود الأمريكية تذهب إلى محاصرة «حزب الله» اللبناني، من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي أيضاً، وأنها تسير وفق خطة ممنهجة من قبل أمريكا، فأمريكا تبذل جهودها المباشرة لاستخدام هذا الحزب في مشاريع الفوضى الخلاقة في المنطقة، أو في محاصرته عن طريق فرض العقوبات الأمريكية المتوالية على شخصيات الحزب الكبيرة، السياسية والعسكرية والاقتصادية، وقد أضافت إليها ضغوطا على الدول الحليفة لها لمحاصرة «حزب الله» اللبناني، واعتباره تنظيماً إرهابياً، وقد بدأت أمريكا بالدول الكبرى الحليفة لها في مجلس الأمن وحلف الناتو، فأثمرت جهودها بإصدر بريطانيا قراراً باعتبار «حزب الله» تنظيماً ارهابياً بتاريخ 25 فبراير الماضي، بينما رفضت فرنسا ذلك حتى الآن، وإن كانت المواقف الفرنسية تؤول إلى النتائج نفسها بمطالبتها الدولة اللبنانية بالسيطرة على كامل ترابها وتوحيد سلاحها.
المطالبة الأخيرة التي صدرت عن ممثل الأمم المتحدة، هي بتعزيز تواجد الجيش اللبناني في الجنوب، جاء ذلك خلال زيارة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيار لاكروا إلى لبنان والتقائه بالرئيس اللبناني العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، وأكد لاكروا خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين التزام الأمم المتحدة بتطبيق القرار 1701، وأكد استمرار التدريب والقوة المشتركة الموجودة في الجنوب، بينما كان دور الدولة اللبنانية التأكيد على أن الممانعة الحقيقية ضد ترسيم الحدود الجنوبية هي من الجانب الإسرائيلي.
أمريكا تبذل جهودها المباشرة لاستخدام حزب الله في مشاريع الفوضى الخلاقة في المنطقة
وقبل هذه الزيارة الأممية بشهر تقريبا صدر عن مجلس الأمن بيان من أعضاء مجلس الأمن يدعو لبنان إلى نزع سلاح جميع الفصائل على أراضيه، واهتم البيان بالتأكيد على أن «القوات المسلحة اللبنانية هي القوات الشرعية الوحيدة في البلاد، كما هو وارد في الدستور واتفاق الطائف (1989)»، وأعاد أعضاء مجلس الأمن في البيان: «التأكيد على دعمهم القوي لاستقرار لبنان وأمنه وسيادته واستقلاله السياسي، وفقا لقرارات المجلس 1701 (2006) و1680 (2006) و1559 (2004) و2433 (2018)»، ودعا بيان مجلس الأمن «جميع الأطراف اللبنانية إلى تنفيذ سياسة النأي بالنفس عن أي نزاعات خارجية، كأولوية مهمة، كما وردت في إعلان بعبدا عام 2012». ومطالبة البيان جميع الأطراف اللبنانية إلى تنفيذ سياسة النأي بالنفس عن أي نزاعات خارجية موجه بالدرجة الأولى وربما الأخيرة إلى «حزب الله» اللبناني، فهو الحزب اللبناني الوحيد الذي يعلن عن مشاركته في الحرب الطائفية في سوريا بالحجة نفسها التي تستعملها إيران بدعوى محاربة الإرهاب، بينما الإرهاب الذي مارسه حزب الله اللبناني في سوريا أكثر إجراماً بحق الشعب السوري من غيره من التنظيمات الإرهابية، بحسب شهادات أبناء الشعب السوري، وبدليل الشهادة التي تقدمت الحكومة البريطانية عند إصدار قرارهم باعتبار «حزب الله» اللبناني تنظيماً إرهابياً، بقول وزير الداخلية البريطاني: «إن الحزب يواصل محاولاته لزعزعة الوضع الهش في الشرق الأوسط، ولم نعد قادرين على التمييز بين الجناح العسكري والحزب السياسي». فهذه شهادة دولية لا تصدر بصورة مزاجية، وإنما بدعم من أجهزة استخباراتية في بريطانيا أولاً، وهي تدرك أن وراء قرارها موقف دولي من عمل على مستوى السياسة الدولية ثانيا، فمحاصرة «حزب الله» اللبناني هو جزء من محاصرة إيران وحكومة الملالي فيها، والحكومات التي تقوم بمحاصرة «حزب الله» اللبناني عربياً وإسلامياً ودولياً، أصبحت الآن قادرة على حصد نتائج المجازر والجرائم الإيرانية وميليشياتها في المنطقة، ويرون أن دول العالم الإسلامي وشعوبه أصبحت مهيأة نفسياً لقبول حرب دولية توقف عدوان وجرائم النظام الإيراني وتوابعه الطائفية المسلحة في المنطقة، وفي تقديرهم أن الشعب اللبناني قبل غيره لن يتضامن مع الحزب الذي فرض إرادته أو جبروته على انتخاب رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، بعد تعطيل طويل للمنصبين، فالشعب اللبناني يدرك أنه فاقد لسيادته وقراراه السياسي لصالح النظام الإيراني المضطرب.
وقد يكون لبنان البلد الوحيد في المنطقة الذي بقي خارج التحالف الدولي ضد إيران، وقاطع مؤتمر وارسو منتصف الشهر الماضي، وربما كان ذلك على قاعدة النأي بالنفس، الذي قررته حكومته اللبنانية التي يهيمن عليها «حزب الله»، وإذا كان القرار الأمريكي لمحاصرة إيران يقضي بتجنيب لبنان ضربات عسكرية أمريكية في الوقت الحالي، فإن الحكومة الإسرائيلية تتولى ذلك لحين تأمين قرار دولي بذلك، فالقصف الجوي الإسرائيلي أصبح اليوم على تفاهم سري أو علني مع روسيا، بضرورة إضعاف «حزب الله» اللبناني في سوريا، وهو ما فرض على حزب الله اللبناني سحب بعض قواته بضغوط سياسية أولاً، مارستها روسيا ضد إيران وبشار الأسد، وتحت التهديد العسكري الاسرائيلي ثانياً، وهذا التأثير كشف عن نوع من التنافس أو الصراع بين روسيا وإيران في سوريا أولاً، وأن سلوك إيران الطائفي والاستعماري لا يرضي روسيا ثانيا، وبالأخص في مرحلة ترتيب الحلول السياسية والمكاسب الاقتصادية، وقد بلغ التنافس بينهما أن يأتي قاسم سليماني ببشار الأسد إلى إيران ليمثل أمام خامنئي متعهدا بمنع روسيا من تقييد نفوذها في سوريا، فكلا الاحتلالين الإيراني والروسي يدعيان انهما جاءا بطلب من النظام السوري، ويراهنان على بشار الأسد أن يمنحهما مكاسب مقابل خسائرهما العسكرية والبشرية في سوريا.
إن «حزب الله» اللبناني يدرك خطورة مستقبله في سوريا أولاً، وفي لبنان ثانياً، لأن العقوبات المفروضة عليه وعلى ولي أمره في إيران ستزيد من معاناته وحصاره، وهو يتجنب استفزاز الجيش الإسرائيلي حتى لا يدخل في مواجهة تكون فيها الذريعة للضربة الاسرائيلية مشرعنة دوليا، وحاول في السنوات الأخيرة إدخال انفه بكل صغيرة وكبيرة في لبنان، حتى تكون المواجهة بين إسرائيل ولبنان كله وليس مع الحزب فقط، ولكنه لا يستطيع أن ينجح في ذلك حتى لو استخدم فزاعة «الحرب على الفساد»، فهذه الفزاعة أحد أسلحة «حزب الله» اللبناني لإسكات معارضيه أو المتحالفين مع المجتمع الدولي في حصاره، أو إظهار نفسه حزبا اجتماعيا وعادلاً لإعادة كسب ثقة الناس، وبالأخص أنه يدرك أنه في حصاره المقبل سيكون محاصرا عن طريق مجلس الأمن لأكثر من هدف، من أولها وأهمها تجريده من أسلحته الصاروخية الباليستية، وتحويله رغما عنه إلى حزب سياسي اجتماعي مدني. إن الجهود الدولية اليوم تسعى لإيصال «حزب الله» اللبناني لهذه المرحلة من المواجهة مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومحاولة إصدار قرارات دولية لتدمير أسلحته بإشراف دولي، وليس بمستبعد أن تقف روسيا في مجلس الأمن على الحياد، حفاظا على مصالحها في سوريا، وفي المنطقة إذا اطمأنت أنها ليست بحاجة لإيران ولا ميليشياته المسلحة في سوريا.
القدس العربي