بغداد – تراجع الجدل قليلا بشأن مساعي إخراج القوات الأميركية من العراق، وسط أنباء عن فشل الجهود التي تقودها أطراف سياسية مقربة من إيران لحشد تأييد يكفي لإصدار قرار برلماني يحسم هذا الملف، خاصة بعد تراجع الحماس لدى شخصيات عرفت بعدائها لبقاء الأميركيين مثل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكذلك الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
ومنح هذا التصدع جبهة “أصدقاء واشنطن” في بغداد فرصة للمجاهرة بموقفها، خاصة أنها تضم الرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، الذي يدعم بقاء القوات الأميركية ولو بشكل سري، فضلا عن مجموعات سنية وكردية.
وطيلة الأسابيع الماضية، هيمنت النقاشات المتعلقة بهذا الملف على الأجواء السياسية في العراق، ما دفع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للتلميح إلى خشية واشنطن من أن يتخذ البرلمان العراقي موقفا مساندا لجهود إخراج القوات الأميركية من البلاد.
لكن المعلومات المسرّبة من الكواليس، تشير إلى أن جهود حلفاء إيران لتشريع قانون يلزم الحكومة العراقية بالطلب من القوات الأجنبية مغادرة البلاد، لا تلقى حماسا من لدن الأطراف السياسية المؤثرة.
وفي هذا السياق، تقول مصادر مطلعة، إن تحالف “الفتح” البرلماني، الذي يتزعمه هادي العامري المقرب من إيران، لم يحصل على وعود واضحة من الكتل البرلمانية الرئيسية بشأن دعم جهوده لتشريع قانون لإخراج القوات الأميركية من العراق.
وبحسب المصادر، فإن هذا المشروع لم يثر اهتمام تحالف “سائرون”، الذي يرعاه مقتدى الصدر، ولا الأطراف البرلمانية السنية، فيما واجهته الأحزاب الكردية برفض قاطع.
وحاول تحالف الفتح إقناع رئاسة البرلمان بتثبيت فقرة تتعلق بمناقشة مستقبل الوجود العسكري الأجنبي في العراق، ضمن جدول أعمال إحدى الجلسات، لكن جهوده لم تفلح.
وتخلى التحالف عن فكرة تشريع قانون جديد في هذا الشأن، لصالح استصدار قرار برلماني يطلب من الحكومة مناقشة هذا الملف، لكنه اصطدم برفض جديد.
واللافت أن التحالف فشل في إقناع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي بدعم جهوده البرلمانية، بالرغم من أن المالكي شخصيا بنى سمعته السياسية على تبنيه، عندما كان رئيسا للوزراء، مفاوضات طويلة مع واشنطن قادت إلى انسحاب الولايات المتحدة من العراق العام 2011.
وشجعت هذه الأجواء الأطراف العراقية الصديقة للولايات المتحدة للتعبير عن موقفها الذي يؤكد حاجة البلاد إلى بقاء القوات الأميركية حاليا.
وبالرغم من أن رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي يتجنب الخوض في هذا الملف علنا، فإن المؤشرات تؤكد معارضته لتشريع أي قانون ضد الوجود العسكري الأجنبي في البلاد.
لكن الموقف الأكثر جلاء جاء على لسان رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي أعلن صراحة أن “العراق يحتاج إلى مساعدة نشطة من واشنطن في المرحلة المقبلة”، مطالبا بإرجاء سحب القوات الأميركية من بلاده.
وقال صالح خلال مقابلة أخيرة مع صحيفة واشنطن بوست إن “العراق ما زال يكافح من أجل التعافي من تركة 40 عاما من الحروب والصراع الداخلي، ولقد مرّ عام واحد على تمكن القوات العراقية من استعادة الأراضي التي كانت خاضعة لتنظيم داعش، ومع ذلك فإن مدينة مثل الموصل ما زالت تعاني من الدمار”.
وعبر الرئيس العراقي عن رغبته في “رؤية الأميركيين نشطين” في تحديد مصير بلاده، “من خلال الاستثمار والتعليم والمساعدة الإنمائية”، مؤكدا أن العراق يحتاج إلى إرجاء موعد سحب القوات الأميركية. وختم بالقول إن “الولايات المتحدة يمكن أن تساعد العراق، ونحن نقدر مساعدتها”.
ولكن المصادر تؤكد أن تحالف الفتح لن يتخلى بسهولة عن مشروعه بشأن إخراج القوات الأميركية من البلاد.
وتشير الخارطة السياسية العراقية إلى تحسب معظم الأطراف الرئيسية من اتخاذ موقف عدائي ضد الولايات المتحدة، بناء على حسابات مختلفة. وبينما يرتبط الأكراد بتحالف وثيق مع الولايات المتحدة، ينظر السنة العراقيون إلى الوجود العسكري الأميركي بوصفه ضامنا ضد أي تغول سياسي شيعي. ويمكن حاليا مشاهدة الأرتال العسكرية الأميركية وهي تتجول في مناطق عدة من محافظة الأنبار، معقل السنة الأبرز في العراق، بعدما كانت تلقى هناك معاملة عدائية شرسة.
وعلى المستوى السياسي الشيعي، ينظر إلى عادل عبدالمهدي بوصفه صديقا قديما للغرب والولايات المتحدة، لكنه يتجنب الظهور بهذه الصورة أمام الرأي العام. وبينما يؤكد زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم أن ملف الوجود العسكري الأميركي يجب أن يترك إلى الحكومة كليا، تخلى الزعيم الشيعي العنيد مقتدى الصدر منذ أشهر عن الخطاب التصعيدي الذي عرف به ضد الولايات المتحدة، بوصفها “دولة احتلال”.
ويعتقد المراقبون أن هذا الوضع يكفي لضمان حماية عراقية سياسية في المدى المنظور للوجود العسكري الأميركي في البلاد، فيما يترقب حلفاء إيران أي فرصة لتحريك هذا الملف.
العرب