قراءة مستقبل “بريكست” باتت “كقراءة الكف والتنجيم”، هكذا يعلق كثير من البريطانيين في مداخلات عبر وسائل الإعلام المحلية المرئية والمسموعة، فهم يرون أن بلادهم دخلت نفقا لا تبدو له نهاية.
ومع التعثر المستمر وإخفاق سياسيي بلادهم في الاتفاق، باتوا يعتبرون أن ما يجري أمر لا يطاق، وأنهم ربما يصحون يوما ليجدوا أنفسهم خارج الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يواصل فيه السياسيون ما أسموه بـ “لعبة القط والفأر”.
ورغم المؤشرات التي تشي بموافقة الاتحاد الأوروبي على تمديد موعد البريكست، يبقى السؤال: ماذا لو خرجت بريطانيا من الاتحاد دون اتفاق؟
الناتج الإجمالي
ويكاد يسود إجماع بين بنك إنجلترا والمؤسسات الاقتصادية الدولية المختلفة ووزارة الخزانة الأميركية بأن الناتج الإجمالي المحلي للبلاد سوف يتضرر جراء الانسحاب دون اتفاق.
كما سيكتنف الغموض تنقل الأفراد والبضائع وفرض رسوم جمركية على البضائع القادمة من بريطانيا وبالعكس، مع احتمالات أن تقرر بعض الشركات الدولية الخروج من المملكة المتحدة لتجنب هذه التعريفات.
إضافة لتلك الانعكاسات الاقتصادية تثار كذلك مخاوف سياسية أخرى، فالخروج دون اتفاق يعني أن إيرلندا الشمالية التي هي جزء من المملكة المتحدة سيكون مطلوبا منها إغلاق حدودها مع جمهورية إيرلندا المستقلة التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي، وفي هذا نسف لاتفاقية الجمعة العظيمة عام 1998 التي أنهت الحرب بين بريطانيا وإيرلندا.
وفي حديثه للجزيرة، أجمل أستاذ الاقتصاد السياسي الدكتور ناصر قلاون هذه الأضرار، إذ يرى أن الانعكاسات المباشرة للخروج دون اتفاق تتمثل في تأخير عقد اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي لمدة عقد من الزمن، مع تحطيم جسور الثقة المبنية منذ عام 1975.
التيار المتشدد
كما يرى قلاون في حديثه للجزيرة نت أن خروج بريطانيا سيضاعف من نمو التيار المتشدد في أوروبا، الذي تبنى ودعم مشروع انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، ويذكي هذا التيار النزعة الإثنية والقومية، وهو غير مؤمن بالانفتاح على الآخر.
أما من الناحية الاقتصادية، حسب الخبير، فإن الخروج دون اتفاق يعني أولا إقفال الباب فورا أمام السلع والبضائع البريطانية حتى تدفع رسوم دولة ثالثة، فعلى سبيل المثال فإن السيارة المصنوعة في بريطانيا سيضاف عليها رسوم 10% في فرنسا مثل السيارة اليابانية.
كما يعني أيضا الخروج دون اتفاق أنه يمكن عرقلة السلاسل الصناعية المشتركة، حيث سيحجم الشركاء الأوروبيون عن إدخال الشركات البريطانية في تصنيع الآلات والمعدات التي تحتاج عمليات تصنيع في أكثر من بلد.
وثالث الأضرار الاقتصادية بحسب قلاون، يبرز في سن الاتحاد قوانين ضريبية على تعاملات البنوك والدين العام مما يكبد القطاع المالي البريطاني خسائر كبيرة، حتى وإن كانت الضريبة 0.02% فقط حيث إن الصرف الأجنبي وإقراض البنوك لبعضها يقدر بنحو خمسة تريليونات يورو يوميا.
انعكاسات قانونية
وإضافة للانعكاسات السياسية والاقتصادية السالفة الذكر، يخشى قانونيون من أن تكون هناك انعكاسات أخرى قانونية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تتمثل في تحللها من سطوة المحكمة الأوروبية والقوانين الأوروبية المتعلقة بالهجرة واللجوء، وبالتالي سيكون بإمكان بريطانيا إغلاق الحدود بالكامل أمام اللاجئين، والتوقف عن استقبالهم ومنحهم الجنسية البريطانية.
وفي تعليقه على هذه الزاوية، يرى المستشار القانوني على القدومي أن الخروج دون اتفاق سيترتب عليه تصعيب وتعقيد عمليتي الهجرة واللجوء إلى بريطانيا، وتشديد القوانين على كل من يفكر بالهجرة إليها، كما ستستحدث قيود على انتقال الأيدي العاملة، لذا فإن العمال الحاليين سيجدون أنفسهم في مواجهة وضع غير واضح قانونيا.
ودلل القدومي على هذا التوجه بتغيير الحكومة البريطانية بعض قوانين الهجرة منذ بداية هذا الشهر، حيث ألغت دائرة الهجرة بند الاستثمار الذي كان يتطلب استثمار 200 ألف جنيه إسترليني واستبدلته ببنود أصعب فيها مراقبة نشاط المستثمر على مدى سنتين من قبل هيئة منفصلة عن وزارة الداخلية.
كما يرى المستشار القانوني أنه نتيجة للخروج دون اتفاق فإن بريطانيا التي كانت وجهة للكثيرين من المهاجرين النظاميين وغيرهم لن تكون بعد ذلك مقصدا لهم، كما لن يتمكن من وصل إليها طالبا اللجوء من الاحتكام للمحكمة الأوروبية التي لن تكون لها ولاية على بريطانيا.
ومؤخرا كشف استطلاع لمركز “يوغوف” الشهير لاستطلاعات الرأي في الرابع من إبريل أن سكان مناطق إنجلترا وويلز، باستثناء مدينة لندن، ليس لديهم مشكلة ويفضلون الخروج دون اتفاق في حال عدم التوصل لاتفاق.
المصدر : الجزيرة