داخل متجره المخصص لبيع الملابس الجاهزة في قلب العاصمة تونس يمسك محمد الهادي الشريف التاجر الخمسيني آلة حاسبة ثم يشرع في جرد مفصل لإيراداته ونفقاته محدقا تارة في الأرقام التي تظهر على الآلة، وطورا في حزمة من الأوراق والفواتير أمامه.
ولا يخفي التاجر حيرته إزاء تضاؤل أرباحه والمخاوف التي تعتريه وعددا كبيرا من صغار التجار من تعرض نشاطهم لصعوبات مالية جراء إثقال كاهلهم بالضرائب التي يدفعونها للدولة التي عمدت السلطات إلى الزيادة فيها بشكل مجحف، على حد قوله.
يقول محمد الهادي للجزيرة نت “رغم أننا لا نتأخر في الذهاب تلقائيا لإدارة الجمارك لأداء الضرائب المستوجبة علينا فإن الحكومة تواصل فرض زيادات مجحفة ومتكررة في الضريبة، مما يهدد نشاطنا ويعمق الصعوبات الاقتصادية التي نعيشها منذ 2011 نتيجة تراجع الإيرادات، نحن ندفع باهظا ثمن تهرب رؤوس الأموال الكبرى من دفع الضرائب”.
يواظب المتحدث على دفع المبالغ التي يحددها قانون الجباية، لكنه يتهم السلطات بفرض زيادات في نسبة الضريبة الواجبة على الأجراء وصغار التجار بهدف تغطية عجزها عن ملاحقة كبار المتهربين، وفشلها في مكافحة ظاهرة التهرب الضريبي الذي ارتفعت معدلاته في تونس في العام 2019 وصارت تمثل أكبر خطر يهدد اقتصاد البلاد ويؤثر سلبا على الميزان التجاري وحجم الاستثمارات الخارجية.
معركة التهرب الضريبي
أفرز قانون المالية في تونس للعام الجاري احتجاجات عارمة من قبل الأجراء وصغار التجار وأصحاب المشاريع الصغرى والمتوسطة ممن يتهمون الدولة باللجوء إلى اقتطاع مساهمات من مداخيلهم بعنوان الضريبة على الدخل لتغطية عجز الميزانية وتعويض المبالغ الضخمة للتهرب الضريبي.
وفي بلد لا يزال يعيش وقع إرهاصات ثورة 14 يناير 2011 وما تلاها من وهن اقتصادي وتراجع في الميزان التجاري نتيجة تعطل مسالك الإنتاج، ارتفعت نسبة التهرب الضريبي في تونس، وأصبحت سببا أول في ارتفاع التضخم المالي وضعف المقدرة الشرائية وتآكل الطبقة الوسطى وتراجع فرص التوظيف واللجوء إلى الاقتراض الخارجي.
ويرى عضو البرلمان فاضل بن عمران أن الحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد تعد المسؤولة الأولى عن تزايد معدلات التهرب الضريبي من خلال عجزها عن تطبيق الإجراءات القانونية التي تم سنها لتقليص العبء الجبائي.
ويعتقد المتحدث أن المنظومة الجبائية في تونس تشكو من اختلالات عدة، بما في ذلك تعدد النصوص القانونية التي فاق عددها خمسمئة إجراء ضريبي منذ عام 2011 دون أن تساهم تلك الإجراءات في الحد من ظاهرة التهرب.
وقال بن عمران -وهو الرئيس السابق لكتلة حزب نداء تونس- “تراجع أداء المؤسسات الكبرى ومحركات الاقتصاد دفع الحكومة إلى تسليط قوانين جبائية تبدو مجحفة على الأجراء الذين يشكلون الطبقة الوسطى، وهي طبقة في طريقها للتآكل نتيجة إثقالها بالضرائب والاقتطاع من الأجور حتى تستعيد الدولة توازنها المالي وتقلص حدة الدين الخارجي”.
وتجاوزت نسبة الضغط الجبائي في تونس 23% في العام الحالي بعد أن كانت في حدود 19% في عام 2010، مما يجعل البلاد تحتل مراتب أولى في التهرب الضريبي في القارة الأفريقية، بحسب بن عمران.
دور التجارة الموازية
وبخصوص الحلول الممكنة للحد من انعكاسات التهرب الضريبي على قطاعات التوظيف والتنمية والخدمات، أكد عضو البرلمان أن الحكومة مطالبة بتدريب مراقبين في هياكل المالية والجباية، وتوزيعهم على المؤسسات، لرصد التجاوزات ودفع المتهربين إلى تسوية وضعياتهم بزجرية القانون، على حد قوله.
وتضم مصالح الضرائب -بحسب تقارير رسمية- ما يناهز 1600 مراقب، غير أن أربعمئة منهم فقط يجرون عمليات تفقد ميدانية للضرائب، ما يجعل أغلب المؤسسات الاقتصادية غير خاضعة للمراقبة الجبائية.
ولا يستبعد المتحدث أن يكون اعتماد مستشارين متخصصين في المالية داخل الحكومة عاملا إضافيا في التهرب الضريبي، إذ إن التداخل في المهام بين أجهزة الحكومة وهياكل وزارة المالية قد شتت الجهود المبذولة للحد من الظاهرة.
ويرى خبراء في الاقتصاد والمالية أن ظاهرة التجارة الموازية ساهمت بدورها في ارتفاع نسبة التهرب الضريبي، والتي تستحوذ بحسب الخبراء على 53% من التجارة المحلية.
وتدفع التجارة الموازية التي لا تخضع لإجراءات الجباية نحو تهرب الكثير من المؤسسات التجارية بتسوية خلافاتها الضريبية مع الدولة تحت ذريعة تحقيق العدالة الجبائية.
وأعلنت تونس مطلع العام الحالي خطة شاملة للحد من التهرب الضريبي الذي بلغت قيمته منذ 2011 نحو 25 مليار دينار (ما يناهز 8.3 مليارات دولار)، وفق مستشار رئيس الحكومة التونسية المكلف بالإصلاحات الجبائية فيصل دربال.
وقال دربال في تصريحات لوسائل الإعلام خلال فبراير/شباط الماضي إن الحكومة تسعى إلى تكثيف المراقبة الجبائية، وتوقع أن تحقق الإيرادات الضريبية 27 مليار دينار تونسي (نحو تسعة مليارات دولار) في العام 2019، مما سيساهم -وفق تقديره- في تمويل الميزانية العامة للسنة الحالية والمقدرة بنحو 41 مليار دينار (ما يقارب 13.6 مليار دولار).
المصدر : الجزيرة