الحملة على الزعيم الدرزي وليد جنبلاط تتواصل وسط صمت الحلفاء، ما يكرس قناعة الأخير بوجود مخطط لتحجيم نفوذه داخل المنظومتين السياسية والمذهبية، وأن الخيار الوحيد أمامه يبقى المواجهة، حيث أن التراجع سيكون مكلفا.
بيروت – طغى النقاش بشأن مواقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الأخيرة، سواء تلك المتعلقة بمزارع شبعا أو إعادة التصويب على سلاح حزب الله من خلال تذكيره بـ“إعلان بعبدا”، على باقي الملفات الساخنة في لبنان وفي مقدمتها الموازنة العامة لسنة 2019، والتي بدأ مجلس الوزراء مناقشتها الثلاثاء قبل إرسالها إلى مجلس النواب.
وتقول دوائر سياسية إن مواقف جنبلاط التي اعتبرها البعض تصعيدية تجاه حزب الله وحلفائه نجحت في تحريك المياه الراكدة، وأعادت تسليط الضوء على ملفين جوهريين وهما سلاح الحزب وموضوع ترسيم الحدود، وربما هذا السبب في ردات فعل البعض الذي لم يلتزم بأي ضوابط في هجومه على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، حتى أن هناك من دعا إلى توجيه تهمة “الخيانة العظمى” لجنبلاط، على غرار الوزير السابق نيقولا فتوش.
وقال فتوش في مؤتمر صحافي “بالأمس خرق أحد المسؤولين الدستور، حيث أقر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بأن مزارع شبعا ليست لبنانية وهو بذلك ارتكب جرمين؛ الاعتداء على الدستور وارتكاب الخيانة العظمى”.
وكان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي قد صرح مؤخرا بأن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا غير لبنانية وأن ملكية اللبنانيين للأراضي فيها شيء، والسيادة السورية عليها شيء آخر.
وتقول الدوائر السياسية إن تصريحات الوزير نيقولا فتوش الخطيرة لا تخلو من مسحة تحريضية ذات أبعاد انتقامية، على خلفية قرار وزير الصناعة وائل أبوفاعور المنتمي للحزب التقدمي الاشتراكي، إلغاء ترخيص معمل للإسمنت يملكه شقيقه بيار فتوش في منطقة عين دارة في محافظة جبل لبنان، كان منحه إياه الوزير السابق المنتمي لحزب الله حسين الحاج حسن.
وتضيف هذه الدوائر أن خلفيات عديدة تقف خلف الهجوم المتصاعد على جنبلاط فإلى جانب كون المهاجمين من الحلقة المحسوبة على حزب الله، فإن هناك أغراضا سياسية ومصلحية ضيقة تحرك هؤلاء.
وكما هو متوقع تصدر كل من رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان ورئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب جوقة مهاجمي جنبلاط.
وصرح أرسلان في تغريدة على “تويتر” الثلاثاء “لا يجوز التطاول على المحرمات في البلد، كما أن حريّة التعبير لها حدود ومواضيع سياسية محدّدة، ومن غير المقبول أن يوزع كل من أراد الأراضي اللبنانية حسب المزاج الشخصي وحسب أهوائه وارتباطاته الشخصية”.
لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لا تحتاج لفتح جدل حولها في البلد، ولا يجوز السماح بالأخذ والردّ بهذا الموضوع الذي هو من المسلمات الوطنية والسيادية لدولتنا ولهويتنا..
ولا يجوز التطاول على المحرمات في البلد، كما وحريّة التعبير لها حدود ومواضيع سياسية محدّدة…
بدوره وجه وهاب رسالة لجنبلاط قال فيها “أهداك الشيعة ثلاثة مقاعد بضغط من نبيه بري. وتعهد مع الحزب بأنه يضمن موقفك فهل سيتحمل الغدر به عبر مزارع شبعا؟ إلا بري يا ذكي..”.
وأضاف “لولا الضغط الشيعي في الانتخابات لكان لفريقنا 4 نواب ولجنبلاط 4 نواب دروز، فهل صدرت أوامر الانقلاب في هذا التوقيت وهل يتحمل الدروز عبء هكذا مواجهة؟”.
ويرجح مراقبون أن تتواصل الحملة على الزعيم الدرزي في ظل صمت الحلفاء، ما يعزز قناعة المختارة بأن مخطط استهداف موقعه داخل المنظومة السياسية وأيضا المذهبية، جار على قدم وساق، وأن لا خيار أمامه سوى الاستمرار في المواجهة على قاعدة “خير وسيلة للدفاع الهجوم”.
وكان جنبلاط الذي التزم على مدار السنوات الأخيرة سياسة ضبط النفس حيال العملية الممنهجة لإضعافه سياسيا ومذهبيا والتي بدأت مع تغيير القانون الانتخابي وصولا إلى ضرب أحادية تمثيله للدروز في مجلس الوزراء، قد قرر مغادرة مربع الصمت مطلقا سلسلة من المواقف كان أشدها وطأة تلك التي انتقد فيها هيمنة “قوى الممانعة” على لبنان في إشارة إلى القرار القضائي الصادر عن مجلس الشورى والذي ألغى فيه قرار وزير الصناعة وائل أبوفاعور بشأن مصنع عين دارة.
وفي تغريدة له تطرق فيها لهذا القرار الذي عده تكريسا لواقع سيطرة “محور الممانعة”، في إشارة إلى حزب الله غمز جنبلاط لسلاح الحزب عبر إعادة التذكير بإعلان بعبدا الذي تم التوصل إليه في حوار وطني العام 2012، ونص إلى جانب وجوب النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، على فتح باب النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية للبنان، وهذا بالنسبة لحزب الله من الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها.
وواصل جنبلاط سلسلة مواقفه المثيرة من خلال دحض لبنانية مزارع شبعا في حديث تلفزيوني متهما ضباطا لبنانيين وسورييين بتحريف الخرائط.
ومعلوم أن حزب الله يتخذ من الدفاع على لبنانية مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل منذ 1967 إحدى الذرائع للإبقاء على سلاحه، وبالتالي فإن الحزب ينظر إلى كلام جنبلاط على أنه تجاوز خطير قد تعقبه خطوات أكثر جرأة من قبل الزعيم الدرزي.
وفي مقابل ذلك يرى محللون أن ما جاء به جنبلاط ليس جديدا، وهو أمر واقع بالنسبة للمجتمع الدولي ذلك أن مزارع شبعا مسجلة في خرائط الأمم المتحدة كجزء من الجولان السوري المحتل. ويقول مقربون من الحزب التقدمي الاشتراكي إن الحملة الموجهة ضد جنبلاط، تحتوي على مغالطة كبيرة للرأي العام المحلي، وأن القوى والشخصيات التي تتعمد تشويه مواقف الزعيم الدرزي كان الأولى بها مطالبة الحليف السوري بتأكيد لبنانية هذه المزارع رسميا.
وسبق أن أكد مسؤولون من النظام السوري خلال السنوات الماضية بينهم وزير الخارجية وليد المعلم أن مزارع شبعا هي أراض لبنانية، بيد أن دمشق لا تزال تماطل حتى الآن في تقديم الأدلة التي بحوزتها للأمم المتحدة.
ويقول المقربون من الحزب الاشتراكي إن القوى والشخصيات التي تشن حملة شعواء على جنبلاط هي ذاتها التي تتردد بشكل دوري على العاصمة السورية، متسائلين أليس الأجدر بهم أن يطالبوا دمشق بتثبيت لبنانية المزارع، خاصة وأن من بين هؤلاء من يشارك في حرب منذ العام 2013، دفاعا عن نظام بشار الأسد؟ ويشير هؤلاء إلى أن أكثر ما هو مؤلم بالنسبة لجنبلاط هو موقف الحلفاء الذين يلتزمون الصمت حيال ما يتعرض له التقدمي الاشتراكي من عمليات تشويه وتخوين، والتي يتوقع أن تتسع رقعتها.
وانضم الثلاثاء وزير الدفاع المقرب من الرئيس ميشال عون، للحملة الموجهة ضد الزعيم الدرزي، وقال إلياس أبوصعب في رسالة لجنبلاط إن مزارع شبعا وكفرشوبا لبنانية، مذكرا بسقوط قتلى في صفوف الجيش دفاعا عن الأرض.
وسبق أن صرح أبوصعب قبل أيام بأنه لا يمكن طرح مناقشة الاستراتيجية الدفاعية في وجود التهديد الإسرائيلي، فيما بدا ردا غير مباشر على جنبلاط.
ويقول مراقبون إن مواقف أبوصعب تعبر في واقع الأمر عن موقف رئيس الجمهورية المنحاز للحليف حزب الله.
العرب