عاد ملف التنقيب عن النفط والغاز في الأنبار غرب العراق، إلى التداول من جديد عقب اتفاقيات وقعها العراق والسعودية في هذا الصدد، وبعد الكشف عن حقول ومكامن جديدة للنفط والغاز ومعادن أخرى في المحافظة العراقية، اضافة إلى دعوات لاستثمار خيراتها لإعادة إعمار المدن المدمرة وتحسين الأوضاع الاقتصادية المنهارة فيها.
ففي ضوء تطور العلاقات العراقية السعودية وتبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين مؤخرا، أعلن وزير النفط العراقي ثامر الغضبان، أن شركة النفط السعودية العملاقة “أرامكو” ستساعد العراق في استكشاف الغاز، مشيرا إلى أن” خطط وبرامج الوزارة في السنوات الأربع المقبلة تستهدف نشاطا استكشافيا واسعا في الصحراء الغربية لما تحتوي في باطنها من احتياطيات واعدة وكبيرة من النفط والغاز”. وأكد خلال مشاركته في مؤتمر لنقابة الجيولوجيين العراقيين ان “العراق شهد في السنوات الأخيرة العديد من الاستكشافات والتي أثبتت وجود النفط والغاز بكميات كبيرة ما أدى إلى زيادة الاحتياطي.
وتتزامن تصريحات الوزير العراقي مع ضغوط أمريكية كبيرة على الحكومة العراقية للتوقف عن استيراد الغاز الإيراني، والبحث عن بدائل محلية أو من الدول العربية، وذلك في إطار العقوبات المتصاعدة على إيران.
وتشير تقارير الطاقة الأمريكية، إلى أن العراق يحتل المرتبة العاشرة على مستوى العالم من حيث الاحتياطات المؤكدة من الغاز الطبيعي المصاحب والغاز المنفرد، حيث يقدر الاحتياطي من الغاز بـ137 ترليون قدم مكعبة، غالبيتها من الغاز المصاحب للنفط الخام.
اكتشافات واعدة
وقد أعلنت الحكومة المحلية في محافظة الأنبار (120 كم غرب العراق) عن اكتشافات نفطية جديدة فيها.
حيث صرح نائب رئيس مجلس المحافظة، سعدون الشعلان، مؤخرا عن اكتشاف حقل جديد يحتوي احتياطيات ضخمة من النفط الخام والغاز ضمن حدود الأنبار.
وذكر الشعلان في تصريحات صحافية إن “القدرات والخبرات العراقية قد كشفت عن حقل في محافظة الأنبار، يتوقع أنه يحتوي على مخزون كبير، وسيكون له دور كبير في دفع المحافظة لأن تكون من المناطق النفطية الكبيرة” مشيرا إلى وجود حقلي “عكاس” و”الروشة” وحقول أخرى منتظر اكتشافها في إطار جولة التراخيص الرابعة لاستثمار الرقع الاستكشافية في العراق.
وسبق لرئيس الجمهورية برهم صالح أن أعلن عندما كان نائبا لرئيس الوزراء، عن اكتشاف حقل نفطي عملاق في المنطقة الغربية قرب الحدود السورية أطلق عليه اسم “عكاس”.
إلا أن التقديرات الدولية الأخيرة عن اكتشافات النفط والغاز في الأنبار، حسمت النقاش حول وجود الثروة النفطية فيها. إذ كشفت دراسة أعدتها مؤسسة “IHS” الاستشارية الأمريكية المتخصصة في مجال الطاقة، أن التقديرات الحالية لاحتياطيات النفط العراقي قد تتضاعف مع وجود مخزون هائل يفوق 100 مليار برميل تحت رمال صحراء الأنبار التي تمتد حتى الحدود مع سوريا. وتوقعت الدراسة أن تتمكن بغداد من مضاعفة طاقتها الإنتاجية، وان تحوّل تلك الكميات العراق إلى أحد أكبر مصدّري النفط في العالم، جاذباً إليه أهم الشركات الدولية في هذا القطاع، عند حصول الاستقرار الأمني فيه.
وسترفع الاكتشافات النفطية الجديدة الاحتياطي النفطي الثابت في العراق من 115 مليار برميل إلى 215 مليار برميل، وبذا فإن العراق سيتخطى إيران ليصبح صاحب ثاني أكبر ثروة نفطية بعد السعودية، علما بأن الإنتاج النفطي الحالي للعراق يقترب من نحو أربعة ملايين برميل شهريا، مع توفر امكانيات لزيادة هذا الإنتاج عند الحاجة.
وإضافة إلى المخزون النفطي، تضم الأنبار نحو 53 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، وكميات كبيرة من الثروات المعدنية العديدة، وفق مسح أجرته هيئة المسح الجيولوجي العراقية، ومعلومات دقيقة أكدت وجود مناجم ضخمة للمعادن في المحافظة منها اليورانيوم، والمنغنيز والحديد والذهب والفضة والزئبق الأحمر والكبريت الحر، فضلاً عن النحاس والقصدير والكروم والنيكل والألمنيوم والكلس والسليكا وبكميات كبيرة، إضافة إلى الفوسفات والزجاج الذي يتم استثماره منذ عشرات السنين.
معوقات الاستثمار
الجدير بالذكر أن محافظة الأنبار التي يسكنها السنة، تشهد أجواء عدم الاستقرار منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 نتيجة الصراعات السياسية المتواصلة بين الأحزاب حول السلطة وامتيازاتها وسط اتهامات متبادلة بالفساد ونهب المال العام، إضافة إلى أن الأنبار كانت من المناطق التي قاومت الاحتلال الأمريكي والعملية السياسية، ولذا تواجدت فيها التنظيمات المسلحة المعارضة ومنها تنظيم “داعش” الذي سيطر عليها لسنوات قبل تحريرها عام 2016 من قبل القوات الأمنية العراقية بدعم من التحالف الدولي، وهي العمليات التي أدت إلى تدمير واسع في المدن الرئيسية للمحافظة كالرمادي والفلوجة، ونزوح ملايين من السكان ما زال الكثير منهم في مخيمات النازحين.
ولم تكن هذه الأسباب وحدها عائقا في سبيل استثمار الثروات النفطية والغازية والمعدنية المختلفة فيها، بل اضيفت لها الصراعات الإقليمية في المنطقة. حيث أقر قائممقام قضاء القائم أحمد المحلاوي، ان صراعات إقليمية أثرت بشكل سلبي على استغلال المناطق الصحراوية في المحافظة.
وأوضح أن “الشركات الاستثمارية لم تتحرك نحو الأنبار لأنها تبحث عن أجواء آمنة للعمل، في وقت تجري فيه صراعات إقليمية في سوريا المجاورة للمحافظة، رغم استقرار الأوضاع وسيطرة القوات الأمنية بالكامل على كافة المناطق دون تسجيل خروقات أمنية كبيرة”.
وفي الوقت الذي تشدد فيه الحكومة المحلية في الأنبار على الاستقرار الأمني بعد الإعلان عن انتهاء تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق عام 2017 فإن القوات الأمنية العراقية وبالتعاون مع طيران التحالف الدولي، ما زالت حتى الآن، تواصل شن عمليات تستهدف أوكار ومضافات لعناصر التنظيم الإرهابي تنتشر في الصحراء الغربية الشاسعة لمحافظة الأنبار أو تعبر من سوريا. بينما تعمد عناصر التنظيم وخلاياه النائمة، إلى شن هجمات على بعض المناطق النائية والمعزولة، وهذا الواقع يساهم في تردد الشركات العالمية في الاستثمار في هذه المنطقة.
ومن جهة أخرى فان تعطيل إقرار قانون النفط والغاز في البرلمان العراقي، الذي ينظم عمليات استخراج الموارد النفطية والغازية وغيرها، وكيفية توزيعها على السكان، ساهم في عرقلة البدء في الاستثمار في هذه المنطقة الحيوية الواعدة.
تحرك عراقي للاستثمار
ومؤخرا، ونتيجة للضغوط الأمريكية على حكومة بغداد للتقليل من استيراد الغاز الإيراني، وفي أعقاب دعوات لاستثمار الغاز المصاحب لاستخراج النفط بدل استيراده من إيران، فقد بدأت وزارة النفط العراقية، بتنفيذ خطط لاستثمار الغاز المصاحب الناتج عن عمليات التكرير والإنتاج النفطي.
وأعلنت الوزارة انها تخطط لكي يصل العراق لمرحلة التوقف عن استيراد الغاز وتصدير الكميات الفائضة عن الحاجة، حيث تزداد الكميات المستثمرة حاليا، كما بدأ العراق بتصدير بعض المكثفات والغاز السائل إلى الخارج وبكميات محدودة. وتسعى الوزارة إلى تفعيل الصناعة البتروكيميائية التي تعتمد على الغاز الجاف. كما أعلنت الحكومة العراقية عن تشكيل لجنة مشتركة بين وزارات المالية والكهرباء والنفط لتفعيل استثمار الغاز المصاحب والإفادة منه في تشغيل مشاريع الطاقة الكهربائية.
ويتفق المختصون في ملف الغاز العراقي، على غياب منظومة استراتيجية متكاملة لإنتاج الغاز في البلد، تقوم بتجميع الغاز من الحقول المنتشرة في الأراضي العراقية، ومعالجته بالأحماض الأمينية والكبريت وثاني اوكسيد الكربون والماء، ليمكن بعدها ضخه عبر الأنابيب الرئيسية التي تجمع الغاز من كل حقول العراق. علما أن منظومة الأنابيب غير موجود سوى أجزاء قليلة منها في الوقت الحاضر، مما حدا بالبنك الدولي، إبداء استعداده لدعم استثمار الغاز المصاحب في العراق، بمنحة قيمتها 9 ملايين دولار، إضافة إلى إبداء الشركات العالمية استعدادها للاستثمار في هذا المجال المربح.
وفي السياق، كشف مدير عام شركة المسح الجيولوجي خلدون البصام، خطط الشركة المستقبلية، بأنها “مكلفة من الدولة بالإشراف على تعديل قانون الاستثمار المعدني النافذ رقم 91 لسنة 1988 ووضع مشروع قانون جديد في هذا المجال، يتناسب مع تطور التوجه الاقتصادي للعراق، وبما يتيح تنشيط قطاع المعادن والتعدين، ليصبح رافدا مهما في الاقتصاد العراقي”.
وذكر أن “الشركة لديها نشاط استخراجي وبضمنه، الحديد ورمال السيليكا وأطيان البنتونايت والكاؤولين والبوكسايت من مناجم في الصحراء الغربية، وتسد هذه المواد الأولية حاجة معامل وزارة الصناعة والمعادن، فضلا عن القطاع الخاص”.
وطالما تشكو القوى السياسية والتجمعات والفعاليات العشائرية والاجتماعية في محافظة الأنبار، من إهمال متعمد تتعرض له المحافظة منذ عام 2003 من قبل حكومات بغداد، وذلك بالرغم من الثروات الهائلة المتوفرة في أراضيها التي يسيل لها لعاب بعض الأحزاب السياسية ومافيات الفساد إضافة إلى دول إقليمية. مع القناعة لديهم ان هناك إرادة سياسية تعرقل استثمار ثروات الأنبار لتطوير واقعها الاقتصادي المرير وإعادة إعمار مدنها المدمرة، وذلك بهدف الإبقاء عليها فقيرة ومحتاجة لبغداد، التي تتهم معظم القوى السياسية فيها، سكان الأنبار بمعارضة العملية السياسية والوقوف مع التنظيمات المسلحة التي رفعت السلاح ضد حكومة بغداد والاحتلال الأمريكي ثم النفوذ الإيراني، مثل تنظيم القاعدة و”داعش” وغيرها.
القدس العربي