حذرت دراسة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، قبل العدوان على غزة بيوم واحد، من تفاقم الأزمة الاقتصادية في السلطة الفلسطينية وانعكاساتها على إسرائيل بمستوى استراتيجي محذرة من انفجار شعبي ينسف احتمالات ” صفقة القرن“. داعية لتسوية سريعة وإلى أن الهدوء النسبي في الضفة مرده خمسة عوامل وقابل للانفجار.
وتقول الدراسة إن استمرار الأزمة لمدة أطول، من شأنه أن يؤدي لنشوء عدة تهديدات على إسرائيل، منها اتساع دائرة الفلسطينيين المتداخلين بـ “العنف” خاصة “الإخلال بالنظام والعمليات التخريبية”، وصعوبة أداء السلطة الفلسطينية لوظائفها في المجال المدني، وازدياد قوة حركة حماس، والمساس بالتنسيق الأمني. وأضافت أنه على إسرائيل الاعتراف بأنها تقف أمام خيارين، سيء وسيء جدا، وعليها التعامل مع السلطة بالمرونة التي تبديها حيال مساعي التسوية مع غزة رغم هشاشتها.
وتضيف ” كما في غزة هو الحال في الضفة الغربية الحديث يدور عن تسوية مقابل تأمين استقرار استراتيجي ومنع تصعيد تترتب عليه تبعات خطيرة من الناحيتين الأمنية والسياسية منوهة للوزن الحاسم للبعد المرتبط بالوقت. وترى الدراسة أنه كلما تم العثور على حل سريع تنخفض احتمالات التصعيد والعكس صحيح حيث تزداد مخاطر الانفجار. وتعتبر أن التوجهات الاستراتيجية الإسرائيلية للحفاظ على الاستقرار والهدوء في الضفة الغربية المحتلة، تستند منذ عقد ونيف على تحسين متواصل للوضع الاقتصادي وجودة الحياة إلى جانب التنسيق الأمني الوثيق مع السلطة الفلسطينية.
سلام اقتصادي
وتقول إن أوساطا إسرائيلية رأت بهذه التوجهات “سلاما اقتصاديا” أي استقرار أمني دون مفاوضات أو تسوية سياسية وسط فصل بين الحكم الفلسطيني وبين أغلبية الفلسطينيين، بينمت نبهت جهات إسرائيلية مختلفة من مغبة تغيير استراتيجي سلبي يتوقع حصوله في الحلبة الفلسطينية بشكل عام وداخل الضفة الغربية بشكل خاص، يتمثل بسيناريو انفجار انتفاضة ثالثة، وموجات “إرهابية ” وتفكك السلطة الفلسطينية، وهو يعتمد بالأساس على الاعتقاد بأن الجمود السياسي المستمر منذ سنوات وابتعاد الفلسطينيين المتواصل عن هدف الدولة المستقلة من شأنه أن يشجع على التنازل عن مشروع الحكم الذاتي والأخطر- العودة للكفاح.
وتتابع الدراسة “فعليا ورغم التحديات الكثيرة لم يتحقق تغيير استراتيجي. حتى الآن حافظ الفلسطينيون سلطة وجمهورا على ضبط النفس وتحاشوا التصعيد حتى بعد مفارق حساسة كالحروب الثلاثة على غزة، واستمرار الأزمة مع إسرائيل والجريمة في دوما، وانتفاضة الأفراد ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واضرابات الأسرى وأيام الذكرى الوطنية”.
وترى الدراسة أن الهدوء في الضفة الغربية ليس دليلا على تبخر الهوية والطموحات الوطنية الفلسطينية إنما توطئة لصياغة جديدة للأهداف الجماعية وملائمتها للتغييرات في البعد الجيوسياسي وللتحولات في شخصية المجتمع الفلسطيني.
خمسة أسباب للهدوء النسبي
وبرأي الدراسة الإسرائيلية ينبع الهدوء النسبي في الضفة الغربية من منطلقات عدة، أولها الذاكرة الجماعية للصدمة المرتبطة بالانتفاضة الثانية والارتداع من تجديدها، وكذلك إدراك الأزمة العميقة التي تعصف بمعظم العالم العربي( بما في ذلك غزة) وعلى أساسها تبلور استنتاج لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية، بأنه رغم المصاعب التي يواجهونها في واقع الاحتلال تبقى حالتهم أفضل نسبيا. وتشير أيضا، ضمن مزاعمها، إلى دور الاستقرار المعيشي بفضل سياسة إسرائيل والذي يسلط الضوء على الخسارة المترتبة على التوجه للمواجهة. كما تشير الدراسة لدور صعود جيل فلسطيني يولي اهتماما للحسابات والتطلعات الذاتية ويبدي تحفظا من القيادة الوطنية، وإرهاقا من الشعارات الأيديولوجية التي حركت الحلبة الفلسطينية في الماضي، بالاضافة الى انخفاض عدد المشاركين في المناسبات الوطنية تعبيرا عن الظاهرة المزعومة، بخلاف المشاركة في فعاليات اقتصادية بجوهرها كالمظاهرات الشعبية ضد قانون الضمان الاجتماعي قبل شهور.
وأخيرا تشير الدراسة لدور السلطة وتنسيقها الأمني وحرصها على عدم تدهور الأوضاع الأمنية حفاظا على مكانتها السياسية وخوفا من تكرار سيناريو استلام حركة حماس في غزة.
في المقابل تنبه الدراسة إلى أن هذا الهدوء النسبي داخل الضفة الغربية المحتلة يواجه في الشهور الأخيرة تحديا كبيرا يتمثل بالأزمة الاقتصادية المتفاقمة نتيجة رفض السلطة الفلسطينية تلقي مستحقات مالية منقوصة من إسرائيل، منوهة إلى أن دعما عربيا ماليا فعليا ليس مضمونا.
وتستذكر الدراسة تراجع إسرائيل عن عمليات مماثلة كاقتطاع جزء من المستحقات تعادل مخصصات تدفع لذوي الشهداء والأسرى عام 2015، بعد تدهور الأوضاع الأمنية غداة تحول السلطة الفلسطينية للمؤسسات الدولية.
إنذار لإسرائيل
وترى الدراسة أن الأزمة الاقتصادية المتصاعدة تبرر في الوقت الراهن إصدار إنذار من مغبة تغير استراتيجي في النظام الفلسطيني، وتحذر من احتمال عدة تهديدات بالنسبة لإسرائيل منها اتساع دائرة العنف، مواجهة السلطة الفلسطينية مصاعب في أداء واجباتها المدنية ونشوء فراغ تضطر إسرائيل لإشغاله، كالبنى التحية المدنية معتبرة ذلك مسيرة من شأنها التفاقم وزيادة تبعية الفلسطينيين لإسرائيل، وبالتالي التخلي عن دور السلطة.
كما تشير لمخاطر رفع حركة حماس رأسها في الضفة الغربية وتعرض التنسيق الأمني مع الاحتلال للأذى نتيجة تعرض قوى الأجهزة الأمنية لضرر اقتصادي خاصة في ظل تهديدات فتحاوية بقطع الصلات مع إسرائيل.
كما تقول إن الأزمة في الضفة ستدفع للمزيد من تقليص المخصصات والمساعدات من السلطة الفلسطينية لقطاع غزة مما يؤدي لتدهور إنساني وأمني بكل المنطقة. وتربط الدراسة الإسرائيلية بين الأزمة الاقتصادية الحالية وبين ” صفقة القرن ” الوشيكة محذرة من تزامن قابل للانفجار.
صفقة القرن
وتقول الدراسة إن الفلسطينيين يرون بالضغوط الاقتصادية وصفقة القرن مبادرة إسرائيلية- أمريكية تهدف لفرض تسوية تخدم مصالح إسرائيل وأمريكا فقط.
محذرة من أن طرح ” صفقة القرن ” في ظل أزمة اقتصادية سيوحد الفلسطينيين شعبا وقيادة حول شعور باستهداف وتهديد مشترك مرجحة أن تبادر السلطة الفلسطينية بتأجيج الأوضاع كي تظهرالرفض القاطع لصفقة القرن.
وترى الدراسة الإسرائيلية أن السلطة ما زالت تتحفظ من فكرة العنف ومن حل نفسها وترجح أنها تعمل على إدارة الأزمة بهدف وقف العقوبات الإسرائيلية والأمريكية عليها وبالتوازي إفشال ” صفقة القرن “.
لكن وفي المقابل فإن الغليان الشعبي المتصاعد إزاء الأزمة الاقتصادية من شأنه أن يكون أقوى من قدرة السيطرة لدى السلطة والتسبب للانزلاق نحو حالة انفلات لأن انفجار الغضب والإحباط لا تسبقه إشارات مبكرة.
وتعتبر أن الانفجار الشعبي ممكن أن يتجسد بعدة حالات منها احتكاك شعبي واسع مع إسرائيل، ازدياد أعمال “الإرهاب العفوي” أو الممأسس أو احتجاجات واسعة ضد السلطة الفلسطينية. وتزعم أنه وفق الخطاب الفلسطيني السائد فإن الضفة الغربية مختلفة عن غزة من ناحية جاهزيتها لامتصاص الضيق بمعنى أن التحولات السلبية في الضفة من الممكن أن يتكون غير محتملة وتفضي لانفجار سريع.
نقطة اللاعودة
وتعتبر الدراسة أن إسرائيل والسلطة لم تصلا بعد لنقطة اللاعودة وأن تسوية في موضوع المخصصات المالية من الممكن أن تشكل حلا.
وتدعو الدراسة إسرائيل للاعتراف بأنها تقف أمام خيارين وعليها إبداء المرونة مع السلطة الفلسطينية كما تبدي نفسها حيال التسوية مع غزة حتى وأن كانت هذه ما تزال هشّة.
وتخلص الدراسة للقول إنه في غزة كما في الضفة الغربية يدور الحديث عن تسوية مقابل تأمين استقرار استراتيجي ومنع تصعيد تترتب عليه انعكاسات خطيرة من الناحيتين الأمنية والسياسية مشددة على كون الزمن حاسما، لأن التلكؤ في إحراز التسوية يعني تعاظم خطر نزاع لا يمكن السيطرة عليه.
يشار إلى أن معد الدراسة دكتور ميخائيل ميليشطاين هو رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز “ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا”، وفي السابق كان مستشارا للشؤون الفلسطينية لدى ما يعرف بـ ” منسق أعمال الحكومة في الضفة الغربية” ووظيفة رئيس قسم الشؤون الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية “أمان” بدرجة جنرال.
القدس العربي