تتصاعد وتيرة التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية سلسلة متعاقبة من إجراءات التضييق والعقوبات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الأشهر الأخيرة. وكان البيت الأبيض قد أعلن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع قوى دولية كبرى في سنة 2015، ثمّ أتبع ذلك بفرض حزمة جديدة من العقوبات على دفعتين كانت الثانية هي الأكثر تشدداً لأنها تفرض حصاراً شبه تام على تصدير النفط الإيراني، ومؤخراً قرر ترامب تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية للمرّة الأولى في تاريخ تعامل الولايات المتحدة مع الجيوش شبه النظامية للدول الأجنبية ذات السيادة.
من جانبه يُنتظر أن ينتهز الرئيس الإيراني حسن روحاني مناسبة مرور عام على انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، والتي تصادف اليوم، كي يعلن مجموعة تدابير مضادة للرد على الإجراءات الأمريكية، حيث يرجح المراقبون أن يكون في طليعتها قرار برفع مستوى تخصيب اليورانيوم بما يعني خفضاً جزئياً لبند هام من تعهدات إيران بموجب الاتفاق. وإذا كانت إيران قد لوحت بهذا قبل عام في رد فعل على الانسحاب الأمريكي دون أن تضع التهديد موضع التنفيذ، فإنها هذه المرة تبدو عازمة على اتخاذ خطوة حاسمة لا يلوح أنها باتت تملك هامشاً ملموساً للمناورة فيها أو التراجع عنها.
على الأرض وبعيداً عن التصريحات النارية، سرّب البيت الأبيض إلى الصحافة معلومات عن تقارير استخباراتية تفيد بأن طهران تعتزم الطلب من «وكلائها المحليين» استهداف القوات الأمريكية في العراق وسوريا وباب المندب، وقد كان مثيراً للاستغراب أن تكتسب هذه التقارير مصداقية ملموسة من خلال تصريح للأمين العام لحركة النجباء العراقية قال فيه إن أنصاره لن يخلعوا ملابس الحرب نهائياً إلا بعد قطع رأس الأفعى أمريكا. ولذلك لم يكن غريباً أن تستغل واشنطن مناخات الوعيد هذه فترسل إلى الخليج العربي حاملة طائرات جديدة تضاف إلى عشرات المدمرات والقطع البحرية الأمريكية المتمركزة في المنطقة.
ولا يجادل أحد في أن أذى بالغاً لحق بالاقتصاد الإيراني جراء القرار الأمريكي الأخير القاضي بتشديد العقوبات على طهران، وخاصة إلغاء الإعفاءات التي كانت ممنوحة طوال الفترة السابقة لثماني دول كبرى مستوردة للنفط الإيراني، بينها اليابان والصين والهند. ومن المتفق عليه، من جانب آخر، أن تجارب الماضي أثبتت فشل مختلف أشكال الحصار الفردي لجهة تغيير الأنظمة أو تحقيق أهداف جيو ــ سياسية استراتيجية وجوهرية، وأن الشعوب هي المتضرر الأول والأخير وليس الأنظمة الحاكمة. كذلك لم يعد خافياً أن ترامب لا يمعن في التضييق على إيران بذريعة التدخل الإيراني في العراق وسوريا واليمن أو تهديد المصالح الحيوية الأمريكية، وإنما خدمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى سبيل مكافأة السعودية لقاء مئات المليارات من مشتريات الأسلحة الأمريكية.
وأياً كان حجم الاعتراض على السياسات الإيرانية في المنطقة، خاصة مساندة أنظمة الاستبداد والفساد ورعاية المنظمات الطائفية والمذهبية وتطبيق مبدأ «تصدير الثورة»، فإن القرارات الأمريكية غير شرعية بموجب القانون الدولي، وهي نموذج على عربدة قوة عظمى يحكمها رئيس متهور ومستهتر ومتغطرس حتى على مؤسسات بلاده التشريعية. وهذا سبب أول وجيه كي تتفادى طهران الوقوع في فخ الاستدراج والتوتير المضاد، فلا يتهور ساستها ولا يستهتر جنرالاتها.
القدس العربي