قام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بزيارة مفاجئة للعراق، وذلك وسط تصاعد في التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.وألغى بومبيو زيارة إلى برلين ليلتقي القادة العراقيين في بغداد خلال زيارة استغرقت 4 ساعات.ويأتي ذلك بعد إعلان مسؤولين أمريكيين إرسال حاملة طائرات أمريكية إلى المنطقة ردا على تهديدات تطرحها إيران لقوات أمريكية وحلفاء واشنطن.
لم يعلن عن تفاصيل زيارة بومبيو القصيرة إلى العاصمة العراقية. لكنه التقى مع رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح.وخلال تصريحات صحفية عقب الاجتماع، ربط وزير الخارجية الأمريكي زيارته بالتصعيد الأخير مع إيران.وقال إنه تحدث مع “القيادة هناك (في العراق) لطمأنتهم بأننا نقف مستعدين لضمان أن العراق دولة مستقلة ذات سيادة”.وأضاف أنه أراد مساعدتهم على أن يكونوا أقل اعتمادا على صفقات الطاقة مع إيران.
قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عقب زيارته، إن بلاده ترغب برؤية العراق مستقلا وغير خاضع لأي طرف، وأضاف أن زيارته لبغداد جاءت على ضوء التصعيد الإيراني في المنطقة. وقال بومبيو للصحفيين الذين رافقوه إنه توجه إلى العراق بسبب التصعيد الإيراني في المنطقة رغم رفضه مناقشة المعلومات الاستخبارية بالتفصيل، وأكد أن بلاده تريد أن يكون العراق مستقلا وغير خاضع لأي طرف.
وأضاف “لقد تحدثنا عن أهمية أن يضمن العراق قدرته على توفير الحماية المناسبة للأميركيين في بلدهم”، مشيرا إلى أن المسؤولين العراقيين “أظهروا لي أنهم يدركون أن هذه مسؤوليتهم”.وقال بومبيو “أردنا أن نطلعهم على سيل التهديدات المتزايد الذي رأيناه وإعطاءهم خلفية أكثر قليلا حول ذلك حتى يتمكّنوا من بذل كل ما بوسعهم لتأمين الحماية لفريقنا”.من جانبه، قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في مؤتمر صحفي في بغداد، إن العراق سيلتزم بحماية البعثات الأجنبية العاملة في العراق، وإنه لن يسمح بوقوع اعتداء على أي مقر عسكري أو سفارة أو شركة أجنبية عاملة في العراق، ولن يكون جزءا من أي عقوبات على أي دولة.
وجاءت الزيارة بعد يومين على تحذير الولايات المتحدة لإيران من أنها سترد بـ”قوة شديدة” على أي هجوم، واعتبارها أن إرسال حاملة الطائرات أبراهام لنكولن يعني بعث “رسالة واضحة لا لبس فيها” إلى طهران.ويأتي هذا التوتر بعد عام على خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، حيث أطلق بدلا من ذلك حملة معادية ضد النظام هناك.ويقول مراقبون في الولايات المتحدة وفي الخارج إن ترامب سعى إلى توسيع ممارسة ضغوطه على أمل إثارة أزمة مع إيران، التي يقول مفتشو الأمم المتحدة إنها تلتزم بالاتفاق النووي.
تزامنت زيارة وزير الخارجية الأمريكي مع حملة أمريكية “مكثفة” للضغط على إيران طيلة عام كامل بعد إعلان الرئيس الأمريكي، الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات اقتصادية “أحادية الجانب” على إيران والتهديد بعقوبات أخرى على الدول التي لا تلتزم بتلك العقوبات.وبعد حديثه مع دونالد ترامب، الثلاثاء، أوضح مايك بومبيو من فنلندا أن بلاده تريد التأكد من أن العراق أصبح في وضع يسمح له بتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الحليفة في منطقة الشرق الأوسط التي تدرك أن إيران هي التهديد الرئيسي في المنطقة.
يرى المراقبون للشأن العراقي، إلى أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى بغداد كانت تحمل رسائل أمريكية محددة إلى القيادة العراقية تتعلق بتهديدات إيرانية مباشرة، أو غير مباشرة من قبل قوات حليفة لها ضد مصالح أمريكية في المنطقة.ومن بين ما تداولته وسائل إعلام محلية وأجنبية، فإن مباحثات مايك بومبيو مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ومسؤولين آخرين، ركزت على بحث أمن الجنود الأمريكيين والمصالح الأمريكية وأمن الشركات والموظفين العاملين في العراق وضمان حمايتهم من “تهديدات” إيرانية مفترضة.
منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قاعدة عين الأسد غرب العراق نهاية العام الماضي وتصريحاته، بالإبقاء على جنود بلاده في العراق لأهداف تتعلق بمراقبة النشاطات الإيرانية في العراق، صعّدت فصائل مسلحة تنتمي للحشد الشعبي من تهديداتها باستهداف الجنود الأمريكيين في العراق.وتأخذ الولايات المتحدة تهديدات فصائل الحشد الشعبي على محمل الجد، وتحاول العمل مع الحكومة العراقية لضمان أمن القوات والمصالح الأمريكية في العراق.
وتأتي المخاوف الأمريكية من التهديدات الإيرانية “المحتملة” بعد أن كثفت الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية على إيران، بسبب برنامجها النووي وتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.وتخطط إيران، وفقا لمعلومات استخباراتية، لاستهداف مصالح أمريكية في دول عدة من دول المنطقة عبر هجمات متنوعة تنفذها قوات حليفة لها تشمل غارات بطائرات مسيرة وتفجيرات تستهدف مواقع انتشار الجنود الأمريكيين ومنشآت وشركات أمريكية.
المرجح أن الولايات المتحدة اعتمدت بالمقام الأول على معلومات استخباراتية قدمتها إسرائيل قبل أكثر من أسبوعين باجتماعات عقدها مسؤولون إسرائيليون مع نظراء لهم في الإدارة الأمريكية، شملت معلومات “غير محددة” تتعلق بخطط “محتملة” لإيران في المنطقة لاستهداف مصالح أمريكية في السعودية والإمارات والعراق وسوريا وفي البحر الأحمر والخليج العربي، بالإضافة إلى معلومات تفيد بأن إيران جهزت صواريخ بالستية قصيرة المدى على متن قوارب تابعة لبحرية الحرس الثوري الإيراني بالقرب من مضيق هرمز.وحذرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) من تهديد القوارب الإيرانية الصغيرة التي يُشتبه أنها تحمل صواريخ قصيرة المدى.
من غير المستبعد أن تشمل الهجمات “المفترضة” مصالح خاصة بالولايات المتحدة والدول الحليفة لها في المنطقة، تنفذها مجموعات شيعية مسلحة حليفة لإيران في العراق الذي تنشر الولايات المتحدة على أراضيه نحو 5200 جندي في عدد من القواعد.وتبعث الولايات المتحدة عبر نشر المزيد من قواتها في المنطقة رسالة مفادها القدرة على الردع بما يجعل الإيرانيين يفكرون أكثر من مرة قبل مهاجمة المصالح الأمريكية.
وتحدث مايك بومبيو بعد زيارته للعراق عن أهمية “أن يضمن العراق قدرته على حماية الأمريكيين بشكل فعال”، مشيرا إلى أن بغداد وعدت بـ”حماية المصالح الأمريكية”، بينما لم تتحدث الحكومة العراقية التي أعلنت عن الزيارة بعد مغادرة الوزير الأمريكي عن تفاصيل المباحثات.وتحتفظ الولايات المتحدة بأكثر من 5200 جندي في قواعد بالعراق، ونحو 2000 جندي في سوريا في قواعد قريبة من الحدود العراقية تتخوف القيادات الأمريكية من تعرضهم للخطر من قبل قوات الحشد الشعبي الحليفة لإيران.
تتمتع المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران بنفوذ واسع في مؤسسات الدولة العراقية الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وفي مجلس النواب أيضا.ويرتبط العراق بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي في الحرب على تنظيم داعش في العراق وسوريا، لكن العراق يرتبط أيضا بعلاقات سياسية وأمنية وثيقة واقتصادية مع إيران التي لا يبدو أن العراق في المدى القريب قادر على الاستغناء عن إمدادات الطاقة الكهربائية أو الغاز الإيراني لتشغيل المحطات العراقية مع اقتراب حلول فصل الصيف.وإذا كان الوزير الأمريكي قد تحدث بثقة عن أن الحكومة العراقية قد وعدت بـ”حماية المصالح الأمريكية” فإن الواقع يشير إلى أن قوة ونفوذ المجموعات المسلحة الحليفة لإيران في العراق عادة ما ترجح المصالح الإيرانية على سواها من مصالح، سواء مصالح عراقية أو أمريكية، ما يجعل مثل تلك الوعود بعيدة عن الواقع في ما لو رأت إيران توجيه ضربات لجنود أمريكيين أو لمصالح أمريكية عبر تلك المجموعات التي تدين بالولاء لإيران.
اليوم، وبعد القرارات الأمريكية الأحادية المتتالية ضد إيران، بداية من الانسحاب من الاتفاق النووي، ثم محاولات تصفير صادرات النفط الإيرانية، وإعلان الحرس الثوري منظمة إرهابية، وأخيرا العقوبات بحق صادرات إيران من المعادن، مع تحركات عسكرية في الخليج العربي تعيد إلى الذاكرة التحشيد الأمريكي الذي بدأ قبيل حربي 1991 و2003، يبدو وضحا ان الولايات المتحدة، وربما ترامب شخصيا، قررت استخدام أوراق الضغط في المواجهة إلى حدها الأقصى، وهو ما عكسته التصريحات التي صدرت عن واشنطن هذه الأيام، وإن كان الجميع يعلم أنه ليس هناك قرار بالحرب!
إن هذا التطور، سيفرض على الطرفين المشتبكين الآخرين: العراق وإيران، مواقف جديدة تختلف عن المواقف التي اعتمدتها خلال السنوات الست عشرة الماضية؛ فصانع القرار السياسي العراقي الذي تأقلم مع الازدواجية الأمريكيه تجاه التدخل الإيراني في العراق، مطالب اليوم بتحديد موقفه الصريح من هذه المواجهة، إذا ما أراد أن يبقي على الدعم الأمريكي الضروري للعراق أمنيا وسياسيا واقتصاديا! بالمقابل ستقوم إيران باستخدام كل ادواتها في العراق لمنع أي محاولة لإخراج العراق من العباءة الإيرانية وإعادة موضعته في سياق المواجهة القائمة. خاصة وان نتائج المواجهة مع داعش، ونتائج الانتخابات الاخيرة، قد فرضت واقعا جديدا جعل إيران تفترض أن تغولها في العراق أصبح أمرا واقعا لا يمكن تخطيه
حتى هذه اللحظة، استطاعت الحكومة العراقية التعامل مع ملف العقوبات الأمريكية على إيران، من خلال إقناع الولايات المتحدة بأن التشابك الشديد بين المصالح الاقتصادية العراقية والإيرانية. تحديدا في ملف الغاز، إذ يعد العراق ثاني أكبر مستورد للغاز الإيراني، وتعتمد محطات انتاج الكهرباء الغازية في العراق، التي تنتج ما يقرب من 47٪ من الكهرباء، اعتمادا كبيرا على الغاز الإيراني، وهذا يعني ان أي التزام بالعقوبات الأمريكية سيؤدي إلى حرمان العراق من نصف انتاجه من الكهرباء تقريبا! كما أنه ليس من السهل شطب التبادل التجاري الكبير والذي يصل إلى ما يقرب من 7 مليارات دولار سنويا، فضلا عن الأرقام غير المعلنة المتعلقة بتجارة السلاح والعتاد بين البلدين! بقرار سياسي فوري، وقد استطاعت بالفعل الحصول على استثناءات مؤقتة لهذا الشأن. ولكن الولايات المتحدة تراقب الزيارات المتبادلة عالية المستوى بين طهران وبغداد، كما تراقب أيضا الخطابات التي تردها من العاصمتين حول «تطوير» العلاقة بينهما.
ففي زيارة رئيس الجمهورية برهم صالح الاخيرة إلى طهران، تحدث عن الحاجة إلى «نظام جديد في المنطقة يلبي مصالح جميع الدول فيه» وان إيران لديها «دور مهم» لتلعبه في هذا النظام! فيما تحدث الرئيس روحاني عن تعزيز التجارة بين البلدين لتصل إلى 20 مليار دولار. وقد أكد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي بان العراق لن يلتزم بالعقوبات على إيران على اعتبار انها عقوبات غير اممية! كما تحدث لدى زيارته لطهران عن الوقوف سوية «ضد أي تهديد يأتي ضد أي من البلدين»! وعن تطوير العلاقة بين العراق وإيران لتكون «قدوة لعلاقات متطورة بين دول المنطقة والعراق»! وفي المقابل تحدث روحاني عن زيادة صادرات الغاز والكهرباء إلى العراق فضلا عن ربط سكك الحديد بين البلدين وانشاء ثلاثة مدن صناعية مشتركة!
يبدو إذا من السذاجة التفكير بأن العراق بإمكانه التعاطي مع العقوبات الأمريكية ضد إيران، كما يبدو من السذاجة التفكير في أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى فرض عقوبات على العراق بسبب ذلك! ولكن بالتأكيد لن تسمح الولايات المتحدة بأن يتحول العراق إلى حصان طروادة ضد عقوباتها الصارمة تجاه إيران، أو أن تسمح لإيران بأن تستخدم أدواتها في العراق لتهديد القوات الأمريكية، او المصالح الأمريكية في العراق. وقد أبلغ وزير الخارجية الأمريكية في زيارته الأخيرة هذا الموقف لبغداد بوضوح. ولكن العراق سيضطر عاجلا ام آجلا إلى اتخاذ خطوات اضطرارية قد يفسرها أي من الطرفين المتشابكين، بأنها تعكس موقفا ضدها، مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية! فتصفير صادرات النفط الإيراني، مثالا، قد تضطر العراق إلى زيارة صادراته النفطية لتعويض نقص النفط الإيراني من الأسواق العالمية، وهذا قد تفسره إيران على أنه موقف مضاد منها! في المقابل فان امتناع العراق عن زيادة صادراته، مع عجز دول الخليج عن تعويض هذا النقص، قد يؤدي إلى رفع أسعار النفط عالميا، وهذا الموقف يمكن أن يفسر أمريكيا بانه موقف مضاد منها!
وعقب زيارة بومبيو إلى بغداد تسلّم الجيش العراقي بشكل كامل مهمّة السيطرة على مناطق بقضاء تلعفر بشمال غرب العراق، بعد انسحاب فصائل الحشد الشعبي منها في خطوة أثارت التساؤلات بشأن خلفياتها نظرا للأهمية البالغة للقضاء الواقع ضمن محافظة نينوى ويعتبر عقدة مواصلات أساسية بين الأراضي العراقية والسورية حيث يقع في منتصف الطريق الواصل بين الموصل التي يبعد عنها بحوالي سبعين كيلومترا غربا وبين سوريا التي تفصله عنها حوالي ستين كيلومترا فقط.
ومأتى التساؤلات أنّ تلعفر جزء أساسي من الطريق البري الذي عملت إيران طيلة سنوات الحرب على تنظيم داعش على فتحه عبر الأراضي العراقية باتجاه سوريا ومن ثم صوب لبنان وضفاف البحر المتوسّط، الأمر الذي يفسّر تشبّث فصائل الحشد الموالية لإيران بالمشاركة في المعركة الفاصلة ضدّ التنظيم التي دارت في تلعفر في أغسطس 2017. وقد خاض قادة تلك الفصائل معركة سياسية حامية ضدّ حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي لأجل انتزاع دور لفصائلهم في آخر مواجهة عسكرية كبيرة ضدّ داعش بعد استعادة الموصل من سيطرته قبل حوالي شهر من ذلك.
وبينما هوّنت مصادر عراقية من خطوة انسحاب الحشد من تلعفر، مؤكّدة ارتباطها بـ”اتفاق سابق بين الحشد والجيش على تنفيذ عملية إعادة انتشار روتينية لأسباب تقنية وأمنية محضة”، ذهب محلّلون سياسيون إلى ربط الانسحاب بالضغوط الشديدة المسلّطة راهنا على بغداد من قبل الولايات المتّحدة لتقليل ارتباطها بطهران، وهي ضغوط شملت توجيه إنذارات لها من مغبّة أن تشارك الفصائل الشيعية العراقية في أي عمل ضد المصالح والقوات الأميركية في العراق.
وبحسب هؤلاء فإنّ انسحاب الحشد من تلعفر في هذا الوقت بالذات يساهم في تخفيف الضغط على الحكومة العراقية كما يتضمّن رسالة تهدئة من قادة الحشد لواشنطن بعدم الرغبة في التصعيد معها، خصوصا بعد مبادرتها بتصنيف الحرس الثوري الإيراني تنظيما إرهابيا وتوجيهها إنذارا للميليشيات العراقية المرتبطة به.
واعتبر مراقبون أنّ من شأن ذلك الحدث الذي وقع متزامنا مع المطلب الأميركي بالسيطرة على تحركات الميليشيات في هذه المرحلة الحرجة أن يخدم الحكومة العراقية. فمن خلاله ستبدو الحكومة كما لو أنها قادرة على فرض إرادتها انسجاما مع الموقف الأميركي الذي أبدى حذرا من إمكانية أن ترتكب تلك الميليشيات خطأ قد يجر العراق إلى موقع الانحياز إلى إيران.
وبحسب أحد المحلّلين السياسيين فإنّ “من الواضح أن الحكومة العراقية تحتاج إلى نوع من ذلك الدعم في مواجهة ضغوط الأحزاب الموالية لإيران والتي تنادي بضرورة أن تتخذ الحكومة موقفا مناصرا لإيران. وقد فشلت تلك الأحزاب في وقت سابق في استصدار قرار من مجلس النواب يدعو إلى إخراج القوات الأجنبية، والأميركية تحديدا، من الأراضي العراقية. وهو ما اعتبرته الحكومة نصرا لها في هذه المرحلة التي لا تستطيع فيها استثارة واشنطن ومواجهتها بأي شكل من الأشكال”.
تراوح الولايات المتحدة بين الإغراء والتهديد في محاولتها دفع العراق للنأي عن إيران والحدّ من نفوذها في البلد، في وقت يبدو فيه إصرار واشنطن واضحا على تحقيق هدفها إنْ بالشدّة أو باللين ما يجعل خيارات بغداد تضيق، وإمكانية التوفيق بين الحفاظ على قوة العلاقة مع إيران والإبقاء على التحالف مع الولايات المتحدة تتضاءل. وكشفت مصادر على صلة بمكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي لـ”العرب” أن الولايات المتحدة عرضت “حزمة إغراءات اقتصادية على العراق، لفض شراكته مع إيران تدريجيا”.
وبالرغم من أن واشنطن “لا تريد فك ارتباط عاجل بين بغداد وطهران”، إلا أنها تراهن على حاجة العراق إلى حزمة المساعدات التي تلوّح بها الولايات المتحدة في مجاليْ الغاز والكهرباء. وهذا ما يفسر الاستثناء الأميركي للعراق من الالتزام بالعقوبات المفروضة على إيران.وقالت المصادر إن وفدا عراقيّا يضم ممثّلين عن مكتب رئيس الوزراء ووزارتيْ النفط والكهرباء يخوض مفاوضات “التفاصيل الأخيرة” مع ممثلين عن شركة “إكسون موبيل” الأميركية، لتوقيع عقود عملاقة في مجال استثمار الغاز المصاحب لاستخراج النفط.
وتقول التقديرات إن قيمة العقود بين بغداد والشركة الأميركية، تفوق الـ50 مليار دولار أميركي، وتشمل استثمارات عاجلة ومتوسطة وبعيدة المدى، مع عائد أرباح إجمالي للعراق، يفوق الـ400 مليار دولار.وجاءت هذه الحزمة من المغريات، بعد تحذيرات صريحة من واشنطن لبغداد بأن نفوذ الحشد الشعبي الموالي لإيران يتنامى في البلاد، فيما تحضّر بعض فصائله لاعتداءات على مصالح أميركية في المنطقة. ويعتقد قصي محبوبة، وهو المستشار السياسي السابق لزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، أن الولايات المتحدة أرسلت خلال الأيام الماضية عدة رسائل إلى العراق، أولها أن “العراق ولبنان لا يمكن ان يكونا ساحتيْ نفوذ مفتوحتين لإيران”.
ويضيف محبوبة، أن الرسالة الأميركية الثانية تشير إلى أن “أيّ رد إيراني على الأراضي العراقية، سيعني فقدانكم للسيادة الهشة، وسترد واشنطن على إيران مباشرة”، فيما قال الأميركيون للعراقيين في الرسالة الثالثة، “سنعطيكم استثناء محدودا لفترة محدودة”.وبدا واضحا أن أصدقاء إيران في العراق، غير قادرين على مجاراة الزخم الأميركي، الذي يأتي مرة بصيغة العصا، وأخرى بالجزرة. ومع ذلك، حاول بعض هؤلاء طمأنة طهران. وقال كریم عليوي، وهو نائب عن تحالف الفتح الذي يتزعمه هادي العامري، المقرّب من طهران، إن “العراق لن يستجيب للضغوط الأميركية، ولا إغراءات الاستثمار والدعم الاقتصادي المقدّم لبغداد، إذا كان الثمن هو التخلي عن إيران”.
خلاصة القول عكست زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بغداد صلابة استراتيجية واشنطن في تنفيذ العقوبات على إيران، وجدية واضحة من إدارة الرئيس دونالد ترامب في رسم خطوط حمر أمام طهران والتلويح بردود قاسية إذا ما غامرت هي أو أذرعها بأي تهور ميداني ضد القوات أو المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.ووضعت الزيارة، غير المعلنة لبومبيو، الحكومة العراقية “أمام مسؤولياتها” في ظل تزايد التصريحات الإيرانية التي تتضمن تهديدات مباشرة.
ويعتقد المراقبون أن واشنطن ليست لديها أسرار تودعها في بغداد فهي لا تثق بالحكومة العراقية من جهة علاقتها بإيران، لذلك حضر بومبيو بنفسه ليؤكد أن الأميركيين جادون في الرد على أي اعتداء تتعرض له أهداف أميركية على الأراضي العراقية محملا حكومة عبدالمهدي المسؤولية. وقلل مراقبون من القول بأن الولايات المتحدة تعتمد في حماية سفارتها في بغداد على الجهات العراقية، مشيرين إلى أنه إضافة إلى الشركات الأمنية التي تتولى القيام بذلك مباشرة، تمتلك الولايات المتحدة عيونا داخل الجماعات المسلحة الموالية لإيران، تزودها بالمعلومات أولا بأول. وهو ما يجعلها على اطلاع على تحركات تلك الجماعات من أجل إفشالها في وقت مبكر.
ويرى المراقبون إن ما يهم الولايات المتحدة أن تحرم إيران من لعب أوراقها في العراق وهو مضمون التحذير الأميركي الذي حمله بومبيو إلى الحكومة العراقية في زيارته القصيرة، وهو تحذير يضع الحكومة العراقية في مواجهة مع الميليشيات التي تعتقد طهران أن في إمكانها إشغال الولايات المتحدة عن هدفها الرئيسي، أي استهداف إيران. واعتبر أن الحديث عن انقطاع قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة وإيران فيه الكثير من التبسيط، ذلك لأن الطرفين يملكان وسطاء يطمئنان إليهم أكثر من اطمئنانهم إلى الجانب العراقي الذي صار أشبه برهينة بأيدي زعماء الميليشيات الموالين لإيران، وهو ما يزعج الإدارة الأميركية غير أنها تتعامل معه بحذر، في انتظار أن ينجلي الموقف.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية