في خضم التصعيد الحالي بين واشنطن وطهران تسعى الحكومة العراقية إلى إبعاد المواجهة المحتملة بين واشنطن وطهران، في أعقاب تصاعد حدة التهديدات بين الجانبين، وعلى حل المشاكل العالقة بالحوار والطرق السلمية.يأتي ذلك وسط تساؤل كيف يمكن للعراق أن يوفق بين مصالحه مع واشنطن وطهران، وما التداعيات التي سوف تترتب عليه في حال وقوع مواجهة؟
تنتهج حكومة عادل عبد المهدي سياسة معلنة وواضحة ترى ضرورة إبعاد العراق عن دائرة التوترات الأمريكية الإيرانية التي تمثل الساحة العراقية، أكثر من غيرها، ساحة لتصفية الحسابات بينهما، سواء مباشرة أو عن طريق حلفاء محليين للدولتين.وتسعى حكومة بغداد إلى التوفيق بين علاقاتها مع الولايات المتحدة وإيران بنوع من التوازن وعدم الانحياز إلى أي منهما مداراة لمصالحها العليا بتجنيب العراق الدخول في صراعات الدول الأخرى بالوكالة.ويرفض رئيس الوزراء العراقي دخول العراق في سياسة المحاور إلى جانب دولة ضد دولة أخرى مع حرص بلاده على إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول بما يخدم مصالح العراق ومصالح الدول الأخرى في المنطقة والعالم. وانطلاقا من هذه التوجهات جاء عرضه بالتوسط بين واشنطن وطهران.إلا أن توجهات الحكومة المركزية تصطدم بواقع وجود جهات متنفذة في مراكز القرار ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والتشريعية تصطف إلى جانب السياسات الإيرانية ضد الولايات المتحدة في العراق والمنطقة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن نائب الأمين العام لحركة النجباء قوله إن ما أسماها “فصائل المقاومة العراقية” جاهزة لاستهداف المصالح الأمريكية في الوقت الذي تراه مناسبا.وفي نفس السياق تحدث أحد أبرز قيادات حركة عصائب أهل الحق الحليفة لإيران عن إن القوات الأمريكية المنتشرة في بعض المحافظات العراقية سوف لن تكون في مأمن “إذا تعرض محور المقاومة إلى ضربات أمريكية إسرائيلية”.ووفقا لما أورده رئيس الوزراء العراقي بمؤتمره الصحافي الأسبوعي، الثلاثاء 14 أيار/ مايو، فإن العراق “يبذل جهودا كبيرة للتهدئة مع مؤشرات من كلا الطرفين على أن الأمور ستنتهي إلى خير”.
ويرى المراقبون للشأن العراقي أن على الحكومة تقديم مصالحها، معتبرا أن الدولة قادرة على التوفيق بين علاقاتها بكل من واشنطن وطهران.ولفتوا إلى أن الدستور لا يسمح بتقديم مصالح دول أخرى على حساب مصلحة العراق، كما لا يسمح بالتدخل في شؤون دول أخرى، ولا يسمح باستخدام أراضيه منطلقا لمحاربة دول الجوار، وبالمقابل لا يسمح للدول الأخرى بالتدخل في الشأن العراقي.وأضافوا أن الحكومة لا تستطيع مخالفة الدستور، وإذا انحازت لدولة دون أخرى فإن مجلس النواب سيرفض هذا التوجه، وكذلك المحكمة الاتحادية.واعتبروا أن العراق قد يكون وسيطا دبلوماسيا بين أميركا وإيران لنزع فتيل الأزمة خاصة أن الدولتين لهما مصالح في العراق، مشيرا إلى أن بغداد دعت للحوار.
ويقولون إن العراق يستطيع الحفاظ على مصالحه من خلال خارطة وضعت في الدستور، وهي أن تكون العلاقات على أساس المصالح المشتركة، مع محاولات استقطاب العراق من قبل واشنطن ومن قبل طهران، وكلا (الطرفين) يريد أن يضعه ضمن موضعه في الدفاع أو الهجوم على الآخر.وأضافوا أن على العراق أن يحدد مواقفه من خلال بوصلة المصلحة، مشيرا إلى أن الأمر ليس باليسير لأن الحديث يتعلق ما بين جار قوي وصديق دولي ذي قوة عظمى.
ولفتوا إلى صعوبة أن يبقى العراق على الحياد في حال نشب الاشتباك بين طهران وواشنطن، حيث قد تتحرك بعض الأطراف الداخلية ذات الصلة الوثيقة بإيران من خلال الأراضي العراقية لاستهداف المصالح الأميركية، معتبرا أن من شأن ذلك أن يكون له تداعيات كبيرة، وقد يتحول العراق إلى جزء ما من الصراع سيكلفه ثمنا كبيرا.
واعتبروا أن سياسة العراق واضحة، خاصة أنه أعلم الإدارة الأميركية أنه لن يكون ضمن وسائل الحصار على إيران، ولن يلغى عقود الغاز مع طهران. وحول إمكانية استخدام القوات الأميركية للأراضي العراقية لضرب إيران، أوضح السراج للجزيرة نت أن العراق رفض ذلك، غير أنه استدرك بالقول “من المحتمل تكون أراضي إقليم كردستان قاعدة للقوات الأميركية”.وأكدت الحكومة على لسان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في وقت سابق على عدم الدخول بمحور على حساب أية دولة، ورفض سياسة المحاور والرغبة بإقامة علاقات تخدم جميع شعوب المنطقة.
وبشأن التداعيات التي يمكن أن تترتب على العراق في حال وقوع المواجهة بين واشنطن وطهران، يرى المراقبون أن انحياز العراق إلى أميركا والانخراط في العقوبات المفروضة على إيران سيوقعه في مواجهة مع أحزاب سياسية قوية ومسيطرة داخل البرلمان والحكومة والأوساط الشعبية والدينية.
أما إذا مال العراق إلى الموقف الإيراني فمن شأن ذلك أن يحرمه من المعونة الأميركية الاقتصادية والعسكرية، مما سيؤدي لتعثر البرنامج الحكومي، إلى جانب احتمال أن تعلن جماعات مسلحة تمردها على الحكومة وتمارس عمليات عسكرية ضد المصالح الأميركية.
وأضافوا الهاشمي أن الأحزاب السياسية -وخاصة الشيعية المسيطرة على الحكم والبرلمان- قد تتخذ تشريعا برلمانيا بطرد القوات الأجنبية من العراق بينهم آلاف الأميركيين.وفي حال توترت العلاقة العراقية الأميركية، رجح الهاشمي أن تسوء العلاقة كذلك مع الأوروبيين وحلف الناتو، بالإضافة إلى دول الخليج وحلفاء أميركا، وهذا قد يفرض على العراق عزلة دولية لا يقوى على تجاوزها.
كشف رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” الكاتب البريطاني ديفد هيرست عن أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو فاجأ رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي خلال زيارته غير المعلنة الأخيرة لبغداد، وطلب منه إبلاغ الإيرانيين بأن الرئيس دونالد ترامب ليس متحمسا لحرب ضدهم، وكل ما يريده هو إبرام اتفاق نووي جديد يحمل اسمه.وفي مقال له في موقع ميدل إيست، نقل هيرست عن مسؤول عراقي رفيع في بغداد مطّلع على تفاصيل المحادثات قوله إن عبد المهدي كان يتوقع أن يطلق بومبيو النار على إيران، بعد الأنباء التي تفيد بأن واشنطن أرسلت حاملة طائرات وقاذفات بي 52 إلى الخليج في استعراض للقوة.
وأشار إلى أن عبد المهدي كان يتوقع أن يطالب بومبيو بسحب المليشيات الموالية لإيران التي يمكن أن تهاجم القوات الأميركية المتمركزة في العراق في وقت الحرب.لكنه لم يقل ذلك، وما قاله بومبيو كان مختلفًا تمامًا ولهجته فاجأت رئيس الوزراء العراقي، حسب المصدر المطلع على ما دار بالاجتماع.
وطلب بومبيو من عبد المهدي نقل رسالة إلى إيران مفادها أن الولايات المتحدة ليست متحمسة للحرب معها، وكل ما يريده ترامب هو اتفاق نووي جديد يطلق عليه اسمه. ورد عبد المهدي على بومبيو بأن الإيرانيين أناس يعتزون بأنفسهم، ولن يعيدوا فتح نقاش جديد حول الاتفاق النووي، لكنه أشار إلى أنه من الممكن الموافقة على إضافة بروتوكول للاتفاق. وكان رد بومبيو إيجابيا على هذه الإشارة، ووصفها بأنها فكرة جيدة.
كانت لهجة بومبيو إيجابية، لم يهدد خلالها إيران. وفي اليوم التالي، أرسل عبد المهدي مبعوثًا إلى طهران لإبلاغ المسؤولين هناك بالعرض”، بحسب المصدر ذاته.وفي الوقت نفسه، قال ترامب شيئا مشابها في خطابه الذي فتح فيه النار على وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري.وقال ترامب إنه “يرغب في أن يتصل به الإيرانيون”، وأضاف أن كيري كان أخبر الإيرانيين بأنه لا ينبغي عليهم الاتصال به، وقال إنه يرى “أنه ينبغي عليهم الاتصال، وإن فعلوا فنحن مستعدون لعقد محادثات وعقد صفقة عادلة معهم”.
وأضاف “لا نريد أن يمتلكوا أسلحة نووية، وهذا ليس طلبا صعبا. وسنساعد في إعادتهم إلى الوضع الطبيعي بشكل رائع. هم في حالة سيئة الآن، إنني أتطلع إلى اليوم الذي يمكننا فيه بالفعل مساعدة إيران، نحن لا نتطلع إلى إيذائها”.واستبعد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي اندلاع حرب بين إيران والولايات المتحدة، وقال إنهما لا تريدان ذلك، مؤكدا أن هناك مؤشرات من الجانبين على أن الأمور ستنتهي على خير.ونسبت وكالة الأنباء العراقية إلى عبد المهدي قوله إن العراق يتصل بكل من المسؤولين الإيرانيين والأميركيين، مشيرا إلى أن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران ملف معقد، وأن العراق يعمل جاهدا للتوصل لحلول له. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق وفي خضم التصعيد الأمني والعسكري في المنطقة : هل ستجر طهران واشنطن إلى مواجهة محدودة على الأراضي العراقية؟
يسيطر الترقب على الأجواء العراقية في ضوء تحذيرات وقرارات متسارعة من دول غربية بسحب رعاياها وتعليق أنشطتها في العراق وسط مخاوف في بغداد من أن تنقل إيران المواجهة المتوقعة مع الولايات المتحدة إلى الملعب العراقي وبأدوات عراقية، وهو ما يحمل العراقيين أعباء معاناة جديدة من الحرب.
يأتي هذا فيما تكشف تقارير استخبارية عن تمركز صواريخ لميليشيات حليفة لإيران قرب مواقع القوات الأميركية في العراق، ما يعني أن إيران تجهز لمواجهات قد تكون محدودة على الأراضي العراقية ومنع واشنطن من نقل المعركة إلى الداخل الإيراني.
وسرعان ما تحول طلب وجهته الخارجية الأميركية إلى الموظفين الأميركيين غير الأساسيين في السفارة بمغادرة العراق، إلى موجة، أسفرت عن لجوء ألمانيا وهولندا إلى إجراء مماثل.وعزز الطلب الأميركي التكهنات التي تشير إلى إمكانية اندلاع نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران، بالرغم من تأكيد مسؤولي البلدين أنهم لا يريدون الحرب.
وأعلنت السفارة الأميركية في بغداد أن قرار سحب الموظفين غير الأساسيين من العراق، اتخذ بسبب “تهديدات متزايدة”.وقالت السفارة، “بالنظر إلى سلسلة التهديدات المتزايدة التي يشهدها العراق (…) قرر وزير الخارجية الأميركي شمول البعثة في العراق بمغادرة الموظفين غير الأساسيين من السفارة الأميركية في بغداد والقنصلية الأميركية في أربيل”.وتعليقا على القرار الأميركي المفاجئ، قالت وزارة الخارجية العراقية في بيان لها إن الوضع الأمني في العراق مستقر.و أن السفارة الأميركية استخدمت رحلات تجارية عاجلة لنقل موظفيها من بغداد إلى عمان وبيروت، فيما أخلت شركة اكسون موبيل الأميركية العاملة في مدينة البصرة الجنوبية موظفيها الأميركيين إلى الكويت.وبالرغم من إصرار أطراف عراقية على أن “الأميركيين يواصلون إثارة الجدل بفبركة التهديدات بمفردهم في المنطقة”، إلا أن مصادر أمنية في بغداد تحدثت عن حصولها على معلومات تؤكد إمكانية تنفيذ عمليات خطف ضد رعايا أجانب في ثلاثة مواقع عراقية، في العاصمة بغداد والبصرة جنوبا وأربيل شمالا.
وقال الباحث ريناد منصور الزميل لدى مؤسسة تشاثام هاوس إن “الولايات المتحدة… ذهبت للقادة العراقيين لتقول أنتم إما معنا وإما معهم”. وأضاف “العراقيون كانوا يقولون لماذا لا نكون حلفاء للطرفين؟ لكن الأميركيين لا يعنيهم ذلك وأعتقد أن الإيرانيين كذلك لا يعنيهم”.ورجح المراقبون أن عصابات متخصصة في الجريمة المنظمة، على صلة بميليشيات عراقية موالية لإيران، هي التي كانت تخطط لتنفيذ عمليات الخطف.وتابعت أن المعلومات لم تحدد الجنسية المستهدفة بعملية الخطف، وهو ما يفسر إعلان ألمانيا وهولندا وقف عمليات بعثتيهما في العراق، لأسباب أمنية.
وفي سياق النأي عن النفس في الصراع الأمريكي الإيراني، شدد الرئيس العراقي برهم صالح، أمس، على ضرورة تغليب المصلحة الوطنية و«النأي عن سياسة المحاور»، في ظل مخاوف من تحوّل العراق إلى ساحة محتملة تتجلى فيها تداعيات التوتر الأميركي – الإيراني الحالي، على خلفية الحشود العسكرية التي ترسلها إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى مياه الخليج، وتحريك إيران لوكلائها في المنطقة بهدف تهديد أمن الطاقة العالمي.
وفي مؤشر إلى أن الأميركيين يخشون أن ترد إيران، مباشرة أو عبر وكلائها، باستهداف مصالحهم في العراق، أعلنت واشنطن، أمس، الطلب من جميع الموظفين غير الأساسيين مغادرة سفارتها في بغداد وقنصليتها في أربيل. وقال الناطق باسم السفارة الأميركية في بغداد، في بيان، إنه «بالنظر إلى سلسلة التهديدات المتزايدة التي نشهدها في العراق والتي أطلعنا الحكومة العراقية عليها خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي (مايك بومبيو) بتاريخ 7 مايو (أيار)، ومن خلال اتصالات لاحقة، قرر وزير الخارجية الأميركي شمول البعثة في العراق بمغادرة الموظفين غير الأساسيين من السفارة الأميركية في بغداد والقنصلية الأميركية في أربيل». وأضاف: «نقوم بمراجعة وتقييم سلامة وأمن وعمليات منشآتنا حول العالم وبشكل منتظم»، مبيناً «قررنا أن الأمر بالمغادرة الملزمة يعد مناسباً في ضوء الظروف الأمنية الحالية».
وقال المتحدث: «لا نتخذ هذه القرارات باستخفاف. إن سلامة الموظفين الحكوميين الأميركيين والمواطنين الأميركيين من الأولويات القصوى لوزارة الخارجية الأميركية». وتابع: «نحن واثقون من عزم الأجهزة الأمنية العراقية على حمايتنا لكن يبقى هذا التهديد خطيراً ونود التخفيف من خطر التعرض للأذى»، مشدداً على أن الأميركيين يبقون «ملتزمين بالشراكة مع العراقيين تعزيزاً لمصالحنا المشتركة».
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية، من جهتها، عن بيان لوزارة الخارجية الأميركية إن مجموعات إرهابية ومتمردة كثيرة تنشط في العراق منها «فصائل مذهبية معادية للولايات المتحدة» قد «تهدد الرعايا الأميركيين والشركات الغربية في العراق».
وفي الإطار ذاته، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن ألمانيا وهولندا أعلنتا أمس وقف عمليات تدريب الجنود العراقيين وسط التوترات بين إيران والولايات المتحدة.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية ينس فلوسدورف للصحافيين: «لقد أوقف الجيش الألماني تدريبه» للجنود العراقيين، متحدثاً عن «زيادة اليقظة» لدى الجيش الألماني في العراق. وقال فلوسدورف إن عمليات التدريب قد تستأنف خلال الأيام المقبلة وإنه «لا يوجد تهديد ملموس» في الوقت الحالي. ويوجد نحو 160 جندياً ألمانياً في العراق من بينهم 60 في التاجي شمال بغداد و100 في أربيل في كردستان العراق.
من ناحية أخرى، ذكرت وزارة الدفاع الهولندية أنها أوقفت كذلك عمليات التدريب التي تقوم بها في العراق بسبب «التهديدات»، بحسب وكالة الأنباء الهولندية. ويقوم أكثر من 50 جندياً هولندياً بتدريب قوات كردية في أربيل في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، بحسب الوكالة.
وذكر موقع وزارة الدفاع أن هولندا تشارك بخبيرين عسكريين وأربعة خبراء مدنيين في «مهمة بناء القدرات» التابعة لحلف شمال الأطلسي في بغداد.
من جانبه، أكد عضو البرلمان العراقي عن «تحالف الفتح» محمد سالم الغبان، وهو وزير سابق للداخلية، أن «من مصلحة العراق ألا يكون جزءاً من سياسة المحاور مع هذا الطرف أو ذاك ولكن الأمور تسير في غير هذا الاتجاه وخاصة من الطرف الأميركي». وتابع أن «هناك ضغوطاً على العراق للانضمام إلى المحور المعادي لإيران». وأضاف الغبان أن «هذا يكلف العراق ثمناً باهظاً على جميع الأصعدة، إن لم نقل إنه غير ممكن من الناحية الواقعية لعوامل عدة ولأسباب موضوعية». واعتبر أن «الموضوع معقد ويحتاج إلى قادة يتعاملون بحكمة فائقة وحزم لا يعرض البلد – الذي تنفس توّاً الاستقرار النسبي والدولة التي هي بالأساس هشة وضعيفة – لمخاطر وأزمات في وقت لا يمكننا خسارة إيران التي وقفت مع العراق منذ سقوط النظام السابق عام 2003 وإلى اليوم».
من جهته، أكد الدكتور حسين علاوي أستاذ الأمن الوطني في كلية النهرين أن «دلالات القرار الذي اتخذته الخارجية الأميركية بسحب أعداد كبيرة من موظفيها في سفارتها بالعراق إنما هي إشارات واضحة إلى تقدير الموقف العسكري من قبل الحكومة الأميركية والنظر إلى تحديات المنطقة وخصوصاً التهديدات من وكلاء إيران، وفق وصف الحكومة الأميركية ووزارة الدفاع، أو المتعاطفين معها في ظل العقوبات الأميركية عليها». وأضاف علاوي أن «الأمر الآخر هو أن الحكومة العراقية ملتزمة بحماية البعثة الدبلوماسية الأميركية في العراق وفقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية». وأوضح أن «الموقف الرسمي سيكون بالحياد لكونه يدرك تحدي الآثار على العراق، لكن الموقف غير الرسمي للقوى السياسية والفصائل الإسلامية لن يلتزم الحياد لكونه سيكون متعاطفاً مع الموقف الإيراني نظراً إلى العلاقات العميقة التي تربطها مع إيران، وبالتالي سيكون التحدي الحقيقي أمام الدولة العراقية متمثلاً في المسار غير الرسمي».
وحول مجريات الصراع، قال الدكتور علاوي إن «الصراع يتقدم نحو الحرب بالوكالة أكثر من التفاوض، والتفاوض ما زال محكوماً بصراع الإرادات بين الطرفين، حيث إن خفض حدة المطالب هو أحد السبل لكن حتى الآن لا يوجد وسيط قادر على إدارة التفاوض بينهما».
وتصاعدت حدة التوتر بين واشنطن وطهران منذ قرار الرئيس دونالد ترمب الانسحاب في مايو من العام الماضي من اتفاق إيران النووي في 2015. والأسبوع الماضي قام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بزيارة مفاجئة لبغداد تهدف إلى ترسيخ العلاقات مع العراق. وقال بومبيو للصحافيين إنه قام بالزيارة لأن القوات الإيرانية «تصعد أنشطتها»، وإن خطر الهجمات «محدد». لكن بومبيو لم يعط تفاصيل إضافية بشأن الخطط التي تحدث عنها. وأشارت الوكالة الفرنسية إلى أن بومبيو التقى خلال زيارته الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي وتطرق معهما إلى «أهمية تحقق العراق من قدرته على حماية الأميركيين بالشكل المناسب في بلادهم».
وأمن السلك الدبلوماسي أولوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وبومبيو الذي انتقد في السابق وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بشدة للهجوم الدامي على القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي شرق ليبيا.
ومع تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران يجد العراق نفسه محاصرا بين جارته إيران، التي تنامى نفوذها الإقليمي في السنوات الأخيرة، وبين الولايات المتحدة. وتعتبر إيران العراق حلقة وصل مهمة مع العالم في مواجهة العقوبات الأميركية ويقول المحللون إن نشر صواريخ وقوات موالية لإيران يشير إلى أن طهران تستعد على الأقل لتهديد الولايات المتحدة بالعنف.
يميل معظم المراقبين إلى أن العراق سيكون أول ساحة قتال محتملة لمواجهات لن تكون بين الولايات المتحدة وإيران اللتان تتجنبان الحرب وتعلنان حرصهما على عدم الدخول في دائرتها بينما تهدد الولايات المتحدة بالرد على إيران إذا هاجمت قواتها ومصالحها في العراق أو في المنطقة في مقابل تحذيرات إيرانية من ردود “قاسية” على الولايات المتحدة والدول الحليفة لها. وتحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري لأكثر من 5200 جندي يتوزعون على ثمانية قواعد، من بينها قواعد في إقليم شمال العراق من المحتمل ألا تعترض حكومة الإقليم على استخدامها من قبل الأمريكيين ضد إيران.
وتتحسب إيران من استخدام الولايات المتحدة أراضي إقليم شمال العراق، قاعدة حرير العسكرية في أربيل، لشن هجمات على منشآت أو مدن إيرانية أو استهداف القوات الحليفة لها في العراق. وفي تصريحات أدلى بها قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي حذر فيها بان أراضي إقليم شمال العراق “ستكون تحت رحمة الصواريخ الإيرانية” حال تقديم أي مساعدات لوجستية أو حال استخدام أراضي الإقليم منطلقا لضرب إيران.
سبق لنائب وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط خلال زيارته لأربيل مؤخرا أن طلب بشكل صريح من حكومة الإقليم والقيادات السياسية في الحزبين الكرديين وقف التعامل مع إيران، كجزء من الحملة التي تقودها واشنطن ضد طهران ودورها المزعزع للاستقرار في المنطقة.
أعلن التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم داعش، ليل الثلاثاء 14 أيار/ مايو، “حالة تأهب قصوى بسبب تهديد وشيك للقوات الأمريكية بالعراق” في ذات الوقت الذي أعلن التحالف في وقت سابق إن الحرب على إيران ليست من مهامه.
السياسات الأمريكية الجديدة تتضمن تحميل إيران المسؤولية المباشرة عن أي هجمات تشنها جماعات أو منظمات أو قوات حليفة لها ضد مصالح الولايات المتحدة، وهو ما يثير قلق حكومات بعض الدول، مثل لبنان والعراق الذي تنشط فيه مجموعات مسلحة طالما هددت الولايات المتحدة، مثل عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي وحركة النجباء وفصائل أخرى حليفة لإيران.
وترى الولايات المتحدة أن “عصر تجاهل الاعتداءات الإيرانية قد انتهى”، وأن واشنطن ستحاسب طهران على “هجمات وكلائها دون تفريق بين الحكومة الإيرانية ووكلائها”.
وتتبنى إيران سياسة خوض حروبها الخارجية عبر قوات “محلية” حليفة لها في عدد من دول المنطقة، العراق وسوريا ولبنان واليمن، من منطلق إدراكها بأن المواجهة المباشرة من خلال القوات النظامية أو الحرس الثوري مع الولايات المتحدة أو الدول الحليفة لها ستكون ذات أكلاف مرتفعة تثقل كاهل المؤسسات العسكرية والاقتصاد الإيراني والبنية التحتية للبرنامج النووي وبرنامج الصواريخ البالستية متوسطة المدى.
تصاعدت حدة التوترات الأمريكية الإيرانية بعد تلقي الإدارة الأمريكية معلومات استخبارية إسرائيلية عن مخطط إيراني لاستهداف جنود أمريكيين في العراق أو في قاعدة التنف العسكرية في سوريا على المثلث الحدودي العراقي السوري الأردني بواسطة مجموعات مسلحة عراقية حليفة لإيران قالت وسائل إعلام أمريكية أنها لمقاتلين من حركة عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراق.
وتنتشر وحدات عسكرية تابعة لمقاتلي الحشد الشعبي في غرب محافظة الأنبار وتسيطر على مسافات طويلة من الحدود العراقية السورية.وتتخوف الولايات المتحدة من تزويد إيران لبعض المجموعات العراقية المسلحة بصواريخ متوسطة أو بعيدة المدى لاستهداف القوات الأمريكية ومصالحها في العراق، وفي سوريا أيضا.
ووفقا لتقارير إعلامية وتصريحات لمسؤولين أمريكيين فإن إيران سبق أن زودت فصائل مثل عصائب أهل الحق وحركة النجباء وحزب الله العراق بصواريخ يصل مداها إلى 300 كيلومتر، وأخرى بمديات 150 كيلومتر و210 كيلومتر يمكن أن تصل إلى الأهداف الأمريكية في العراق وسوريا.
يسود اعتقاد في الأوساط السياسية العراقية بأن أي تصعيد عسكري بين الولايات المتحدة وإيران ستكون الأراضي العراقية المسرح الأهم له، إلى جانب الاعتقاد بان أي مواجهة بين البلدين ستكون بدايتها من العراق الذي تفرض إيران نفوذها الواسع عبر مجموعات شيعية مسلحة حليفة لها.
ولا تبدو إيران بحاجة للدخول في مواجهات عسكرية “مباشرة” مفتوحة على كل الاحتمالات مع الولايات المتحدة طالما أن هناك قوات “محلية” حليفة لها في أكثر من دولة من دول المنطقة قادرة على استهداف المصالح والأفراد الأمريكيين، ومصالح الدول الحليفة لها في المنطقة. كما إن الولايات المتحدة لا ترغب هي الأخرى في ضرب إيران أو الدخول في حرب معها غير مضمونة النتائج حتى مع واقع غياب أي معيار من معايير التوازن في القوة العسكرية للبلدين.
قد تجد إيران نفسها أمام خيار تحريك القوى الحليفة لها لاستهداف مصالح أمريكية في العراق والمنطقة مع تصاعد حدة الآثار المترتبة على “حملة الضغط القصوى” الأمريكية لتفجير الأوضاع في المنطقة ودفع المجتمع الدولي للضغط على الولايات المتحدة للقبول بالجلوس إلى طاولة الحوار مع إيران بعيدا عن الشروط “التعجيزية” التي وضعها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
أن التجاذب بين الولايات والمتحدة وإيران هو أساس الأزمة التي لا تملك الحكومة العراقية رؤية واضحة للخروج منها، فلا أحد في تلك الحكومة يمكنه الزعم بإمكانية أن تتخذ الميليشيات موقفا محايدا من الصراع من أجل تجنيب العراق تداعيات الحرب إن وقعت.إن الميليشيات تعتبر تلك الحرب حربها وهي لا تنظر إليها باعتبارها حدثا خارجيا، أما الحكومة العراقية فإنها حين تتحدث عن موقف النأي بالنفس فإنها في الوقت نفسه لا يمكنها أن تخفي قلقها من أن تقوم الميليشيات بما يُحرجها وهو ما لا تستطيع مجابهته ذلك لأنها أضعف من أن تدخل في صراع مع الميليشيات.
تعيش الميليشيات العراقية الموالية لإيران حالة من الترقب، بانتظار الردّ الأميركي على هجوم صاروخي استهدف محيط سفارة الولايات المتحدة في بغداد، فيما تميل المؤشرات إلى أن الهجوم هو بمثابة جسّ نبض إيراني لاختبار صبر واشنطن ونواياها. ويعتقد المراقب أن الرد الأميركي سيكون مؤجلا إلى أن تتعرف الولايات المتحدة على حقيقة ما يجري في العراق، وهو ما يمكن أن يستغرق وقتا طويلا وسيكون بمثابة وقت عصيب بالنسبة لقادة الميليشيات الحائرين بين ولائهم لإيران ومنافع الحكم في العراق التي يمكن أن يفقدوها إذا ما وضعت الولايات المتحدة نهاية لسلطتهم. وهو ما كان مقتدى الصدر صريحا فيه حين أشار إلى نهاية العراق.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية