تكلفة متصاعدة: اليمن.. حسابات الحرب والحوار بين السعودية والحوثيين

تكلفة متصاعدة: اليمن.. حسابات الحرب والحوار بين السعودية والحوثيين

الملك-سلمان-وعبدالملك-الحوثي-610x328

بعد مضي ما يقرب من ثلاثة أشهر على عملية “عاصفة الحزم”، يبدو الصراع داخل اليمن أكثر تعقيدًا، فالحوثيون وحلفاؤهم المحسوبون على الرئيس السابق علي عبد الله صالح يرفضون التراجع عن المناطق التي يُسيطرون عليها، ويطمحون إلى بسط نفوذهم على كافة الأراضي اليمنية، كما أن عامل الوقت أثبت أنه لا يصب كثيرًا في صالح حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، إذ إن العمليات العسكرية التي ينفذها تحالف “عاصفة الحزم” لم تحقق الكثير من أهدافها، ولم تحسن من وضعية القوات الشعبية المؤيدة لحكومة منصور هادي، فضلا عن تدهور الأوضاع الإنسانية داخل اليمن، وتعزيز احتمالات تنامي نفوذ تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.

هذه المعطيات لم تكن غائبة عن مفاوضات جنيف (التي انعقدت في الفترة من 14 إلى 19 يونيو 2015) بين أطراف الصراع اليمني برعاية الأمم المتحدة، والتي عكست بصورة أو بأخرى صعوبة التوصل إلى تسوية للصراع في الأجل القصير على أقل تقدير.

إخفاقات جنيف:

لم تؤدِّ محادثات جنيف بشأن الصراع اليمني إلى التوصل إلى صيغة توافقية لتسوية الصراع، وهو ما دفع كل طرف من أطراف الصراع إلى اتهام الطرف الآخر بأنه المسئول عن إفشال المحادثات؛ حيث ذكر وزير الخارجية اليمني (التابع لحكومة الرئيس عبد ربه منصور) رياض ياسين، إن الحوثيين وأنصارهم من حزب الرئيس السابق عبد الله صالح هم المسئولون عن إخفاق المحادثات، وعدم التوصل إلى نتائج إيجابية بخصوص الأزمة اليمنية. فيما اعتبر رئيس وفد الحوثيين وحلفائهم حمزة الحوثي أن الطرف الآخر هو المسئول عن عرقلة المحادثات عبر فرض شروط غير مقبولة.

هذا بالإضافة إلى عدم وجود أجندة محددة مشتركة للمفاوضات بين الطرفين يمكن على أساسها إدارة المحادثات. فإن هناك إشكاليتين رئيسيتين اعترضتا المفاوضات، أولاهما إشكالية الشرعية، حيث إن كل طرف يدعي أنه يمتلك الشرعية للتعبير عن الدولة اليمنية، لا سيما مع رفض الحوثيين وحلفائهم التفاوض مع الوفد الحكومي، وفقًا لصيغة مجموعة متمردة “الحوثيين وحلفائهم” في مقابل حكومة شرعية معترف بها دوليًّا. ومن ثمَّ دخل تحالف الحوثيين المفاوضات على أساس أنها محادثات بين فرقاء سياسيين، ولا يمكن لحكومة عبد ربه منصور ادعاء تمثيلها الشرعية اليمنية.

واستصحبت إشكالية الشرعية إشكالية أخرى ارتبطت بالشروط المسبقة التي فرضها كل طرف قبل الشروع في العملية التفاوضية؛ إذ إن وفد التكتل الحوثي (الذي يضم الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام) طالب قبل البدء في التفاوض بوقف الحصار البحري والجوي المفروض على اليمن، ووقف الضربات الجوية التي تنفذها قوات التحالف بقيادة المملكة السعودية والتي تستهدف مواقع الحوثيين داخل اليمن. بينما طالب وفد الحكومة اليمنية بضرورة انسحاب القوات المنتمية للحوثيين “المعروفة بأنصار الله” والرئيس السابق علي عبد الله صالح من كافة المناطق التي يسيطرون عليها منذ سبتمبر الماضي.

وفي هذا السياق، استند وفد الحكومة اليمنية إلى قرار مجلس الأمن رقم 2216 في تعزيز موقفه، فالقرار الصادر في 14 إبريل 2015 بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ينص على الاعتراف بشرعية حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور، كما يطالب القرارُ الحوثيين “بسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة الإضافية التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، بما في ذلك منظومات القذائف، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية في اليمن”. وبالتوازي مع استدعاء وفد الحكومة اليمنية لهذا القرار، بدا أن الجانب الحوثي لا يعترف بهذا القرار من الأساس، لا سيما وأنه قرار يعترف بشرعية الحكومة، ويخصم من المكاسب العسكرية التي حققها الحوثيون، والتي يمكن توظيفها في أي عملية تفاوضية قادمة.

تكلفة الحرب:

تبدو تكلفة الاستمرار في الحرب مرتفعة بالنسبة للدولة اليمنية، فقد تدهورت الأوضاع الإنسانية كثيرًا، وهذا ما عبّرت عنه الأمم المتحدة مؤخرًا حينما ذكرت أن اليمن في حاجة إلى مساعدات تُقدر بـ 1,6 مليار دولار للتعاطي مع الأوضاع المتدهورة التي خلفها الصراع الجاري. وبالرغم من تلك المعطيات فإن حسابات الحرب والحوار بين أطراف الصراع ستظل مرتهنة بعددٍ من العوامل الجوهرية التي يُمكن إيجازها فيما يلي:

أولا- إدراك أطراف الصراع طبيعة التهديد الناجم عن تعاظم نفوذ تنظيمَيْ القاعدة والدولة الإسلامية داخل اليمن، فتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية يستغل الصراع الدائر لتعزيز تواجده في اليمن، لا سيما مع سيطرته على مدينة المكلا. كما أن تنظيم الدولة الإسلامية وجد له موطئ قدم هناك، خاصة مع التسجيل الصوتي الذي تم نشره على شبكة الإنترنت خلال شهر نوفمبر 2014 بعنوان “البيعة اليمانية للدولة الإسلامية”، وبموجب التسجيل قام تنظيم يطلق على نفسه “مجاهدي اليمن” بمبايعة تنظيم الدولة الإسلامية. وخلال الفترة الأخيرة تجلى نشاط التنظيم مع هجماته المستمرة على أماكن تابعة (مساجد ومنازل) للحوثيين.

ثانيًا- المدى الذي يمكن أن تصل إليه قوات المقاومة الشعبية التابعة للحكومة اليمنية وعمليات التحالف الذي تقوده المملكة السعودية، فبعد نحو ثلاثة أشهر من العمليات يبدو أن أهداف التحالف لم تتحقق بصورة كبيرة، فالضربات الجوية لم تقوض من السيطرة الحوثية على أغلب الأراضي اليمنية؛ حيث لا يزل الحوثيون وحلفاؤهم يتحكمون بشكل واضح في صنعاء، وعدن، ولحج، وتعز، وشبوة، كما أن المقاومة الشعبية (المدعومة من قوات التحالف) تُعاني من عدة إشكاليات، منها: اختلاف التوجهات بين عناصر المقاومة، وتسرب الكثير من الأسلحة التي وجهتها المملكة السعودية للمقاومة إلى السوق السوداء، وخاصة في عدن، ناهيك عن تأخر إمدادات الأسلحة لبعض فصائل المقاومة كتلك المتمركزة في جبل صابر الاستراتيجي، وهو ما دفعها إلى الانسحاب في مواجهة قوات الحوثيين. ومن ثم فإن طبيعة العمليات العسكرية وتطورها ستحدد إلى أي مدى يُمكن لأطراف الصراع الاستمرار في الخيار المسلح، أو اللجوء إلى التفاوض السلمي.

ثالثًا- التنافس الإيراني-السعودي والذي يُشكل محددًا رئيسيًّا للصراع داخل اليمن، فكلا الطرفين يدخل الصراع على اعتبار أنه جزء من التنافس المستمر على النفوذ داخل الإقليم، فإيران ظلت لسنوات توظف صراعات المنطقة في تشكيل أوراق للضغط تستخدمها في إدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب، وخاصة فيما يتعلق بملفها النووي، وهذه الصيغة كانت أيضًا هي الحاكمة للتعاطي الإيراني مع القضية اليمنية، وبالتالي مساندتها للحوثيين. وفي المقابل لم ترغب المملكة السعودية للصراع اليمني أن يتحول إلى أداة للضغط عليها عبر وجود حكومة شيعية متحالفة مع إيران على حدودها الجنوبية، لذا أعلنت عن انخراطها العسكري المباشر في مواجهة الحوثيين.

ويبدو أن المملكة السعودية ستستمر في عملياتها العسكرية عقب إخفاق مفاوضات جنيف؛ حيث أعلن وزيرُ الخارجية السعودي عادل الجبير “أن كل الخيارات مفتوحة، وأن المملكة السعودية وحلفاءها ملتزمون بالدفاع عن الشرعية في اليمن، وإيقاف الميليشيا المتحالفة مع إيران وحزب الله، ومنعها من السيطرة على اليمن”. كما ذكر الجبير -في المقابلة التي أجراها مع محطة “روسيا اليوم”- أن التدخل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن مؤشر على تجاهل طهران علاقات حسن الجوار. واتساقًا مع هذه الرؤية، استمرت العمليات العسكرية التي تقودها المملكة السعودية في أعقاب مفاوضات جنيف، إذ استهدفت حوالي 15 عملية جوية المداخل الشمالية والشرقية والغربية المؤدية إلى عدن، في محاولة للتضييق على قوات الحوثيين، ومساعدة قوات المقاومة الشعبية.

رابعًا- تقديرات الولايات المتحدة لمجريات الأوضاع في اليمن، ومدى إدراك واشنطن لفرضية أن استمرار الأوضاع الراهنة في اليمن ليس في صالحها، خاصة وأن الضربات العسكرية (التي دعمتها واشنطن في بادئ الأمر) لتحالف “عاصفة الحزم” مستمرة منذ ثلاثة أشهر تقريبًا، ولم تؤدِّ إلى نتائج إيجابية كافية، بل على العكس امتدت تداعيات الصراع إلى دول الجوار وفي مقدمتهم المملكة السعودية، ودلل على ذلك بالصواريخ التي أطلقها الحوثيون على جنوب المملكة.

علاوة على ما سبق، فإن تعاظم نفوذ القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في اليمن يُشكل عنصر ضغط على صانع القرار الأمريكي، وقد يدفعه في نهاية المطاف إلى البحث عن مسارات أخرى تفاوضية يشترك فيها الحوثيون وإيران، وخاصة في حال تعزز لدى واشنطن اقتناع بأن تنظيم أنصار الله (الجناح العسكري للحوثيين) هو الجهة التي يمكن الارتكان إليها في مواجهة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.

محمد بسيوني عبدالحليم

المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية