بعد سنوات شتات التنظيم… أين يختبئ زعيم داعش؟

بعد سنوات شتات التنظيم… أين يختبئ زعيم داعش؟

في 29 أبريل (نيسان) الماضي، ظهر البغدادي في فيديو جديد لأول مرة منذ ظهوره الشهير على منبر مسجد النوري في الموصل عام 2014 معلنا نبأ الخلافة المزعومة. لكن شتان بين الظهورين، فبينما كان يقف في الأول متحدثا بقوة، ظهر في الأخير جالسا على الأرض، وقد بدت عليه آثار الهزيمة، على الرغم من محاولاته التذكير بالعمليات الإرهابية التي لا يزال ينفذها أتباعه في 8 دول، وتطرقه إلى بيعة مقاتلين في بلدان أفريقية، وإشادته بتفجيرات عيد القيامة في سريلانكا. ولفت الأنظار إلى الملف الذي كان يحمله وقد كُتب عليه “ولاية تركيا”، وهو ما أوحى إلى البعض باحتمالات اختبائه بالقرب من الحدود التركية.

بعد خمس سنوات من إعلان تنظيم داعش الإرهابي دولته المزعومة في العراق وسوريا وسيطرته على مدينة الموصل، ثالث أكبر مدينة عراقية في يونيو (حزيران) 2014 وإعلان الرقة السورية عاصمة خلافته، أصبح التنظيم مجرد عناصر متناثرة تحاول الهروب والتخفي في مناطق مختلفة، سواء داخل تلك البقعة التي ظهروا فيها، أو بالتسلل إلى غيرها من البقاع المضطربة في المنطقة العربية، بمن فيهم زعيم التنظيم ذاته.

وفيما يلفظ داعش أنفاسه الأخيرة بعد القضاء على آلته العسكرية، لا تزال هناك معركة تـُجرى في صمت تتعلق بالجهود الاستخباراتية للتعرف على مكان اختباء زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، الإرهابي المطلوب دوليا.

وأخيرا، وعلى وجه الدقة هذا الأسبوع، كشف مدير الاستخبارات العسكرية العراقية سعد مزهر العلاق معلومات بشأن تنقل البغدادي في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق. وحدد احتمال تنقله بين منطقة حمص وصحراء الأنبار ومنطقة البعاج والحضر ومناطق المنايف والصخريات، والمثلث العراقي التركي السوري. بينما ذكرت تقارير أخرى تفيد بفرار البغدادي إلى الجنوب الليبي أو إلى شرق أفغانستان.

صحراء العراق وسوريا

العميد يحيى رسول، المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية وقيادة العمليات المشتركة، قال لـ”إندبندنت عربية”، “بعد معارك التحرير التي قادها الجيش العراقي وقوات التحالف الدولي، هرب البغدادي باتجاه الأراضي السورية، حيث لا يزال لديه هناك بعض المناطق التي بإمكانه الاختباء بها”.

وكشف عن “معلومات تفيد بأن زعيم داعش قام بتغيير شكله وملابسه حتى يتمكن من التنقل والهروب بين المناطق المختلفة”، وأشار إلى “أن هناك متابعة مُحكمة لتحركات المجرم الإرهابي الدولي، وبمجرد تحديد موقعه لن نتأخر في استهدافه”.

وأضاف رسول “من المحتمل أيضا أن يتحرك البغدادي إلى مناطق أخرى، لكن المرجح أنه محاصر في المثلث بين العراق وسوريا من قبل قوات الجيش العربي السوري وقوات الجيش العراقي”، وأوضح “أن هذا المثلت يتكوّن من مناطق صحراوية وعرة تسمح له بالاختباء، لذا يتم توجيه ضربات نوعية في هذه المناطق”.

وفي الوقت الذي يؤكد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة اختباء البغدادي في الجيوب الصحراوية بين العراق وسوريا، فإن هناك رواية أخرى يؤكدها مسؤولون ليبيون، تفيد “بوجوده في الأراضي الليبية”.

لماذا ليبيا؟

كانت صحف بريطانية ذكرت قبل أسابيع “أن دولا غربية، بينها بريطانيا، تبحث عن زعيم داعش في ليبيا بناء على معلومات استخباراتية تفيد بوجوده هناك”.

وفي سياق متصل، قال العميد خالد محجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة العربية الليبية، “بدراسة عقلية إرهابي كالبغدادي فمن المنطقي أن يكون موجودا في ليبيا، بعد تهديد حياته في المثلث الواقع بين سوريا والعراق، عقب إحكام القبضة الأمنية هناك، بالإضافة إلى وجود الحاضنة السياسية في ليبيا التي تتمثل في جماعة الإخوان المسلمين، خاصة أن هناك تحالفا بين داعش والإخوان”.

وتابع محجوب “ليبيا مساحتها كبيرة، وبها منافذ برية وبحرية وصحارٍ، تتنقل عبرها عناصر داعش في مجموعات صغيرة بالمناطق التي يسيطر عليها الإخوان”.

وعن احتمالية وجوده في سوريا استبعد الأمر جملة وتفصيلا، واستشهد “بأن التجربة أثبتت أن أي إرهابي مطارد يفكر في الهروب فلن يجد خيارا أفضل من ليبيا التي تنتشر في أراضيها التنظيمات الإرهابية”.

وهناك سوابق لعناصر إرهابية تخفت في أزياء مختلفة للهروب من قبضة قوات الأمن، بينهم المحاولة الفاشلة لتسلل المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع إلى ليبيا مرتديا النقاب، بالإضافة إلى محاولات هروب قيادات جماعة الإخوان عقب فض اعتصام رابعة متنكرين إلى ليبيا قبل أن تلقي قوات الأمن المصرية القبض عليهم، ففي 21 أغسطس (آب) 2013، ألقت السلطات المصرية القبض على الداعية المتشدد صفوت حجازي عند مدخل واحة سيوة بمرسى مطروح، في كمين نصّبته القوات المسلحة، وظهر صابغا شعره وقد حلق لحيته.

الأمر نفسه لم يستبعده القائد العسكري العراقي العميد يحيى رسول، “من المحتمل أن يكون البغدادي فرّ إلى ليبيا متخفيا، خاصة مع انتشار الجماعات الإرهابية هناك، ووجود أذرع للتنظيم بها وامتداد في مصر، كل هذا يوفر له انتقالا آمنا تحت تنسيق دقيق بين داعش ونظائره من التنظيمات الإرهابية”.

وردا على احتمالية وجود البغدادي في إدلب السورية، حيث تحتشد الجماعات الإرهابية في مواجهة الجيش السوري، نفى رسول هذا السيناريو، “إدلب يسيطر عليها تنظيم القاعدة وتنظيمات إرهابية عديدة، جميعها على خلاف مع داعش”.

أربع مناطق محتملة

بدوره يتوقع هشام الهاشمي، الكاتب والباحث في الشئون الأمنية والمستشار السابق في رئاسة الوزراء العراقية، “أن يكون البغدادي محاصراً في إحدى أربع مناطق محتملة، وهي بادية حمص، أو صحراء تدمر في سوريا، أو صحراء الأنبار، أو جزيرة راوة الواقعة شمال الأنبار في العراق، وهو ما كشفت عنه اعترافات القيادات التي اعتقلت شرق نهر الفرات، وأبرزهم أبو صهيب عبد الناصر الكرداشي العفري، وأبو زيد العراقي إسماعيل علوان العيثاوي الذي اعتقل في وقت سابق من قِبل المخابرات العراقيّة، إذ توافقت اعترافاتهم على هذه المناطق فقط”.

السودان… هل تكون وجهة البغدادي الجديدة؟

وفي ظل سقوط التنظيم في العراق وسوريا، يتجه البغدادي إلى البحث عن موطئ قدم جديد يطلق منه عملياته، وربما يعلن فيه خلافة جديدة مزعومة. وهو سيناريو ظهرت بوادره في بعض الدول الآسيوية مثل الفلبين وسريلانكا، وهو أيضا ما أعلنه البغدادي عندما ظهر في الفيديو الأخير، إذ أشار إلى “مبايعة جماعات في بوركينا فاسو ومالي التنظيم”.

وبينما استبعد الهاشمي صعوبة فرار البغدادي إلى ليبيا لخطورته، فإنه كشف عن مؤشرات تؤكد “أن قيادات كبيرة من تنظيم داعش من جنسيات غربية وصلت إلى السودان”، وفقا إلى “وثائق واعترافات عثرت عليها دوائر استخباراتية”.

وأوضح أن “التنظيم الإرهابي يبحث عن مناطق هشة مثل الجزائر والسودان، اللذين يشهدان اضطرابات سياسية كبيرة”، وأشار إلى أنه “في السودان تحديدا لدى داعش موطئ قدم قديم هناك، خاصة مع تجربة تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن في التسعينيات، كما أن السودان بلد واسع وحَكمه الإسلام السياسي فترة طويلة، لذا فإنه يوفر له بيئةً خصبةً”.

استراتيجيات جديدة بخلايا احتياطية

العميد يحيى رسول أكدا “أن المعركة الحالية مع التنظيم هي معركة استخباراتية، حيث هناك متابعة مستمرة وجهود استخباراتية كبيرة وناجحة، جنبا إلى جنب مع عمليات متابعة وملاحقة، عبر العمليات الاستباقية للقضاء على الخلايا النائمة في المناطق الصحراوية أو المدن، حيث تـُجرى عمليات في صحراء نينوي باتجاه الأراضي السورية ومطاردتهم في وادي حوران وصحراء هيت والأنبار، وأيضا في صحراء الجزيرة إضافة إلى سلاسل جبال حمرين التي تمتد حوالى 220 كم”. ويضيف القائد العسكري “نفذنا ضربات وعمليات نوعية وإنزال نوعي من قِبل قوات جهاز مكافحة الإرهاب العراقية وضربات موفقة لقوات الجيش. أحيانا نستخدم طائرات قوات التحالف لتدمير مخابئهم إذ نستهدف بعض الأوكار والكهوف والمقار، وحققنا نصراً عسكرياً على داعش أنهينا به آلته العسكرية، ولا تزال أمامنا جهود للتخلص من هذه الخلايا”.

غير أن الهاشمي، المستشار السابق في رئاسة الوزراء العراقية، يرى “أن الاستخبارات لا تمتلك القدرة على اختراق التنظيم الهيكلي الجديد لداعش، لأن داعش يتكيف ويتعايش مع الهزيمة، فقد اعترف بها، وجمّد كل العناصر التي خسرت معارك الدفاع، وأبعدهم عن الساحة كقوة احتياطية، وأيقظ الخلايا الاحتياطية وكلفها بمهام الهيكل الجديد”.

وأضاف ” كل قواعد المعلومات التي تمتلكها الاستخبارات العراقية مجرد تاريخ للتنظيم الذي يعمل باستراتيجيات جديدة”، وبرهن على هذا “بأن بيانات الإعلام الأمني العراقي استخدمت كلمة (والي) عند إعلان الاستخبارات عن قتل والي صلاح الدين، وهي كلمة لا يستخدمها داعش منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، ومناصب كثيرة تسميها الاستخبارات بأسماء غير موجودة الآن بعد تغيير داعش لخططها”.

وأنهى حديثه “بأن كثيرا من المراقبين لا يثقون بإعلانات الاستخبارات العراقية إلى أن يتم تأكيدها من التحالف الدولي أو الاستخبارات الأميركية أو الفرنسية، إذ لديها التحديثات الدقيقة لهيكل التنظيم الجديد”.

اندبندت