روسيا بين الحليف الإيراني والقمة الأمنية المقبلة بالقدس

روسيا بين الحليف الإيراني والقمة الأمنية المقبلة بالقدس

يطرح الدور الروسي في الشرق الأوسط أخيراً، تساؤلات حول طبيعة هذا الدور، الذي أضحى يلعب عدة أدوار متغلغلة ومتداخلة بالمنطقة، فما بين الحليف لإيران، ثم المنافس لها، إلى لعب دور المفتاح الرئيسي لكثير من التسويات الإقليمية.

فقد شهدت الآونة الأخيرة تكثيف الجهود الدبلوماسية الإيرانية من أجل اكتساب ظهير دولي وإقليمي لها في مواجهة الضغوط الأميركية الأخيرة الاقتصادية منها والعسكرية، فجاءت زيارة روسيا في الوقت الذي أعلنت فيه إيران أنها ستتوقف عن الوفاء ببعض التزاماتها الطوعية بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، رداً على إخفاق أوروبا في توفير الأرباح الاقتصادية الموعودة لها.

وفي هذا الإطار أرسلت روسيا أحد الدبلوماسيين البارزين إلى طهران، لحث الإيرانيين على التراجع عن تهديدهم باستئناف بعض الأنشطة النووية، رداً على حملة “الضغط الأقصى” الأميركية، وكيفية عقد جلسة مشتركة حول كيفية تزويد طهران بالحوافز، التي تحتاجها للبقاء في الصفقة.

من جهة أخرى، ستُعقد خلال الشهر الحالي قمة أمنية ثلاثية بين (إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة) بمدينة القدس، لمناقشة الأوضاع الإقليمية. ويبرز الحديث عن أن محور اهتمام القمة هو الملف السوري والدور الإيراني، بما يثير التساؤل حول مسار العلاقات الروسية الإيرانية خلال الفترة المقبلة. وكيفية إدارة روسيا علاقاتها بإيران على النحو، الذي يجعلها حليفاً إقليمياً لها من جهة، وتحجيم دورها من جهة أخرى.

لماذا تعرض إيران اتفاق “عدم اعتداء” على دول الخليج؟
تحاول روسيا الاستفادة من الضغوط الإقليمية والدولية على إيران، لتحقيق مكاسب على المستويين الدولي والإقليمي، لذا تحاول لعب دور متزايد كوسيط بين الولايات المتحدة وإيران مع اقتراب الدولتين من مواجهة إقليمية.

روسيا الحليف لإيران، إذ توجد مصالح مشتركة، تبلورت في التعاون السياسي، الذي تجلى في (محادثات أستانة) بشأن الأزمة السورية وتوسيع التجارة الثنائية، وتسليم نظام S-300 والأنشطة العسكرية المشتركة في سوريا، ورغم ذلك هناك مساحات واسعة للاختلاف بين البلدين، تحددها اتجاه السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط.

ففيما يتعلق بطلب إيران بتجاوز العقوبات الأميركية على صادراتها النفطية والوصول إلى عائدات النفط، كمنتج رئيسي للنفط، لن تقدم روسيا كثيراً في هذا الصدد. أمَّا على مستوى الدعم السياسي، فهناك الكثير، الذي ربما تقدمه روسيا إلى إيران في حالة وجود قرار محتمل ضد إيران برعاية الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، يمكن لإيران أن تأمل في (فيتو روسي). وإيران بنهجها المناوئ الولايات المتحدة في المنطقة، إلى جانب مصالحها الجيوسياسية والأمنية المشتركة مع موسكو قد تدفع روسيا إلى دعمها. كما لا يمكن لروسيا أن تتجاهل دور إيران كلاعب في الشرق الأوسط ووسط أوراسيا، إن عدم استقرار أو تغيير سياسي أساسي في إيران لصالح الولايات المتحدة، يمكن أن يضر بالمصالح الروسية في هاتين المنطقتين.

من جهة أخرى، روسيا غير راغبة بالدخول في صراع (أميركي – إيراني)، وتسعى بدلاً من ذلك إلى توظيف هذا التوتر، لتحقيق مكاسب على مستوى علاقتها بواشنطن.

لذا فالمواجهة (الأميركية – الإيرانية) تخدم المصالح الروسية، فالتوتر بينهما يعيد توجيه التركيز الأميركي من روسيا ودول الكومنولث نحو إيران والشرق الأوسط، كما يخدم الضغط الأميركي أيضاً المصالح الروسية، إذ يدفع إيران أكثر نحو روسيا، ويمنح روسيا مكانة شريك متزايد الأهمية لإيران.

كما يستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأزمة لتعزيز نياته الحسنة مع ترمب كوسيط وشريك، لذا من المقرر في قمة مستشاري الأمن القومي للولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل بالقدس هذا الشهر أن تتم معالجة المخاوف الإسرائيلية والأميركية المتعلقة بإيران من خلال روسيا.

فمن المتوقع أن تتناول القمة المخاوف الإسرائيلية، التي تدور حول جهود إيران لترسيخ نفسها عسكرياً بالقرب من حدود إسرائيل، والانسحاب المخطط للقوات الأميركية من سوريا.

ومن المحتمل أن تراعي روسيا المخاوف الإسرائيلية، فسبق أن وافقت روسيا على الهجمات الإسرائيلية ضد المنشآت الإيرانية للصواريخ والطائرات دون طيار، التي اُستخدم بعضها لشن هجمات ضد إسرائيل. لكن من المؤكد أن نتنياهو يسعى إلى تعاون روسي أكبر للقضاء على الوجود الإيراني بسوريا، وسحب القوات الإيرانية منها.

من جهة أخرى، تريد روسيا تجنّب حدوث الصراع العسكري بين الولايات المتحدة وإيران، لما لهذا السيناريو من تداعيات مزعزعة الاستقرار بالمنطقة، لكن السبب الأهم هو تجنّب أي سيناريو يستلزم زيادة عدد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل تمتع روسيا، بنفوذ إقليمي أكبر مما كانت عليه منذ عقود. لذلك ستحاول موسكو استخدام الدبلوماسية، لتقليل فرصة حدوث نزاع أميركي إيراني، وأيضاً ستعمل روسيا على توظيف المخاوف الإسرائيلية وحلها من أجل دفع الولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات لروسيا في ملف أوكرانيا، وتخفيف العقوبات المفروضة على روسيا. أمَّا على مستوى الحرب السورية، فتسعى سوريا إلى الحصول على اعتراف من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بنظام بشار الأسد، ورفع العقوبات، وإقامة العلاقات الطبيعية مع سوريا، في مقابل تقييد النشاط الإيراني بالبلاد.

لا يتعارض هذا التوجه الروسي مع التعارض في المصالح الحاصل بين طهران وموسكو على أكثر من مستوى أخيراً، فقبل عام، وقّعت إيران وسوريا اتفاقية تعاون عسكري، وكجزء من الاتفاقية، سمحت سوريا لإيران بالحصول على عقد متعدد السنوات، لإدارة أحد الأرصفة في منشأة طرطوس، لكن روسيا اعترضت على الصفقة، يضاف إلى ذلك سلسلة من الخطوات، التي اتخذها الرئيس الأسد في أعقاب الضغوط الروسية، التي تقيد مشاركة طهران العسكرية والاقتصادية في سوريا، وظهرت توترات متأصلة بين روسيا وإيران فيما يتعلق بالنفوذ في سوريا. خصوصاً في ظل النظر إلى وضع إيران بسوريا، باعتباره مزعزعاً الاستقرار، وليس عامل استقرار، لا سيما إذا ما جاءت مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار. هنا ستحتاج روسيا إلى دعم أطراف عربية وإقليمية ودولية لمساندة جهود إعادة الإعمار، وبعض تلك الأطراف كالدول العربية الخليجية ربما تشترط تقييد النفوذ الإيراني في سوريا.

على الرغم من المصالح المشتركة بين إيران وروسيا في توطيد نظام الأسد، فإنه ظهر للعلن بوضوح وجود فجوة بين إيران وروسيا فيما يتعلق بمصالحهما في سوريا. والأيام المقبلة ستوضح كيفية تقديم روسيا ذاتها باعتبارها معززة الاستقرار في الشرق الأوسط، ومفتاحاً رئيسياً لتحجيم النفوذ الإيراني بالمنطقة، وذلك لتحقيق مكاسب في مواجهة الولايات المتحدة، ولتعزيز وضعها دولياً.

اندبندت العربي