لقيت دعوة قوى الحرية والتغيير إلى العصيان المدني والإضراب الشامل في السودان استجابة واسعة وفقا لصور وشهادات، بينما أعرب المجلس العسكري الانتقالي عن أسفه لهذا “السلوك المتصاعد”، وقرر تعزيز الوجود الأمني لإعادة الحياة إلى طبيعتها.
ووردت أنباء عن وقوع قتلى على يد قوات أمنية في اليوم الأول للعصيان المدني، في حين انتشرت قوات لإزالة المتاريس من بعض الطرق في العاصمة الخرطوم.
واستجابت قطاعات واسعة لدعوة العصيان المدني في مختلف الهيئات الحكومية والشركات الخاصة والمرافق الخدمية، وبدت الشوارع خالية من المارة.
وأظهرت صور بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إغلاقا شاملا في الأسواق الرئيسية بمختلف المدن السودانية، وتعطلا في حركة المواصلات والنقل، لا سيما في مطار الخرطوم، فضلا عن شلل شبه كلي في عمل المصارف والمستشفيات.
وبينما تؤكد قوى الحرية والتغيير أن التجاوب مع العصيان كان كبيرا؛ قلل المجلس العسكري من حجم العصيان المدني، وأكد أن المؤسسات الحكومية زاولت عملها في أول أيام العصيان بشكل جيد ولم تتأثر به.
شلل مصرفي
ودخل موظفون من بنك السودان المركزي العصيان، مما أدى إلى توقف العمل في القطاع المصرفي، حيث أغلقت معظم البنوك أبوابها أمام العملاء. وعلى شارع الستين الرئيس بالخرطوم أغلقت أفرع بنوك تنمية الصادرات والبركة والخرطوم أبوابها تماما.
وقالت وكالة رويترز إن مطار الخرطوم لم يسيّر إلا عددا قليلا جدا من الرحلات، وإن المسافرين تكدسوا في صالة السفر. وأضافت أن معظم مكاتب السفريات أغلقت بسبب انقطاع الإنترنت، وأن أسعار التذاكر ارتفعت.
العسكر يجابهون العصيان
من جهته، قال رئيس اللجنة الأمنية في المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول جمال عمر في بيان صدر مساء اليوم إن المواطنين لم يستجيبوا لدعوات العصيان وأصروا على الوصول إلى مواقع عملهم رغم المعوقات والحواجز.
وأعرب البيان عن أسف المجلس العسكري لممارسة قوى التغيير “لهذا السلوك المتصاعد الذي تعدى في ممارساته حدود السلمية وأفرغ شعارات الثورة من مضامينها وأصبحت تشكل عبئا أمنيا كبيرا على البلاد”.
وأشار البيان إلى أن “أسلوب إغلاق الطرق وبناء الحواجز الذي تمارسه قوى إعلان الحرية والتغيير عمل يتعارض مع القانون والأعراف والدين ويتعدى حدود ممارسة العمل السياسي ويمثل جريمة كاملة الأركان”.
وقال رئيس اللجنة الأمنية إن المجلس العسكري قرر تعزيز الوجود الأمني للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى لإعادة الحياة إلى طبيعتها وفتح الطرق، وأضاف أن هذه القوات ستواصل تسيير الدوريات على مدار اليوم.
وخلال مؤتمر صحفي لاحق، قال رئيس اللجنة الأمنية إن الروايات المتداولة عن انشقاقات في القوات الأمنية هي شائعات لا أساس لها من الصحة.
ونفى عمر أيضا الأنباء المتداولة عن انتشال جثث من نهر النيل، وأشار إلى أن إحصاء لجنة أطباء السودان المركزية عن القتلى عقب فض اعتصام القيادة العامة للجيش في الخرطوم “غير دقيقة”.
وكانت قوى إعلان الحرية والتغيير -التي تنظم الحركة الاحتجاجية بالسودان- قد دعت إلى عصيان مدني شامل لإسقاط المجلس العسكري الانتقالي ونقل مقاليد الحكم إلى سلطة انتقالية مدنية، وذلك في أعقاب فض قوات الأمن لاعتصام المحتجين أمام قيادة الجيش في الخرطوم يوم الاثنين الماضي، وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى.
ضحايا
وبعد ساعات من بدء سريان العصيان المدني، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية -وهي لجنة غير حكومية- مقتل أربعة أشخاص في الخرطوم وأم درمان، اثنان منهم برصاص قوات أمن، في حين لقي الآخران حتفهما جراء تعرضهما للضرب والطعن، وفقا للجنة.
وأوضحت اللجنة أن سقوط هؤلاء الضحايا يرفع عدد القتلى إلى 118 شخصا منذ فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم في الثالث من يونيو/حزيران الجاري. في المقابل، كانت وزارة الصحة قالت يوم الخميس الماضي إن عدد القتلى لا يتجاوز 61 قتيلا.
ووفقا لشهادات عدة، أطلقت قوات الأمن الرصاص في الهواء والغاز المدمع، لتفريق متظاهرين في العاصمة حين كانوا يحاولون إغلاق الطرق بالمتاريس استجابة لدعوات العصيان المدني.
وأفاد شهود للجزيرة نت بأن قوات الدعم السريع دخلت أحياء جنوب الخرطوم وبدأت إزالة المتاريس. وفي شارعي الأربعين والموردة بأم درمان، وقف متظاهرون على المتاريس حاملين لافتات داعية إلى العصيان في حضور قوات من الجيش.
الوضع الصحي
من جهته، اتهم تجمع المهنيين السودانيين -أحد أبرز مكونات قوى الحرية والتغيير- المجلس العسكري الانتقالي بإغلاق المستشفيات الحكومية والخاصة وحمله مسؤولية وفاة أي مريض أو مصاب.
وحذر التجمع في سلسلة تغريدات على تويتر من “وضع صحي كارثي” بعد “اقتحام قوات أمنية الصندوق القومي للإمدادات الطبية والسيطرة عليه”.
وكان التجمع قد أكد أن حملة العصيان المدني ستتواصل إلى حين نقل السلطة من القادة العسكريين إلى حكومة مدنية.
غياب الصحف
وأدى العصيان المدني أيضا إلى غياب كل الصحف السودانية عن الصدور اليوم الأحد، وذلك للمرة الثانية خلال أسبوعين.
فقد دخل عمال المطابع في العصيان المدني بالتزامن مع توقيت تجهيز الصحف للطباعة، مما أدى إلى غيابها عن المكتبات في الخرطوم والولايات.
وسبق أن أدت استجابة عمال المطابع لدعوة الإضراب التي أطلقتها قوى الحرية والتغيير أواخر الشهر الماضي إلى غياب الصحف السودانية للمرة الأولى منذ أكثر من مئة عام.
من ناحية أخرى، شدد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي على ضرورة امتناع جميع الأطراف الأجنبية عن التدخل في السودان، وعلى أهمية دعم جهود الاتحاد الأفريقي واحترام إرادة وتطلعات الشعب السوداني.
ودعا فكي إلى اتخاذ جميع التدابير السياسية والأمنية اللازمة لتمهيد الطريق لاستئناف المفاوضات في السودان بشكل سريع والتوصل إلى حل توافقي يضمن الانتقال إلى حكم يقوده مدنيون.
الجزيرة