هذا ما ينتظر تركيا بعد صفقة صواريخ “إس-400”

هذا ما ينتظر تركيا بعد صفقة صواريخ “إس-400”

أخيراً، صار المسار الاستراتيجي لتركيا واضحاً إلى حدٍ كبير، لا سيما بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن صفقة منظومة صواريخ إس-400 بين بلاده وروسيا قد حصلت و”انتهى الأمر”، بحسب خطابه خلال اجتماع في مقر حزبه العدالة والتنمية، مُذكراً بأن تركيا أخذت تعهداً من روسيا بالإنتاج المشترك لهذه المنظومة الصاروخية، وهو ما قد يُعتبر تصعيداً آخر تجاه الولايات المتحدة، التي قال عنها أردوغان في خطابه “لسنا زبوناً عند الولايات المتحدة، إنما شريك”، في إيحاء إلى أن العقوبات الأميركية على بلاده أنما ستكون ذات تأثير في الطرفين.

ردود فعل استثنائية

هذا التصعيد التركي الجديد يضاف إلى سلسلة من الخلافات العميقة بين تركيا من طرف، وكل من الولايات المُتحدة والمنظومة الأوروبية من طرف آخر، والتي تتعلق بالخيارات الاستراتيجية والتوجهات السياسية التركية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً تجاه القضايا المتعلقة بالعلاقات مع التنظيمات المتطرفة والملف الكردي وتدخل تركيا في دول الجوار ورعايتها لبعض القوى السياسية الإقليمية، التي تميل لخلق أشكال الفوضى في المنطقة.

في ظل ذلك، فإن تركيا تتوقع ردود فعل استثنائية من القوى الغربية تجاه توجهاتها الجديدة، التي من المرتقب لها أن تكون سياسية واقتصادية وحتى عسكرية أمنية، إذ من المتوقع أن تكون ذات تأثير استثنائي في الأحوال التُركية.

دعم الأكراد

وتأتي المسألة الكردية، شديدة الحساسية بالنسبة للأمن القومي التركي، على رأس المواضيع السياسية التي تتخوف تركيا من تأثير ردود الفعل الغربية عليها، سواء في داخل تركيا نفسها أو في دول الجوار، سوريا والعراق، وقد كان التزام الدول الغربية بالقراءة التركية لهذه المسألة على الدوام، واحداً من أهم العوامل لصالح تركيا وقدرتها على ضبط هذه القضية وكبحها.

فالدول الغربية كانت على الدوام تعتبر أن المسألة الكردية في تركيا هي محض قضية داخلية، وبذلك، فإن الدولة التركية مخولة لأن تفعل كل ما تراه مناسباً وحافظاً لأمنها الداخلي، من دون أي تدخل خارجي، وفي الطريق إلى ذلك، تغاضت الدول الغربية ومؤسساتها عن كل أشكال الانتهاكات التي اقترفتها تركيا بحق المجتمع والجغرافية الكردية في الداخل التركي، كذلك فإن هذه الدول منعت بحزم أي نشاط للقوى السياسية الكردية التركية في بلدانها التزاماً بالتحذيرات التُركية.

القراءة التركية

على أن الأهم هو اعتبار هذه الدول الغربية كل الحركات الكردية المسلحة المناهضة لتركيا، وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني، تنظيمات إرهابية، في مواءمة تامة للمطالب والقراءة التركية. وعلى المنوال نفسه، فإن هذه الدول تراعي إلى حدٍ بعيد حساسية تركيا تجاه نمو المسألة الكردية في دول الجوار، بالذات في إقليم كردستان العراق وتطلعاته طوال عقود، وراهناً تجاه الإدارة الذاتية الكردية في منطقة شرق الفرات من سوريا.

وبهذا المعنى، فإن أية قراءة جديدة من قبل الدول الغربية للمسألة الكردية، من دون مراعاة الحساسية التركية، أي فتح قنوات التواصل والاعتراف بمختلف القوى الكردية، بالذات منها المناوئة لتركيا، فإنها ستشكل ضغطاً مكثفاً على تركيا، لا سيما في ملفين رئيسيين، يتعلق الأول بمزيد من الاعتراف ومنح الشرعية للإدارة الذاتية الكردية في شرق الفرات، والأخرى عبر فتح ملف انتهاكات تركيا في مجال حقوق الإنسان، بالذات بحق الكرد.

وظهرت العلامات الأولى لردود الفعل العسكرية عبر الإلغاء الفعلي من قِبل الولايات المُتحدة لصفقة طائرة إف-35 وإعادتها للطيارين الأتراك المتدربين من القواعد العسكرية الأميركية، لكن يتوقع ألا تحصر ردود الفعل على ذلك الجانب فحسب. فالعلاقات العسكرية بين تركيا والدول الغربية راهناً تشبه علاقة الطرفين أثناء الأزمة القبرصية عام 1975، حينما ضربت تركيا المحاذير الأميركية والأوروبية عرض الحائط، وتدخلت عسكرياً في قبرص، ما أدى إلى حظر تصدير الأسلحة لها من قبل الولايات المُتحدة.

وتعتمد تركيا عسكرياً على المنظومات والمؤسسات الأميركية والأوروبية عسكرياً بشكل شبه تام، وذلك في اتجاهين رئيسيين.

المنظومة العسكرية

فكامل المنظومة العسكرية التركية الضخمة، التي يُقدر حجمها بحوالى 2500 دبابة وأكثر من 350 طائرة مقاتلة، وعشرات السفن المقاتلة والغواصات الحربية، إنما تعتمد على منظومات تشغيل وتطوير وصيانة ومتابعة شبه تامة من القطاعات العسكرية الأوروبية والأميركية.

وعلى الرغم من التطور النسبي لاعتماد تركيا على نفسها في مجال إنتاج العتاد العسكري، من 25 في المئة عام 2003، إلى حوالى 60 في المئة راهناً، لكن تلك التغطية تكون غالباً في جوانب الذخيرة والمعدات اللوجستية العسكرية غير الاستراتيجية أو التي تتطلب تكنولوجيا دقيقة ومتطورة، ففي هذا المجال لا يزال اعتماد تركيا شبه الكلي على الدول والمؤسسات الغربية.

وإلى جانب ذلك، فإن شركات التصنيع العسكرية التُركية، وعلى رأسها الشركتان الأكبر حجماً، آسلسان وشركة الصناعات الجوية التُركية TAI، لا تزال تحتل مكانة متأخرة ضمن لائحة الشركات العالمية الرائدة والمُصدرة للأسلحة في العام، فالأساس لنشاط هذه الشركات قائم على التعاون مع الشركات الأوروبية والأميركية النظيرة، بالذات في مجال الصناعة لصالح الجيش التركي، لذلك فإن أية سياسات غربية عسكرية تجاه تركيا، مُرجح لها أن تقلب هوية المنظومة العسكرية التركية، عتاداً وعقيدة وإنتاجاً.

الاقتصاد… الخاصرة الرخوة

وكانت العقوبات التي فرضتها الولايات المُتحدة في أغسطس (آب) 2018 تجربة ومؤشراً على مدى رخاوة الاقتصاد التركي وارتباطه باقتصاديات الدول الغربية. وعلى إثر الخلاف بشأن اعتقال القس الأميركي، فرضت الولايات المتحدة ضرائب إضافية على الصادرات التركية من النحاس والألمنيوم إليها، ما أدى إلى شبه انهيار في قيمة الليرة التركية، التي فقدت قرابة خُمس قيمتها خلال أيام، وبدأت الموجة الكبيرة لهجرة الرساميل من البلاد، وصُنفت تركيا كثاني دولة على مستوى العالم في مغادرة الثروات، بعد فنزويلا.

الاعتماد على أميركا وأوروبا

فالاقتصاد التركي، بكامل قطاعاته، الزراعية والسياحية والصناعية، وطبعاً البنكية والمالية، مرتبطة ومعتمدة على الاقتصاديات الأوروبية والأميركية، الشريكة والراعية للاقتصاد التركي، الذي يعتمد أساساً على قطاعي الخدمات والصناعات المتوسطة المصدرة إلى الدول الغربية، والخالي تماماً من أية ثروة باطنية استراتيجية.

وتُشير جميع الاستطلاعات والدراسات إلى أن مستوى التضخم العام في تركيا سيتجاوز هذا العام عتبة 20 في المئة، وأن الليرة التركية ستتراجع بمستويات مشابهة، وأن السبب الرئيس وراء ذلك هو تراجع مستوى الثقة بالاقتصاد التركي وتراجع الاستثمارات الأجنبية والتوجهات السياسية لإدارة الرئيس أردوغان للسيطرة وإمساك مؤسسات الدولة الاقتصادية والمالية، وهي أمور ستتأثر بالموجة الجديدة المتوقعة لمواجهة تركيا للدول الغربية.

اندبندت