عشية افتتاح مؤتمر البحرين يمكن للفلسطينيين أن يسمحوا لأنفسهم بانتصار جزئي في كفاحهم لمقاطعة المؤتمر. بعد ضغط شديد على الدول العربية وسلسلة أخرى من التهجمات من أبو مازن على الرئيس ترامب، أخذ الأمريكيون خطوة واحدة إلى الوراء. فالورشة الاقتصادية في البحرين ستعقد ولكن بشكل مختلف: الوفود من الأردن، ومصر، والسعودية، والمغرب، واتحاد الإمارات وإسرائيل ستكون على مستوى منخفض. القسم السائد فيها سيكون رجال أعمال. ويحتمل أن يشارك في مثل هذه الوضعية رجال أعمال فلسطينيين قلائل. ويعرف المؤتمر الآن بأنه لاسياسي. وسيمثل إسرائيل ضمن آخرين اللواء احتياط فولي مردخاي، منسق أعمال المناطق سابقاً، وإسحق كراوس، مدير مستشفى «شيبا». وبالمقابل، فإن عشرات رجال الأعمال الفلسطينيين المقربين من السلطة رفضوا الدعوة الأمريكية، أبرزهم بشار المصري، الذي يقف خلف مدينة روابي الفلسطينية الجديدة. كما أن الصين، وروسيا، وتركيا، ولبنان وقطر لن يكونوا هناك.
الفلسطينيون متشددون جداً لمعارضتهم للمؤتمر الذي يستهدف الإحسان إليهم لدرجة أنهم أوضحوا هذا الأسبوع بأنهم لن يسمحوا بتحقق أي مشاريع يتفق عليها في البحرين في أراضيهم حتى لو اتخذ المال «اللون العربي»، أي المال الذي يأتي من دول الخليج وليس بالذات المال الأمريكي.
وحيال إيضاح وزير الخارجية البحريني خالد الخليفة الذي صرح بأن الورشة تستهدف دعم الاقتصاد الفلسطيني، جاء رد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بأنه «إذا كان الأمريكيون يعتقدون بأنه يمكنهم أن يغروا الفلسطينيين بالمال للتخلي عن القدس والدولة فإنهم مخطئون».
عرض الأمريكيون على الفلسطينيين خطتهم لتجنيد 68 مليار دولار توزع كمنح على مدى عشر سنوات بين السلطة، ومصر، والأردن، ولبنان. يعرف الفلسطينيون الخطة لشق طريق سريع يربط بين الضفة والقطاع كمرحلة أولى كما اطلعوا أيضاً على رغبة الإدارة الأمريكية للاستثمار في تطوير صناعة التكنولوجيا العليا في الضفة بل وإقامة ميناء بحري ومطار جوي في غزة. كما سجل أبو مازن أمامه الرسالة التي نقلها المبعوث جيسون غرينبلات في أن «امتيازات الفلسطينيين ستكون فورية إذا ما وافقوا على المشاركة في صفقة القرن. وبعد كل هذا فإنه يصر على رفضه.
طلب الأمريكيون من الفلسطينيين وكذا من إسرائيل أن يرسموا اتفاقاً يمكن للطرف الآخر أن يقبله ويتعايشوا معه. إسرائيل استجابت للتحدي. وذات يوم عندما سيعنى المؤرخون بتاريخ صفقة القرن سيتبين كم كان وثيقاً التعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة في عملية إنتاجها. أما الفلسطينيون فرفضوا الطلب، تماماً مثلما يرفضون الآن كل محاولة لإشراكهم في مؤتمر البحرين. فقد رفض أبو مازن الفكرة الأمريكية الإسرائيلية في أن السلام الاقتصادي هو أساس لكل تسوية إقليمية شاملة. وهو يطلب الاهتمام أولاً بالمسائل الجوهرية: القدس، والمستوطنات، واللاجئين وحدود الدولة الفلسطينية. وفي كل هذه المواضيع لا يبدي حتى ولا القدر الأدنى من المرونة. أما الولايات المتحدة وإسرائيل فتسيران في الاتجاه المعاكس: أولاً الاقتصاد فقط، ثم المواضيع الجوهرية.
«زمن الإخطار الاستراتيجي»
أبو مازن بات ابن 83. يعتقد كثيرون بأنه لا يهتم بأبناء شعبه بل وأيضاً للشكل الذي سترسم عليه صورته في كتب التاريخ الفلسطيني. فرئيس السلطة يوضح المرة تلو الأخرى بأنه لا يعتزم المشاركة في هذه اللعبة. وهو يقول لمقربيه «لن أكون خائناً». وجند إلى جانبه روسيا والصين، اللتين لن تحضرا المؤتمر، ويأمل أن تملأ قطر والأوروبيون «الثقب» المالي الناشئ في السلطة، «بمسؤولية الولايات المتحدة وإسرائيل»، على حد قوله.
فتح تجمع السلاح والعاروري يتأهب… وخارجية أمريكا: 5 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات
ينشر العقيد احتياط ميخائيل ميلشتاين، ورقة ذات صلة بما سيعنى به مؤتمر البحرين. وهو يقول إنه حان الوقت «لإخطار استراتيجي» حيال السلطة الفلسطينية. وهو يحذر في ضوء الأزمة الاقتصادية الفلسطينية من عدة تهديدات: اتساع دائرة الفلسطينيين المشاركين في أحداث العنف، والإرهاب والإخلال بالنظام؛ ورفع حماس رأسها في ضوء قيود السلطة؛ والمس بالتنسيق الأمني مع إسرائيل ومصاعب أداء السلطة لمهامها في المجال المدني، والتي ستضطر إسرائيل للاهتمام بها.
ومع ذلك، ينبغي أن نضيف بأن إسرائيل ما زالت تتحكم برأس الاقتصاد الفلسطيني: أكثر من 100 ألف فلسطيني يصلون كل يوم للعمل في نطاقها. 130 ألف فلسطيني يرتزقون من الأسواق الإسرائيلية، وسوق العمل الإسرائيلي عمليا أنبوب التنفس الأساس للسلطة الفلسطينية إليوم.
فرصة العاروري
الوضع الاقتصادي المتدهور للسلطة وقرارها مقاطعة مؤتمر البحرين يقلقان الولايات المتحدة وإسرائيل ليس اقتصادياً فقط بل وأمنياً أيضاً. فالمعلومات التي وصلت إلى جهاز الأمن تفيد بأنه على خلفية انعدام الاستقرار في السلطة الفلسطينية بدأت مؤخراً أجنحة تتماثل معها بجمع السلاح، بهدف التسلح قبيل اليوم التالي لأبو مازن. كما أن الطريقة التي ستتصرف فيها فتح في الأشهر القادمة هي مثابة لغز. ففتح، التي تجلس منذ فترة طويلة على الجدار في كل ما يتعلق بالتطبيع والامتناع عن الإرهاب حيال إسرائيل تتغذى بميزانيتها من السلطة. إذا ضعفت السلطة اقتصادياً أو انهارت، ففتح أيضاً ستتضرر اقتصادياً مما سيؤثر على الفور على مكانة حماس في الضفة ويسمح لها بأن تصبح سائدة أكثر.
تحت السطح، تحاول حماس إنتاج العمليات في الضفة. في 2018 اعتقل هناك 3.173 مشبوهاً بالإرهاب. أمسك بـ 406 قطعة سلاح وأحبطت المخابرات الإسرائيلية 820 خلية إرهاب نحو نصفها من حماس. في الأشهر الأربعة الأولى من 2019 اعتقل 1.077 مشبوهاً بالإرهاب، أمسك بـ 263 قطعة سلاح وأحبطت نحو 200 خلية إرهاب نحو نصفها أيضاً من حماس. كثير من خلايا حماس أحبطت منذ مرحلة التكوين، وذلك بفضل الانتشار الاستخباري لإسرائيل. وفي أثناء السنة الماضية كشف الجيش الإسرائيلي في الضفة عبوات ناسفة بوزن إجمالي يزيد عن 200 كيلوغرام، بعضها كان يستهدف عمليات تفجير شديدة داخل الخط الأخضر.
في جهاز الأمن يقدرون بأنه كلما اقترب موعد انعقاد مؤتمر البحرين ستشدد حماس غزة وحماس الخارج مساعيها لتنفيذ عمليات أخرى في نطاق إسرائيل والضفة والقدس. من يرتبط منذ سنين بمحاولات من جانب حماس لإنتاج الإرهاب في الضفة هو صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، الذي وإن كان يشارك في مساعي التسوية في غزة فإنه يعنى أيضاً ببناء شبكات الإرهاب لحماس في الضفة. وخصصت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً جائزة مالية – حتى 5 مليون دولار – لكل من يدلي بمعلومات عن مكان صالح ونشيطين عسكريين كبيرين في حزب الله. إلى جانب التخوف من نشاطات حماس، تحذر مصادر الأمن من تصعيد موجة السكاكين التي طرأ ارتفاع في عدد محاولات العمليات بالسكاكين واعتقل بعض من المحاولين ممن اعتزموا طعن الإسرائيليين.
إن الجانب الاقتصادي لصفقة القرن سيكشف الأسبوع القادم، وذلك بخلاف جوانبها الأخرى المتعلقة بالمواضيع الجوهرية. وكان جيسون غرينبلات هذا الأسبوع صادقاً في هذا الشأن حين اعترف بأنه لولا الانتخابات المعادة في إسرائيل لصدر إلى النور الجانب السياسي من صفقة القرن. وقد ذكر تاريخ 6 تشرين الثاني كموعد لنشر الخطة بكاملها، بعد أن تتشكل حكومة جديدة في إسرائيل.
القدس العربي