د. سليم محمد الزعنون
يتعامل الرئيس ترامب منذ وصوله للبيت الأبيض بمنطق القوة الإقتصادية، باعتبارها مفتاحاً لحل جميع القضايا العالقة في المجال الدولي، وفقاً لهذا المنظور تأتي الحرب التجارية مع الصين، والعقوبات الإقتصادية على وايران وروسيا، ورفع التعريفة الجمركية مع تركيا والمكسيك ودول الاتحاد الأوروبي.
لم يكن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمعزلٍ عن هذه الرؤية، إذ تعتقد الأدارة الأمريكية بإمكانية حل الصراع من خلال استخدام الأدوات الإقتصادية، في مارس 2018 عقدت مؤتمر واشنطن لدعم اقتصاد قطاع غزة، وعقدت في الفترة 25 – 26 يونيو 2019 ورشة عمل اقتصادية دولية في المنامة تحت عنوان “السلام للرخاء”، استعرضت خلالها رؤيتها الاقتصادية المكونة من ثلاث جوانب رئيسة: تعظيم الإمكانات الاقتصادية الفلسطينية؛ خلق مليون فرصة عمل؛ وخفض مستويات الفقر الفلسطيني بنسبة 50%، في إطار ذلك يعمل مؤتمر المنامة لجمع 50 مليار دولار لإستثمارها على مدار 10 سنوات في البنية التحتية، والاقتصاد، وخلق فرص عمل، والتجارة الإقليمية، يهدف تحسين الإقتصاد إلى دفع الفلسطينين للضغط على قيادتهم لإبداء مرونة أكبر في القضايا السياسية، لتمهيد الطريق لاتفاق سياسي.
حتى الوقت الراهن غاب الشق السياسي عن الخطة، وأعلنت الإدارة الأمريكية تأجليه لمرحلة لاحقة، وعلى ما يبدو أن ذلك مرتبط باستقرار النظام السياسي في إسرائيل، المرتبط بإجراء انتخابات في سبتمبر القادم، في هذه المرحلة تكون الانتخابات الأمريكية قد اقتربت ومن المحتمل أن يتم تأجيل الشق السياسي لما بعد الانتخابات الأمريكية في 2020.
تؤشر التجارب التاريخية لإنهاء الصراعات الكبري إلى أولوية الملف السياسي على القضايا الإقتصادية، حيث يُعتبر البعد الاقتصاد ثانوي مقارنةً مع القضايا الوطنية والسياسية، وتأتي الاتفاقيات والتنمية الاقتصادية تتويجاً للاتفاق السياسي وفي مرحلة لاحقة له، فاتفاق بلفاست 1988 كان اتفاقاً سياسياً بين بريطانيا وايرلندا ووضع حد للنزاع في صورة نهائية، وحقق التعايش السلمي بين طوائف إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، وفي مرحلة لاحقة تم تعزيز العمل الاقتصادي والتجاري.
ولعبت القوة الاقتصادية الأمريكية دوراً في انجاز الاتفاقات السياسية، حيث قدمت واشنطن ضمانات ودعم اقتصادي لانجاح الاتفاقيات السياسية، إلا أنها لم تكن الحافز الأول للدول للتوقيع على الاتفاقيات، الحافز الأول كان في انجاز القضايا الوطنية والسياسية، ثم تأتي المشروعات الإقتصادية بين الطرفين المتصارعين في مرحلة ما بعد الاتفاق الساسي.
في نموذج اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل لم تكن القضية الاقتصادية هي التي أدت إلى حل للنزاع، بل كان الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المصرية، في ذات السياق اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، شكل الاتفاق على القضايا السياسية كالحدود المتنازع عليها محور أساسي، ثم عززت الإدارة الأمريكية الاتفاقين بتقديم الدعم الاقتصادي لمصر والأردن، وفي مرحلة لاحقة تم توقيع اتفاقيات اقتصادية متعددة بين الأطراف الموقعة على الاتفاق السياسي.
كما أن اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل عالج بالأساس قضايا سياسية كالانسحاب الإسرائيلي، الحكم الذاتي، مع ضمانات ومساعدات اقتصادية أمريكية، وتلى ذلك توقيع اتفاق باريس الاقتصادي، وعندما تعطل المسار السياسي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لم تتمكن الاتفاقية الاقتصادية من منع اندلاع العنف.
وفقاً للتجربة التاريخية لإنهاء الصراعات، لو كان العمل في اطار اقتصادي بحت لما تم توقيع الاتفاقيات السياسية، بلفاست، وكامب ديفيد، وأسلو، ووادي عربة، فالبعد الاقتصادي يلعب دوراً في الحل، ولكنه ليس الحل نفسه، والاعتبارات الاقتصادية تُشكل حافزاً لاستمرار المفاوضات، ولكنها في سُلم الأولويات تأتي بعد المصالح السياسية والقضايا الوطنية.
نظراً لذلك فإن محاولة الإدارة الأمريكية عكس الأولويات في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بتقديم الاقتصادي على السياسي ليست عملية ولن تؤدي إلى إنهاء الصراع، المطلوب رؤية سياسية مبدعة وخلاقة تحقق المصالح السياسية للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية