شكّلت الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بلدان عربية عدّة عام 2011، فرصة لإعادة النظر في تاريخ نشوء الدولة الحديثة بعد أن هيمنت رواية رسمية في معظم هذه البلدان، وفي مقدّمتها سورية، التي انتهت فيها التعدّدية السياسية في بداية ستينيات القرن الماضي.
“الحياة الحزبية في سورية: دراسة لنشور الأحزاب السياسية وتطوّرها 1908 – 1955” عنوان الكتاب الذي صدرت طبعته الثانية عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” للمؤرّخ والأكاديمي السوري محمد حرب فرزات.
وكان الكتاب قد وضعه المؤلّف، أساساً، كرسالة جامعية للتخرج في الجامعة السورية، نشرها في عام 1955 بدمشق، لكن تجاوزت أهميتها حدود المراحل الأولية لرسالة الإجازة الجامعية، لتمثّل مصدراً أساسياً لأي باحث تاريخي أو مؤرخ للحياة الحزبية السياسية في تاريخ سورية الحديث، منذ الانقلاب الدستوري العثماني في عام 1908 حتى عام 1954، فصدرت في كتاب يتيح التعرف إلى تلك الحياة وخصائصها العامة ومنظومتها الحزبية والجمعياتية للباحثين في التاريخ السياسي السوري الحديث.
تناول فرزات في مقدمة كتابه الموسومة “مدخل إلى تاريخ سوريا في القرن العشرين”، البلاد تحت الحكم العثماني (1516–1918)، وفي عهد الاستقلال (1918–1920). في حين تطرق في “التوطئة”، بإسهاب، إلى موضوع دراسته، ومفهوم الحزب السياسي، والمذاهب السياسية الرئيسة وطرائقها الحزبية، والصفات العامة للحياة الحزبية في سورية.
يتكلم في الفصل الأول “الحياة الحزبية في سوريا في العهد العثماني”، عن نشاط الجمعيات والأحزاب بين إعلان الدستور والحرب العالمية الأولى، مسلّطًا الضوء على جمعية الإخاء العربي العثماني، والمنتدى الأدبي، وحزب اللامركزية الإدارية العثماني، ومؤتمر باريس العربي (1913) وأهدافه، والنشاط السياسي السري، متحدثًا عن جمعية العهد وجمعية العربية الفتاة، وموقف الهيئات العربية في الحرب العالمية الأولى، ومميزات الحياة الحزبية في العهد العثماني.
أما الفصل الثاني “الحياة الحزبية في عهد الاستقلال الأول (1918–1920)”، فيروي فرزات أهم الأحداث السياسية، ويورد تراجم للجمعيات والأحزاب، متحدّثًا عن مميزات الأحزاب في العهد الفيصلي، وكان أهمها: جمعية العربية الفتاة، وحزب الاستقلال، وحزب العهد، وحزب الاتحاد السوري، والحزب الوطني السوري.
في الفصل الثالث “النشاط الحزبي خارج سوريا (1920–1925)”، يتطرق فرزات إلى النشاط الحزبي في تلك الأعوام، ومؤتمر جنيف ومقرراته، وزيارة كراين وأول تظاهرة وطنية، ويبحث الفصل الرابع “الأحزاب في دور الثورة الوطنية (1925–1928)” في التطورات السياسية في هذا الدور، وأثر الأحزاب في عهد الثورة.
يتناول الفصل الخامس “الحياة الحزبية في فترة النضال الدستوري (1928-1932)” نشوء الكتلة الوطنية، وتبنّيها سياسة التفاهم مع الانتداب الفرنسي ثم سياسةً سلبية ضده في المرحلة التالية، استمرت حتى عقد المعاهدة في عام 1936.
في الفصل السادس “الحياة الحزبية في دور المعاهدة: الدور الجمهوري الأول (1932–1939)”، يقول فرزات إن الحياة الحزبية في هذه الفترة كان النشاط مبذولاً فيها لعقد معاهدة مع فرنسا، ويرى فرزات في الفصل السابع “الحياة الحزبية (1939–1949)”، أن الأحزاب في سورية أصبحت أكثر مسايرة لروح العصر في هذا العشرية، وأكثر تفهماً لحاجات المجتمع، وأكثر صلاحية لحل المشكلات القائمة.
يتطرّق الفصل الثامن ، “مجمل النشاط الحزبي (1949–1955)” إلى موقف الأحزاب (الإخوان المسلمون، حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحزب الشيوعي، حركة التحرير العربي) من الأحداث السياسية الحاصلة في حينه، وميثاق حمص والائتلاف الحزبي.
العربي الجديد