تقدم الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت صلاة الجمعة الماضية التي شارك فيها السنة والشيعة في مسجد الدولة الكبير، وكذلك أدى عشرات السنة والشيعة صلاة الجمعة نفسها في بلدة ذات أكثرية شيعية في البحرين قرب العاصمة، وهكذا ينبغي أن يواجه الإرهاب، فمواجهته بالقوة ضرورية وأساسية ولكن مواجهته بإفساد أهدافه هي الأهم. وكما هو واضح فإن موجات الإرهاب وبالذات الأخيرة منها تحاول مستميتة توظيف الاختلافات داخل مجتمعاتنا لتفكيك هذه المجتمعات وتقويضها إفساحاً للطريق أمام الإرهاب كي ينفذ مشروعه المدمر باسم الدين، فلم نعد أمام الإرهاب مواطنين وإنما فرقاً يريدون لها غصباً أن تكون متناحرة كي تسقط دولنا الوطنية وتحل محلها دول الإرهاب. فنحن داخل الدولة الواحدة إما مسلمون ومسيحيون أو داخل الإسلام سنة وشيعة وهكذا. وليس هذا بالمناسبة بعيداً على الإطلاق عن الخطط والمؤامرات الدولية التي تحاك لنا، ولذلك فإن ما حدث في الكويت والبحرين يوم الجمعة الماضي يمثل خطوة مهمة بغض النظر عن طابعه الرمزي في الطريق نحو إفشال خطط الإرهاب ومؤامراته، لأنها خطوة ستتلوها خطوات لتحصين مجتمعاتنا المستهدفة من الإرهاب الذي لاشك أنه أصبح عاماً، فأكثر من نصف الدول العربية على الأقل يتعرض لمخاطره بدءاً بتهديد الاستقرار وانتهاءً بمحاولة تقويض الدولة الوطنية العربية.
يتذرع الإرهاب لتجميل وجهه القبيح بحجج كثيرة على رأسها أنه يسعى لإقامة حكم الله، فنحن بالنسبة لهم «كفار» أو «عصاة»، ويقتضي هذا منا أن نعطي أولوية قصوى للحرب الفكرية على الإرهاب بتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام، وكيف يتناقض الإرهاب معها، أمام كل مسلم أو غير مسلم، لأننا لانستطيع أن ننكر أنهم نجحوا في ظل غفلتنا في التغرير ببعض المسلمين وغير المسلمين، وأشدد في هذا السياق على اعتراضي المطلق على أننا نحن الذين نواجه الإرهاب نمثل «الإسلام الوسطي» لأن هذا يعني أنهم يمثلون الإسلام المتشدد وهو مفهوم خاطئ تماماً لأننا نمثل الإسلام الذي أودعه الله في كتابه الكريم وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، أما هم فلا علاقة لهم بالإسلام من قريب أو بعيد. كما أنه يجب أن يكون واضحاً أننا لن نسمح لأحد بأن يتحدث باسم الله سبحانه وتعالى لأن هذا مثل عبر التاريخ أبشع أنواع الحكم، ويتذرعون أحياناً بأن عنفهم رد فعل لعنف خصومهم وهذا مغلوط تاريخياً، وعلى سبيل المثال فإنه منذ نشأة حركة «الإخوان المسلمين» في مصر في عشرينيات القرن الماضي وهم السباقون إلى العنف والمتفردون به، فقد اغتالوا النقراشي رئيس وزراء مصر قبل أن يغتال مرشدهم، وحاولوا اغتيال جمال عبد الناصر قبل أن يعدم نفراً من قياداتهم، واغتالوا السادات الذي منحهم فرصة إعادة الاندماج في المجتمع وهكذا.. ومن ناحية أخرى فإن حكام مصر منذ نشأتهم في عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن قد اصطدموا بهم وبغيرهم، فاصطدم الملك فاروق بـ«الوفد» وعبدالناصر بالشيوعيين والسادات بالناصريين واليساريين ومبارك بالليبراليين واليسار فكانوا هم الوحيدون بين كافة هذه القوى الذين وظفوا العنف بضراوة في خصوماتهم السياسية. وكذلك يتذرعون أحياناً أخرى بغياب الديمقراطية فهل تسود في الكويت وتونس وفرنسا نظم استبدادية؟ وهل راعوا حق الديمقراطية إبان حكمهم مصر؟
لا يملك الإرهاب بالمرة مقومات النجاح وبالتالي فمآله إلى الاندثار إن شاء الله، ولكننا نريد أن نقلل من فداحة الثمن الذي يمكن أن ندفعه في معركة الانتصار عليه، ولن يحدث هذا إلا بتصحيح فكري، أشرت إليه، وتطوير سياسي واقتصادي واجتماعي يقضي على أية بيئة حاضنة للإرهاب. ولا يقل عن هذا أهمية أن هناك معركة إعلامية حقيقية يتعين علينا أن نخوضها في سياق الحرب على الإرهاب، فلا ننكر أنه قد غرر ببعض شباب المسلمين، نتيجة غياب المواجهة الدينية الكافية لأفكار الإرهاب. كما أننا لانستطيع أن ننكر أيضاً أن الإرهاب ربما سجل اختراقاً في الساحة الدولية من خلال تصوير قوى إرهابية بامتياز بحيث تبدو ضحية للممارسات الاستبدادية في الوطن العربي، وعلينا العمل على أن يفقد هذه الصورة الموهومة. وكذلك من الأهمية بمكان أن تكون لنا القدرة على توفير أدلة قاطعة على الدعم الذي توجهه قوى عربية وإقليمية وعالمية للإرهاب إما انخداعاً بدعايته أو لأن ما يفعله الإرهاب يتسق ومخططات هذه القوى.
د.أحمد يوسف أحمد
صحيفة الاتحاد