“الدولة العميقة” تحاول تقويض سياسات ترمب الخارجية غير المترابطة وإنقاذ العالم!

“الدولة العميقة” تحاول تقويض سياسات ترمب الخارجية غير المترابطة وإنقاذ العالم!

دأب دونالد ترمب وحلفاؤه منذ أكثر من عامين على إعادة صياغة السّياسة الخارجية للولايات المتحدة، واتّخذوا لأنفسهم أسلوباً فوضوياً يستند معظمه إلى أفكار غير ناضجة ومفككة غالباً ما يُعبّرون عنها بتغريدات على “تويتر”. وباستغلال الصّلاحيات الرّئاسية المُتاحة لهم، حاولوا إرهاب البلدان الأخرى والانسحاب من الالتزامات الدوليّة ومكافأة المقرّبين من الحكم.

وفي مواجهة ذلك الواقع، تتضافر جهود تكون خفيّة أحياناً، للحدّ من التغيرات المتأتيّة من هؤلاء أو التخفيف من وطأتها في أنحاء واشنطن. إذ يحاول البعض الضّغط على البيت الأبيض، فيما يعمل البعض الآخر عبر التواصل مع دول أخرى، بعضها منافسة لأميركا، بهدف الحؤول دون وقوع حروب أو خراب اقتصادي أو حتى سوء تفاهم بسيط. وفي حالات استثنائية نادرة، يتولى مطّلعون مؤثّرون ومكروهون من قبل إدارة ترمب، صقل العلاقات الدولية التي لا تزال مُصانة إلى اليوم.

بالنّسبة إلى ترمب، يمثّل أولئك الأفراد بيروقراطيي “الدولة العميقة” الغامضة ومسؤوليها الذين يسعون، بحسب قوله، إلى تقويض كل جوانب ولايته الرئاسية. والحقّ يُقال، إنّ الديمقراطيين والدّيبلوماسيين المخضرمين في السّياسة الخارجية وكلّ المعنيين بالتّحديات الدّولية على غرار التّغيّر المناخي، ينتقدون ترمب علانيةً، لكنّهم يُحاولون سرّاً طمأنة حلفائه المذعورين وتليين رسائله غير المتناسقة وإحباط سياساته المدمّرة.

ترمب أمر كوهين بالكذب على الكونغرس بشأن مشروع البرج في موسكو
“لو أمكننا أن نُحادث حلفاء الولايات المتحدة ونُذكّرهم بأنّ ترمب لا يُمثّل سوى زاوية صغيرة وغريبة من التّفكير المتعلّق بالسّياسة الخارجية، لفعلنا وأثلجنا قلوبهم بعض الشيء”، وفق جاريت بلان، المسؤول السابق المتخصّص في الشؤون الأفغانيّة والإيرانيّة في إدارة أوباما.

بين الفينة والأخرى، ثمة أفراد يخترقون الإدارة من أجل تقويض أو تصحيح ما يعتبرونه خيارات سياسية خطيرة. “على الواحد منّا أن يبذل قصارى جهده لإرساء سياسات منطقية داخل أيّ نظام”، يؤكّد أحد مسؤولي السياسة الخارجية في البيت الأبيض اشترط عدم الكشف عن هويته. لم يخلُ كلام المسؤول من التشكيك في النّهج الذي تتّبعه إدارة ترمب في ما يتعلّق بعدد من القضايا المحلية والدولية. لكنّ كلامه ذلك لم يمنعه من الانضمام إلى صفوفها، لأن ذلك هو “الشيء الوحيد الذي يمكن فعله في تلك الحالة”.

ومنذ زمنٍ طويل، توجد شبكات في واشنطن تشبه حكومات الظل. ويُعرف عنها أنها تجتمع في مراكز فكرية عندما يمسي حزبها أو فصيلتها خارج السلطة، لكتابة التقارير والتصدّي لمواقف البيت الأبيض في الإطلالات الإعلامية. وبفضلها، جرت لقاءات غير رسميّة، علنيّة أو سريّة، لمسؤولين سابقين من دول مختلفة، كان الغرض منها الاطلاع على التوجّهات الحالية أو تمرير رسائل تخصّ حكومات بلدانهم.

“ثمّة سيل غير منقطع من… الجهود المختلفة التي تتفاوت وفق مدى ارتباط كلّ واحدٍ منها بالجهات الحكومية المختلفة”، وفق مستشار أحد مرشّحي السّباق الرئاسي لعام 2020، الذي لفت إلى “وجود استعدادٍ دائم للحوار والحفاظ على الاتصالات الجارية، حتى عند محاولة الإبقاء على خصوصية المضمون”.

في المقابل، لم تتّخذ إلا نادراً تلك الشّخصيات المنتشرة في واشنطن، خطوات لتقويض أو إعادة تشكيل أو سدّ الثغرات في السياسة الخارجية، بالطريقة الملحة التي تعمل بها في عهد ترمب. وتذكيراً، شهد ذلك العهد مغادرة عدد كبير من مسؤولي وزارة الخارجية، وتعيين أفراد موالين لا يمتلكون غالباً سوى النّزر اليسير من المعرفة والقليل جداً من الخبرة.

ووفق رأي ولي نصر، عميد سابق في “كلية جون هوبكنز للدراسات الدوليّة المتقدمة” ومستشار سابق للرئيس أوباما في البيت الأبيض، “نحن اليوم في وضعٍ غير مألوف. إذ إنّ قدرات المؤسّسات آخذة في التردّي، وهناك قلق متزايد من انحراف السّياسة عن مسارها الطّبيعي، وثمة انفصال بين الإدارة ومؤسّسة الدولة خارجها”. وينسحب ذلك القلق حتى على أعضاء إدارة ترمب الذين يجدون أنفسهم أحياناً مُجبرين على التعاطي معه والضّغط عليه من أجل تطبيق سياسات منطقيّة وإنفاذها، على حدّ تعبيرهم.

وتعليقاً على تلك النقطة، يُشير آرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط في “معهد أبحاث السّياسة الخارجية” إلى أنّ “الأشخاص الذين يعملون لصالح ترمب يتلون نقاط الحوار الرّسمية. وبعد ذلك، يقولون: “تجاهلوا أقوال ذلك الرّجل”.

وفي زمن ما قبل الانتخابات الرّئاسية 2020، يُبادر عدد من مرشّحي الحزب الديمقراطي إلى تحدّي مضمون سياسة ترمب الخارجية وأسلوبه بشكلٍ علني، حرصاً منهم على طمأنة الحلفاء والخصوم إلى عودة القواعد الدّبلوماسية السّابقة إلى الواجهة من جهة والتّحذير من تبعات الانجراف الحالي نحو طريقة عمل أكثر عشوائية، من جهة أخرى.

وفي إحدى الندوات التي شارك فيها، ذكر جون ديلاني، أحد أعضاء مجلس النواب في ولاية “ماريلاند” ومرشح الحزب الديمقراطي إلى الرئاسة المقبلة، إنّه “اليوم، بسبب قلّة المسؤولية التي تتّسم بها أعمالنا، بدأ حلفاؤنا يفقدون الثقة بنا. وإذا استمررنا في التراجع عن التزاماتنا الدولية وتابعنا الطريق الذين نسلكه كأمّة حالياً، فسيكون مصير الهيكل الأمني العالمي إلى التحطّم”.

كانت سوريا أحد المجالات الكبرى للسياسة العامة، حيث أدّى الفراغ الذي يشوبها إلى إجبار فريق عمل السيد ترمب والمعنيين بمستقبل الشرق الأوسط، على اللجوء إلى وسائل غير تقليدية للحؤول دون وقوع كارثة. وبحسب مصادر مطّلعة، يتمثّل أساس المشكلة في رئيس جمهورية لا يُقيم وزناً للالتزامات ويتأرجح بين الديكتاتورية الاستبدادية وحالة اللامبالاة المطلقة.

“الحقيقة أنّ (ترمب) غير مهتم بأعمال الحكم ولا يُكلّف نفسه عناء الإشراف على أي قضية”، يعلّق شتاين. وعلى العكس من أوباما المتشدّد في التدقيق، يستعين ترمب بالنّواب في رسم التفاصيل الأساسية لسياسته الخارجية، كي يُركّز اهتمامه بعد ذلك على ما يخدم مصالحه فعلاً: التّقلبات التي تطرأ على السياسة الداخلية، خصوصاً ما يقال عنه في وسائل الإعلام والقنوات الفضائية.

وبالنسبة إلى سوريا، أوكل الأمر إلى جيمس جيفري، وهو دبلوماسي مخضرم عمل في الشرق الأوسط في عهود رؤساء جمهورية ديمقراطيين وجمهوريين. تسلّم جيفري منصبه في وقتٍ سابق من العام الحالي خلفاً لبريت ماغيرك الذي استقال أواخر العام الفائت، بعدما أعلن ترمب انسحاب القوات الأميركية المفاجئ من سوريا والتخفيف من عديد تلك المتمركزة في أفغانستان.

في البداية، بدت أوامر ترمب صارمة، إذ كتب مغرّداً، “لقد هزمنا داعش في سوريا. ذلك هو تفسيري الوحيد لوجود قوات أميركية هناك في عهد ترمب الرّئاسي”. ومذاك بدأ الحلفاء المتوترون، ومن بينهم أولئك الذين لديهم قوّات متمركزة في سوريا إلى جانب القوات الأميركية، يتذمّرون ويبدون شكوكهم. وفي وقتٍ سابق من العام الحالي مثلاً، صرّح وزير الدّفاع البلغاري كرازيمير كاراكاشانوف بأنّه “لو كانت سياسة الولايات المتحدة بوصفها حليفاً في “منظمة حلف شمال الأطلسي” تقضي بسحب وحداتها من أفغانستان، فأنا شخصيّاً لا أعتقد بأنه سيكون لدى بلغاريا شيء آخر لتفعله في تلك المنطقة”.

في المقابل، اعترض البنتاغون ووزارة الخارجية ومعهما خبراء سياسيون في واشنطن، بشدّة على توجيهات ترمب، وسرعان ما شرعوا في التحايل عليها.

أولاً، قاوم البنتاغون توجيهاً إدارياً من ترمب قضى بسحب جميع الجنود الأميركيين البالغ عددهم نحو ألفي جندي من شمال سوريا في غضون 30 يوماً، مانحاً نفسه فترة 120 يوماً للتكفّل بأن يصف للرئيس اللوجيستيّات المتعلقة بانسحابٍ عسكريّ “منظّم”. وبعد ذلك، بدأ عديد من مسؤولي البنتاغون في ممارسة ضغوط داخلية على ترمب، آملين أن يفقد الاهتمام في المسألة. وفي تلك الأثناء، انكبّ جيفري وفريقه على التواصل مع فرنسا والمملكة المتحدة اللتين لديهما قوات في سوريا إلى جانب القوات الأميركية.

وبحسب شتاين، “كانت تلك الثُلّة تتوجّه إلى شركاء الولايات المتحدة لتقول: “تريّثوا قليلاً واثبتوا على مواقفكم. نحن نبذل قصارى جهدنا كي نحلّ ذلك الأمر”. ومنذ بعض الوقت، وعلى خلفيّة إعلان دول أخرى نيّتها تعزيز جهودها الرّامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، تقرّر إبقاء القوات الأميركية داخل الأراضي السورية. ومن ناحية أخرى، لم يتوقّف ترمب عن القول إنّ انسحاباً تدريجياً على وشك الحدوث، فيما يستمر الدبلوماسيون والمسؤولون العسكريون المعنيّون بالملف السوري في التفكير بعدم تصريح ترمب عن وجود تحوّل آخر في السّياسة العامة.

في سياق متّصل، تمثّل إيران تحدياً بارزاً في السّياسة الخارجية، تُصارع فيه “الدّولة العميقة” التي يزدريها ترمب وحاشيته، من أجل التّخفيف من حدّة ما ترى أنّ سياسة خطيرة ومعيبة بشكلٍ رهيب. وبتحريض من صقور واشنطن على غرار مستشار الأمن القومي جون بولتون، انسحبت إدارة ترمب العام الماضي من الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 ومارست “أقصى قدر من الضّغط” على إيران، على أمل إعادة فتح المحادثات والخروج بـ”صفقةٍ أفضل”.

وفي غضون ذلك، عمل دبلوماسيون غربيون يمثلون حلفاء دائمين للولايات المتحدة، على ممارسة ضغط من خلف الستار بهدف تليين موقف ترمب، وحثّ المسؤولين في طهران على التريّث وانتظار انتهاء ولاية الرئيس الحالي في البيت الأبيض. وبحسب نصر، “كأنّهم بذلك يُحاولون تنبيه جماعة ترمب إلى عدم المضي قدماً في الطريق التي مشوا فيها… إنّ الدول التي تملك تمثيلاً لها في طهران، تُعاني الأمرين كي تحافظ على الأمور تحت السّيطرة ولا تسمح لجون بولتون تحقيق مبتغاه وإدخالنا في حرب”.

في ذلك السياق، أثارت لقاءات وزير الخارجية الأميركي السّابق جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، حنق ترمب الذي لم يتوانَ عن اتّهام السّيناتور السابق باختراق “قانون لوغان” الضّبابي عِبْرَ تقويضه سياسة ترمب حيال إيران. وإبّان شهر مايو (أيار) الفائت، جاهر ترمب بأنه يريد للإيرانيين أن يتّصلوا به، وشنّ هجوماً عنيفاً على جون كيري، مشيراً إلى إنه “يتحدث معهم كثيراً، ويطلب منهم ألا يتّصلوا (بترمب)، منتهكاً بذلك “قانون لوغان”. وبصريح العبارة، أرى أنّه يستحقّ المحاكمة لتصرّفه على ذلك النحو. إذ إنّه على تواصل دائم مع إيران وتجمعه بالإيرانيّين لقاءات واتصالات هاتفية كثيرة، وكذلك يقول لهم ما ينبغي لهم فعله”.

في المقابل، كشفت مصادر مطّلعة لصحيفة “الإندبدنت” عن تشاور ظريف مع عشرات من المسؤولين السّابقين والحاليين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن. وكانوا يهدفون إلى استجلاء التفكير الإيراني والضّغط على طهران، لتفادي تصعيد المواجهات من طريق توسيع نطاق برنامجها النووي على نحو ما جرى أثناء الأسابيع القليلة الماضية.

وأضافت تلك المصادر أنّ مسؤولين أميركيين منتخبين يجتمعون بشكلٍ منتظم مع ممثّلين للاتحاد الأوروبي أو شركاء آخرين للولايات المتحدة، ويُحدّدون معهم كيفية التخفيف من وطأة سياسات ترمب، تفادياً للحرب مع إيران، ولدرء الأضرار الدائمة التي قد تطاول علاقات الولايات المتحدة مع شركائها القدماء مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، في قضايا التجارة والمساهمات في حلف شمال الأطلسي.

في ذلك السياق، يطرح مستشار أحد مرشّحي السّباق الرئاسي 2020، سؤالاً عن “المدى الذي يُمكن الذهاب إليه في انتقاد سياسة ترمب الخارجية؟ ليس ترمب رئيساً عادياً وثمة تبرير لأفعاله. لكن، هنالك مواطنون أميركيون مثلي يؤمنون بتلك العلاقات وتلك القيم”. وبسبب ذلك كله، ترى مكتب بلان يزخر ببطاقات الأعمال لمسؤولي الأمن والدّفاع في عدد من الدول الأوروبيّة الحليفة. وحالياً، يعمل بلان الذي كان عضواً في الفريق الأميركي أثناء المفاوضات النّووية التي جرت مع إيران تحت إدارة أوباما، في “مركز كارنيغي للسلام الدّولي”. وكذلك يتهمه مناصرو ترمب بأنّه جزء من “الدولة العميقة” التي تُقوّض سياسات الرئيس. وفي المقابل، حاول بلان خلال الأسابيع الأخيرة مدّ يد العون إلى الإدارة التي باتت رسائلها وإشاراتها مصدر قلق وتوتر بالنسبة إلى عدد من الدّول التي لديها قوات مُتمركزة في أفغانستان. إذ لم تعد الأخيرة واثقة ممّا إذا كانت إدارة ترمب ستنسحب كليّاً من الأراضي الأفغانيّة وتترك قوّاتها معلّقة هناك. وفي الاجتماعات التي عقدتها في ذلك الصدد مع مسؤولي الإدارة ووزارة الخارجيّة الأميركية، لم تلقَ نداءاتها سوى الصّمت المطبق.

وفي المقلب الآخر، دأب بلان على الاجتماع مع ممثّلين متوترين من دول “منظمة حلف شمال الأطلسي” كي يؤكّد لهم إنّه على الرغم من سياسات ترمب المدمّرة في ما يتعلّق بالتبادل التجاري وإيران، إلا أن سياسته في أفغانستان سليمة والمحادثات بين طالبان وزلماي خليل زاد، الممثّل الأميركي الخاص للمصالحة في أفغانستان، بدأت تؤتي ثمارها، ولا بدّ للشركاء الأوروبيين أن يُرحّبوا بتلك التطوّرات.

وبحسب بلان، “السياسة في أفغانستان هي الشيء الوحيد الذي يبرع فيه ترمب وفريقه. كلّ ما في الأمر أنّ الحكومة الأميركية الحالية غير مهيّئة لاغتنام الفرص التي تُطرح أمامها”. بدأت تصرفات ترمب الغريبة عبر “تويتر” أو في الاجتماعات الحاشدة، تفقد تأثيرها. وخلال العامين ونصف العام السّابقين، اعتاد كثيرون من خارج الولايات المتحدة على مبادرات ترمب ومطالبه المثيرة للغضب. وبحسب أحد المطلعين على السياسة الخارجية، “بالأمس، كانت عواصم العالم تهتزّ مع كل تغريدة تصدر عن ترمب. أما اليوم، فهي تتعمّد عدم إيلائه أهمية كبرى”.

وبحسب كثيرين، ثمة تفاوت واضح في محاولات “الدّولة العميقة” حالياً تطويق ترمب. صحيح أنّها منعت حدوث انسحابٍ عسكريّ فوضوي من سوريا، لكنّ احتمالات اندلاع حرب مع إيران لا تزال مستمرة. “الحقيقة أنّ تلك الإدارة لا تتعامل مع مراكز الدراسات ولا تلجأ إلى خبراء خارجيين. وكذلك لا تبدي انفتاحاً على التأثيرات ولا تُصغي للمحترفين داخل الإدارة”، وفق كلمات نصر.

وعلى الرّغم من الجهود المبذولة من أجل تشجيع إيران على انتظار انتهاء ولاية ترمب الرئاسية، أعلن الإيرانيون عن إحجامهم عن الأخذ بتلك النصيحة الأميركية. وفي هذه المرحلة، يُواظب مسؤولون إيرانيون مرموقون على التحرّك تحت فرضية أنّه سيُعاد انتخاب ترمب لولاية ثانية وبإمكانهم التطلّع إلى الاتفاق معه حتى عام 2024.

وكخلاصة، يذكر شتاين إنّه من “الواضح أنّ ترمب هو مفارقة تاريخية… السّؤال الذي يطرح نفسه: هل يسعنا أم لا يسعنا التخلّص منه وهل يُمكننا الشروع في مهمة إعادة البناء”؟ في ذلك الصدد، يترتب على ألاعيب ترمب والمحاولات المستمرة لكبح جماحه، تبعات مكلفة. وبحسب مسؤول أميركي سابق، شعر معاونو ترمب في بداية عهده، بالجزع إزاء مطالبته المستمرّة بأن تسيطر الولايات المتحدة على مخازن النفط العراقي، إلا أنهم ضغطوا عليه كي يُلحّ على بغداد أن تمنح الشّركات والمؤسسات الأميركية معاملة خاصة في صفقات إعادة الإعمار.

وبالطريقة نفسها، ضغطت إدارة ترمب على العراق لإلغاء اتفاق مربح في مجال توليد طاقة مع شركة “سيمنز” واستبداله باتفاق مماثل مع “جنرال إلكتريك”. وفي نهاية المطاف، وقع اختيار العراق على شركة “سيمنز”، لكنّ التأخير الذي حصل تسبّب في قضاء العراقيين الحانقين صيفاً آخر تدوم فيه حالات انقطاع التيار الكهربائي فترات طويلة، من دون مبرر. في سياق مُشابِه، من غير الواضح إذا كانت الشكوك والمفاجآت المحيطة بعهد ترمب ستنتهي عمّا قريب. وبالنظر إلى استطلاعات الرأي التي تُبيّن شعبيته المستمرة في ولايات أميركية رئيسية، تأبى أطراف سياسية خارجية عدّة إلا أن تستعدّ لعهدٍ جديد من ألاعيب ترمب مع إمكانية إعادة انتخابه في 2020.

وبالنّسبة إلى آخرين، بمن فيهم الموفد الفرنسي السّابق إلى واشنطن، جيرار أرو، يشكّل ترمب بذاته تحوّلاً تاريخياً يتمثّل في نهاية النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وبداية شيء ما جديد. وكخلاصة، يطرح بلان سؤالاً يرى أنه يفرض نفسه بنفسه، “أيّ جزء من مواقف ترمب يمثّل الأعراض وأيّها يشكّل السبب”؟

اندبندت