هل تقود “العمليات الفردية” غزة إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل؟

هل تقود “العمليات الفردية” غزة إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل؟

تصاعدت في الأسابيع الأخيرة، العمليات المسلحة “الفردية”، غير المنظمة التي تستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلية على حدود قطاع غزة، وهو ما أثار التساؤلات حول دوافعها، وإن كانت موجة عابرة، أم ستتزايد، لترفع منسوب التوتر القائم وتقود غزة نحو المواجهة الشاملة مع إسرائيل.

وتأتي هذه العمليات بعد ما يقارب العام ونصف على انطلاق مسيرات “العودة” الأسبوعية قرب حدود القطاع، واستمرار الحصار الإسرائيلي على القطاع.

ومنذ بداية الشهر الجاري، نفّذ شبان فلسطينيون مسلحون، سلسلة هجمات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية في مواقع مختلفة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، إحداها أسفرت عن إصابة 3 جنود إسرائيليين بينهم ضابط.

ووقعت آخر هذه العمليات، مساء الخميس (22 أغسطس/ آب)، وأسفرت عن إصابة شاب، وتمكنت طواقم الإسعاف من انتشاله.

وسبقها السبت (17 أغسطس/ آب)، عملية أسفرت عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين قرب السياج الفاصل، شمالي قطاع غزة.

وردت إسرائيل على هذه الهجمات بتنفيذ غارات مدفعية وجوية محدودة على مواقع عسكرية تتبع للفصائل الفلسطينية في أنحاء القطاع.

**انغلاق الأفق

ويرى خبراء أن انغلاق الأفق السياسي والأوضاع الاقتصادية والإنسانية المتردية، التي يعيشها قطاع غزة جراء الحصار الإسرائيلي سبب رئيس لإقدام الشبان في القطاع، خاصة الذين ينتمون للأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية، على تنفيذ عمليات غير منظمة ضد القوات الإسرائيلية بدون أوامر من قيادتهم.

انغلاق الأفق السياسي والأوضاع الاقتصادية والإنسانية المتردية، التي يعيشها قطاع غزة سبب رئيس لإقدام الشبان في القطاع على تنفيذ عمليات غير منظمة ضد قوات الاحتلال

كما يعتقد محللون سياسيون أن هذه العمليات تُوصل رسالة إلى تل أبيب بأن استمرارها في عدم تنفذ تفاهمات التهدئة وتشديدها للحصار على غزة قد يقود حركة “حماس”، التي تحكم القطاع، لإحداث حالة من الفراغ الأمني ما يعني تصاعد وتيرة العمليات الفردية غير المنظمة بشكل يهدد أمن إسرائيل.

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني حسام الدجني، لمراسل وكالة الأناضول، إن “العمليات الفردية غير المنظمة على حدود قطاع غزة انعكاس طبيعي لغياب الأفق الاقتصادي والسياسي وحالة الحصار التي يعانيها سكان غزة فمن ينفذ مثل هذه العمليات يعيش الواقع المأساوي الصعب في القطاع”.

ويضيف الدجني: “إذا لم يكن هناك موقف من المجتمع الدولي يضع حدا لإسرائيل التي تماطل بتنفيذ تفاهمات التهدئة في غزة فإن العمليات الفردية ستتصاعد بشكل سريع وربما تتطور لتشمل استخدام الصواريخ بدلا من الهجمات بالأسلحة الخفيفة على مواقع أو دوريات الجيش الإسرائيلي القريبة من الحدود”.

ويرى الكاتب السياسي أنه في حال تطورت العمليات الفردية وتصاعدت وتيرتها فإنها ستهدد أمن إسرائيل بشكل كبير.

ويعتقد أن إيقاف مثل هذه العمليات يكون بتحسين الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة ورفع الحصار عن القطاع بشكل كامل.

ويقول: “استمرار السياسات الإسرائيلية تجاه غزة سيعني تطور العمليات غير المنظمة لتصل الأوضاع إلى المواجهة الشاملة والحرب”.

ويوضح أن اليمين الإسرائيلي يضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستعادة قوة الردع في غزة، واستمرار عمليات إطلاق النار تجاه القوات الإسرائيلية والهجمات الصاروخية “سيقود بالتأكيد نحو المواجهة الشاملة”.

ويستبعد الدجني أن تكون “حماس” تقف خلف هذه العمليات، قائلا: “لو كانت حماس الجهة المنظمة لهذه العمليات لأدارتها بشكل مختلف لتوقع خسائر كبيرة في صفوف القوات الإسرائيلية وهذا ما لم يحدث”.

ويضيف: “من الواضح أن هذه العمليات سلوك فردي نابع من الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون بغزة”.

** الفراغ الأمني

ويتوقع الكاتب السياسي أن استمرار الحصار الإسرائيلي ربما يقود حركة “حماس” نحو تطبيق سيناريو الفراغ الأمني وبالتالي ستزداد العمليات الفردية وتنزلق الأوضاع بشكل خطير ما لم يكن هناك تدخل قوي من قبل المجتمع الدولي لوقف السياسات الإسرائيلية تجاه غزة وتحسين الظروف المعيشية فيها.

ويرى الدجني أنه في المرحلة الحالية ستكتفي إسرائيل بالرد على العمليات الفردية بضربات وقائية خفيفة لا تستفز المقاومة الفلسطينية، في محاولة منها لتجنب التصعيد، الذي ربما يكبدها خسائر كبيرة.

من جانبه، وضع الكاتب السياسي في صحيفة “الأيام” المحلية، طلال عوكل، احتمالين للعمليات المسلحة الأخيرة على حدود غزة.

ويقول عوكل لمراسل الأناضول: “هذه العمليات تنطوي على غموض كبير فمن جانب ربما بالفعل عمليات مسلحة فردية غير منظمة تعبر عن حالة الغضب والأوضاع الصعبة في غزة بسبب الحصار الإسرائيلي”.

ويضيف: “من جانب آخر يمكن أن تكون حركة حماس قد سمحت لعناصرها بمثل هذه العمليات دون أن تتبناها بشكل رسمي في محاولة منها للتعبير عن غضبها جراء عدم التزام الاحتلال ببنود اتفاق التهدئة”.

** العمليات مقصودة

ويرجح عوكل أن تكون هذه العمليات المسلحة مقصودة وتحمل رسائل للحكومة الإسرائيلية بأن حركة “حماس” لا تستطيع أن تواصل ضبط الأوضاع طالما تل أبيب غير ملتزمة بتنفيذ تفاهمات التهدئة.

العمليات المسلحة مقصودة وتحمل رسائل للحكومة الإسرائيلية بأن حركة “حماس” لا تستطيع أن تواصل ضبط الأوضاع طالما تل أبيب غير ملتزمة بتنفيذ تفاهمات التهدئة

ويوضح أن العمليات الأخيرة تحذر من أنه يمكن أن يتسبب استمرار تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة بحالة أوسع من الفلتان والفراغ الأمني تشكل تهديدا حقيقيا لإسرائيل.

ويستبعد عوكل أن يكون هناك ردود فعل إسرائيلية قوية، في الوقت الحالي، على مثل هذه العمليات لأن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لا يرغب باندلاع مواجهة شاملة مع الفصائل الفلسطينية في القطاع في هذا الوقت حتى لا تؤثر على حظوظه في انتخابات الكنيست التي تعقد الشهر المقبل.

لكن الكاتب السياسي الفلسطيني يتوقع أن تصعد إسرائيل من ردها على أي هجمات من القطاع بعد الانتخابات المقبلة لتصل الأمور إلى مواجهة شاملة.

ويوضح أنه بعد الانتخابات وفي حال فوز نتنياهو فإنه سيتحرر من مخاوفه من نتائج الاقتراع وسيتجه نحو المواجهة الشاملة.

في السياق نفسه، يقول المحلل السياسي إبراهيم المدهون، إن “العمليات التي شهدتها تخوم قطاع غزة، مؤخرا، تظهر غضبا واسعا في صدور الشبان الفلسطينيين بسبب استمرار الحصار على القطاع”.

** انفجار قريب

ويضيف المدهون لمراسل وكالة الأناضول: “العمليات الارتجالية غير المنظمة الأخيرة تنذر بأن استمرار العدوان الحصار الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية والقدس سيؤدي إلى انفجار قريب للأوضاع في وجه الاحتلال”.

ويعتقد أن “المقاومة غير المخطط لها” قد تكون خيارا شعبيا لا يستطيع أحد إيقافه في حال تواصلت السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.

ولا يتوقع الكاتب السياسي، المقرب من حركة “حماس”، أن تكون الحركة قد خططت للعمليات المسلحة الأخيرة.

ويرى أن إسرائيل ستتعامل مع العمليات الفردية برد محدود تجنبا للدخول في مواجهة شاملة مع الفصائل الفلسطينية قد تكبدها خسائر كبيرة.

وفي الإطار نفسه، قالت شبكة “كان” الإخبارية العبرية، اليوم الإثنين، أن تقديرات الدوائر الأمنية الإسرائيلية التي قدمت للمستوى السياسي في تل أبيب خلال الساعات الأخيرة تشير إلى أن عمليات التسلل الاخيرة ليست عمليات منظمة من قبل حركة “حماس” أو الفصائل الفلسطينية، بل نتيجة لمبادرات فردية.

وقد تبنت معظم وسائل الاعلام والمحللون العسكريون في إسرائيل هذا الموقف ومنهم عاموس هارئيل الكاتب في صحيفة “هآرتس”، والذي قال في مقال له، الإثنين، إن “منفذي عمليات التسلل الاخيرة على حدود قطاع غزة هم نوعين: الأول غادر حركة حماس والجهاد الإسرائيلي في الفترة الأخيرة واقترب من الفصائل السلفية المتطرفة، والنوع الثاني ما زالوا ينتمون للتنظيمين، ولكنهم عملوا بشكل فردي”.

الأناضول