الباحثة شذى خليل*
كان العام 1957، بداية البرنامج النووي الإيراني، حين وقع شاه إيران اتفاق برنامج نووي مع أمريكا، ليتم الإعلان عن “الاتفاق المقترح للتعاون في مجال البحوث ومجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية” تحت رعاية برنامج أيزنهاور “الذرة من أجل السلام”، وفي عام 1967، أسس مركز طهران للبحوث النووية.
لكن توقيع إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في العام 1968، جعلها تخضع للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة… وكانت تلك بداية الأزمة .
وبعد الإطاحة بحكم الشاه وقيام جمهورية إسلامية في إيران عام 1979، جعلت أواصر العلاقات بين إيران والدول الغربية موسومة بقطيعة، فدخل البرنامج النووي في مرحلة سبات، بعد انسحاب الشركات الغربية من العمل في المشاريع النووية، وإمدادات اليورانيوم عالي التخصيب، فتوقف برنامج إيران النووي لفترة.
بعدها سمح الرئيس الإيراني حينها عام 1981، بإجراء بحوث في الطاقة النووية، وفي عام 1983، تعاونت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع طهران على الصعيد الكيميائي، وتصميم المحطات التجريبية لتحويل اليورانيوم، خاصة في موقع أصفهان للتكنولوجيا النووية، لكن الموقف الغربي عموما كان رافضا لمثل هذا التعاون، ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق، تضرر مفاعل محطة بوشهر النووية فتوقفت عن العمل.
أما روسيا، فقد ساعدت إيران في التسعينيات بتزويدها بخبراء في الطاقة النووية، وفي عام 1992، انتشرت مزاعم في الإعلام الدولي بوجود أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، مما جعل إيران تستدعي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة المنشآت النووية، وخلصت عمليات التفتيش حينها إلى أن الأنشطة السلمية، وفي عام 1995، وقعت إيران مع روسيا عقدا لتشغيل محطة بوشهر بالكامل، في حين انسحبت الصين من مشروع بناء محطة لتحويل اليورانيوم.
طلبت الوكالة الدولية، في عام 2002، زيارة موقعين نوويين قيل أنهما غير معلنين، لكن إيران لم تسمح بذلك حتى مرور ستة أشهر على شيوع الخبر.
وفي عام 2003، زار محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران للحصول على إيضاحات في ما يخص استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم، وأصدرت الوكالة تقريرا سلبيا تجاه تعاون إيران.
الشد والجذب بين المصالح الأميركية والإيرانية:
أصدرت الوكالة الدولية في عام 2004، قرارا يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية، لكن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، وبعد انتخابه، عمل على تفعيل البرنامج النووي ولم يكترث للتهديدات الغربية، كما أسس مفاعل “أراك” للماء الثقيل.
وفي عام 2014، تم الاتفاق على وقف تجميد الولايات المتحدة لأموال إيرانية قدرت بمليارات الدولارات، مقابل توقف إيران عن تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20% إلى وقود.
وفي نفس العام، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بإجراء تعديلات على منشأة “أراك” لضمان إنتاج حجم أقل من البلوتونيوم.
الاتفاق التاريخي:
في عام 2015، وبعد سلسلة من الاجتماعات في فيينا، تم التوصل لاتفاق نهائي، سمي بـ”اتفاق إطار”، بخصوص برنامج إيران النووي، بين الأطراف الولايات المتحدة برأسة باراك أوباما، والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا وإيران.
لكن التطورات في الاتفاق النووي التي حدثت، كانت يوم 8 أيار/مايو 2018، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متعهداً بأن تفرض بلاده “أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني”.
مع دخول العقوبات الأميركية بمداخل عدة، واستثناءات، وإلغاء تلك الاستثناءات، جميع تلك الاحداث لم تصب ألا في مصلحة البلدين، مهما قال الاعلام عنه هذه العلاقات، فإن العلاقات الامريكية الإيرانية او بتعبير اصح المصالح المشتركة والمتبادلة بينهما وثالثهما إسرائيل، أقوى من أي خلاف أيديولوجي يمكن حله.
التحالف الغادر:
في كتاب “التحالف الغادر للكاتب الإيراني الأمريكي تريتا بارسي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكينز، كشف فيه عن أسرار التعاملات بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، خلال الخمسين سنة الماضية، وتأثيرها على السياسات الأمريكية، وعلى موقع أمريكا في الشرق الأوسط، و يعتبر هذا الكتاب الأول منذ أكثر من عشرين عاما، الذي يتناول موضوعا حسّاسا جدا حول التعاملات الإيرانية الإسرائيلية،والامريكية والعلاقات بينهم . ويستند الكتاب إلى أكثر من 130 مقابلة مع مسؤولين رسميين إسرائيليين، إيرانيين وأمريكيين رفيعي المستوى، ومن صنّاع القرار في بلدانهم، إضافة إلى العديد من الوثاق والتحليلات والمعلومات المعتبرة والخاصة.
التعاون الإيراني الأمريكي في استغلال العراق !
كان لا يزال في حوزة رجال الدين الإيرانيين القليل من الأوراق القيّمة التي أملوا أن يلعبوها لقلب الجدال الدائر بواشنطن لمصلحة وزارة الخارجية الأميركية.
إحدى هذه الأوراق كانت المعلومات الاستخبارية الإيرانية فائقة النوعية، واطلاع الإيرانيين على الأوضاع بالعراق، بفضل سنوات الحرب الثماني في الثمانينيات، استوعب الإيرانيون خلاف الأميركيين، والشبكات الاجتماعية العشائرية العراقية المعقدة، وعرفوا كيفية التعامل معها.
رأت طهران أن واشنطن ستكون بحاجة إلى هذه المعرفة، وهذا ما سيعطي الإيرانيين بعض النفوذ على المحافظين الجدد، فبدون قناة اتصال، يمكن أن يحدث سوء تفاهم، وهو ما سيفيد المنافسين الإقليميين لإيران، بما في ذلك إسرائيل وبعض الدول العربية، كما ضغطت جماعات المعارضة العراقية التي لديها روابط وثيقة مع طهران .
وفي المقابل، على الإيرانيين لكي يساعدوا الأميركيين، في النهاية، احتاج الإيرانيون إلى قناة لفهم القرارات الأميركية الخاصة بالعراق والتأثير فيها، واحتاج الأميركيون إلى إيران لكي لا تعقّد الخطط الأميركية، لذلك، أعيد فتح قناة جنيف في أواخر ربيع العام 2002، بعد اتصال وزارة الخارجية الأميركية بالإيرانيين.
فرص إيران لكسب الإدارة الامريكية لتحقق مصالحها في العراق:
يكشف الكتاب أيضاً عن وثائق و معلومات سرية جدا وموثقة، أنّ المسؤولين الرسميين الإيرانيين وجدوا أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق عام 2003، عبر الاستجابة لما تحتاجه, مقابل ما ستطلبه إيران منها, على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعيد العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين، وتنتهي مخاوف الطرفين.
وبينما كان الأمريكيون يغزون العراق في نيسان من العام 2003, كانت إيران تعمل على إعداد “اقتراح” جريء ومتكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساسا لعقد “صفقة كبيرة” مع الأمريكيين عند التفاوض عليه في حل النزاع الأمريكي-الإيراني، او بتعبير أصح حل نزاع المصالح بين إيران وامريكا .
تمّ إرسال العرض الإيراني أو الوثيقة السريّة إلى واشنطن، لقد عرض الاقتراح الإيراني السرّي مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران في حال تمّت الموافقة على “الصفقة الكبرى”، وهو يتناول عددا من المواضيع منها:
• برنامج إيران النووي.
• سياسة إيران تجاه إسرائيل.
• محاربة تنظيم القاعدة.
• إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة أمريكية – إيرانية بالتوازي، للتفاوض على “خارطة طريق” بخصوص ثلاثة مواضيع هي:
• أسلحة الدمار الشامل.
• الإرهاب و الأمن الإقليمي.
• التعاون الاقتصادي.
وبناءً على ما تقدم، نجد أن إيران والولايات المتحدة تتقاسمان العديد من المصالح المشتركة في المنطقة، فكلتاهما في حالة عداء مع العراق، وفي نفس الوقت مصالحهما الاقتصادية تقتضي السيطرة على ثروات العراق، وكلتاهما تؤيد تدفق النفط بدون إعاقة، وكلتاهما تعارض ـ بدرجات متفاوتة ـ تنامي قوة حركة طالبان بأفغانستان، وتجارة المخدرات الأفغانية، رغم تشابك المصلحة بين ثلاثة اطراف “أمريكا وايران و إسرائيل”، وتبقى الأخيرة حذرة من أن تطغى المصالح المشتركة بين إيران والولايات المتحدة، وتكون بعيد وهذا لا يروق لها .
كذبة إغلاق مضيق هرمز:
من الناحية العسكرية، تستطيع إيران إغلاق المضيق، أو تعطيل حركة الملاحة فيه، حسب رأي خبراء في الملاحة البحرية.
إذ يرى البروفسور الأميركي والخبير في الممرات المائية، أن الجيش الإيراني لا يحتاج إلى قدرات عسكرية خارقة لإغلاق الممر، إذ من الممكن أن يضرب السفن التجارية بالصواريخ أو استخدام القوارب البحرية أو الغواصات أو حتى الألغام البحرية، وبالتالي يمكن تعطيل الحركة الملاحية، وإحداث أضرار بالغة بالحركة التجارية أو حتى توقفها تماماً لفترة.
ويشير البروفسور ويتز، في هذا الصدد، إلى أن أسعار التأمين على السفن والشحنات التجارية التي تمر عبر مضيق هرمز، ارتفعت بمعدل 400%، أثناء الحرب العراقية الإيرانية في العام 1980-1988.
ومن الناحية القانونية، يعتبر مضيق هرمز في نظر القانون الدولي جزء من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه، ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها، وحاولت إيران عدة مرات في مؤتمر قانون البحار، الذي يقع تحت مظلة الأمم المتحدة، أن يكون لها حق الإشراف على المضيق، إلا أن طلبها رفض عدة مرات، وبالتالي، فإن طهران لا تملك حق إغلاق الممر، إلا إذا تحول التوتر القائم بينها وبين واشنطن إلى حرب.
ومن الناحيتين السياسية والاقتصادية، يلاحظ أن معظم الطاقة المصدرة إلى الخارج من منطقة الخليج، سواء كانت نفطاً أو غازاً، تتجه إلى دول آسيوية، وعلى رأسها الصين التي تتحالف مع الحكومة الإيرانية، ولا تستوردها الولايات المتحدة التي باتت شبه مكتفية نفطياً.
الإغلاق محض كذبة، ومجرد جعجعة إيرانية، لأنها بإغلاقه ستخنق الاقتصاد الإيراني الذي يعاني اصلاً من أزمات متتالية، رغم استغلاله واعتماده على الاقتصاد العراقي، وبالتالي فإن إغلاق إيران للمضيق يضر بعلاقات طهران السياسية والاقتصادية.
صفقة بين أمريكا وايران:
لقد قامت الولايات المتحدة الامريكية الحليف الاستراتيجي بتقديم العراق على طبق من ذهب لإيران، فالصفقة ليس لها حدود، فإيران هي الشريك الاكبر بعد اسرائيل مع امريكا، وخير دليل على ذلك، ما حدث في ثمانينيات القرن الماضي، حين دوّت فضيحة كبرى عرفت وقتها بفضيحة ”إيران جيت”، حيث كُشفت للعالم أجمع أن سيلاً من الأسلحة وقطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر إسرائيل إلى طهران أثناء الحرب العراقية الإيرانية، كذلك ما يحدث الآن مع دول الخليج من ابتزاز، فهم مجبرون سنويا على شراء اسلحة من امريكا وحلفائها بعشرات المليارات، تحت حجة توازن القوى في المنطقة، ومواجهة إيران النووية.
إذاً .. تصعيد الولايات المتحدة مع إيران، مجرد ابتزاز لدول الخليج العربي، لأن الإدارة الامريكية تفكر على اساس تجاري لا سياسي، عبر التهديدات والتحذيرات من الخطر الإيراني، وان الولايات المتحدة هي المتصدي الوحيد لهذا الخطر، وعليه فإن المكاسب التي تجنيها هذه الدول من عودة أسعار النفط إلى الصعود ستدفعها إلى أمريكا بشكل أو بآخر، ليصبح الأمريكيون بذلك المستفيدون من ارتفاع الأسعار ومن هبوطها على حد سواء.
خلاصة القول، إن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً مع إيران، ولا تستطيع أن تخوضها، لأن حرباً كهذه تشكل تهديداً لسوق النفط العالمي الذي يشكل الأمن القومي الأمريكي، وهذا غير مربح للطرفين الإيراني والامريكي، لكن التصعيد والتوتر والأزمة الكلامية والسياسية، فهذه يمكن أن تؤدي للعديد من المكاسب للأمريكيين والإيرانيين، والخاسر الوحيد من هذه اللعبة العراق والعراقيين أولاً، والعرب ثانياً.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية